تبرز قيمة البر وبيئاته المتعددة في كونه الحاضن الرئيسي للموائل الطبيعية لـ80% من الكائنات الحية؛ لذا فإن الدفاع عنه في مواجهة التصحر هو دفاع عن الحياة ذاتها، وهدف مستدام ذو أولوية.
نص الهدف الخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة، البالغ عددها سبعة عشر هدفاً، على بعض طرق ترميم هذه النظم عبر عدة وسائل، على رأسها إدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي.
تؤكد دورين لين روبنسون مديرة قسم التنوع البيولوجي والأراضي في برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أنه يتعين على الإنسان أن يدرك أن وجود أنظمة بيئية صحية أمر حيوي لبقاء البشر، وأن حماية كل أشكال الحياة على الأرض، بما يشمل التربة السليمة والحياة البرية والبحرية، هو الوسيلة الوحيدة لاستمرار المستقبل.
وهو ما يمكن رؤيته في التجربة السعودية التي تولي اهتماماً كبيراً لإعادة إحياء المشهد الطبيعي وزيادة الغطاء النباتي بالمملكة؛ ما انعكس بشكل إيجابي على التنوع الإحيائي وإنقاذ الحيوانات من الانقراض وإيجاد نظم إيكولوجية صحية ومتكاملة.
مكافحة التصحر تنقذ التنوع البيولوجي
وعلى هذا المسار، قطعت المملكة العربية السعودية شوطاً كبيراً يجدر إلقاء الضوء عليه وإبراز إنجازاته.
التجربة السعودية
ضمَّنت المملكة حماية الطبيعة في أهداف رؤيتها لعام 2030، التي أعطت أولوية للحفاظ على البيئة، فوسعت نطاق حماية الأراضي لتشمل أكثر من 18% من مساحة البلاد؛ وذلك عبر خطة لاستعادة الغطاء النباتي وزراعة الأشجار المحلية بهدف توفير مساحات واسعة من الأراضي السليمة والتربة الخصبة.
وفي سياق أهداف خطة المملكة لمنع تدهور الأراضي والتصدي لقضية التصحر، قدمت دعماً كبيراً للحياة البرية، وحالياً تعمل على تنفيذ خطط إعادة توطين الحيوانات داخل أراضيها تزامناً مع الجهود المبذولة لاستصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة داخل البلاد وخارجها.
واستطاعت السعودية، عبر مبادراتها الخضراء، حماية الأراضي التي تمثل العمود الفقري للتنوع البيولوجي، واستعادت النظم الإيكولوجية، وأعادت توطين أنواع شهيرة من الحيوانات المحلية المهددة بالانقراض، مثل النمر العربي والمها.
مكافحة التصحر تنقذ التنوع البيولوجي
ولا تتوقف مساعي المملكة في هذا المجال على الوطن السعودي فحسب، بل تهدف مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي أعلن عنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في 27 مارس 2021، إلى المساهمة في جهود مكافحة التغير المناخي من خلال رفع الغطاء النباتي في دول الشرق الأوسط، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية؛ وذلك بإزالة أكثر من 670 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
مكافحة التصحر تنقذ التنوع البيولوجي
المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية
يهتم المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في المملكة بحماية وتنمية التنوع الأحيائي في البيئات البرية والساحلية والبحرية بشكل مستدام، وزيادة مساحة المحميات وتحسين إدارتها، وإعادة الأنواع المهددة بالانقراض إلى مواطنها الطبيعية.
د. محمد قربان الرئيس التنفيذي للمركز، يصف خلال حديثه مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مسألة التصحر بأنها "المشكلة الأولى" التي تواجه الحياة البرية في المملكة؛ لأن فقدان الغطاء النباتي أثَّر على وجود الحيوانات في بيئتها الطبيعية.
لذلك يتعاون المركز مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر؛ لصون الموروث الطبيعي في المملكة. ومما يثير تفاؤل الخبراء في مجال الحياة البرية تحسُّن وضع الطبيعة وتعافيها وعودة الكائنات الحية إلى بيئاتها القديمة.
مكافحة التصحر تنقذ التنوع البيولوجي
يذكر أنه يتبع إدارةَ المركز الوطني عدةُ مراكز بحثية تعمل على الحفاظ على الحياة الفطرية والتنوع الأحيائي والنظم البيئية، ومنها مركز الملك خالد لأبحاث الحياة الفطرية، الذي يعتبر من المراكز العالمية المتخصصة في أبحاث حيوانات الظلفيات البرية وإكثارها للمحافظة عليها من الانقراض وإعادة توطينها في بيئاتها الطبيعية، مثل ظباء الريم، والمها العربي، والوعل الجبلي.
الهيئة الملكية لمحافظة العلا
من صور إسهامات الهيئة الملكية لمحافظة العلا في مضمار الحفاظ على البيئة، مبادرة تأسيس صندوق النمر العربي، وهي المبادرة التي تأتي في إطار الاستراتيجية التي تنفذها الهيئة؛ حيث تسعى إلى الحفاظ على النمر العربي، وعلى النظم الإيكولوجية التي يعتمد عليها، باعتباره من أكثر حيوانات الجزيرة العربية تعرضاً لخطر الانقراض.
مكافحة التصحر تنقذ التنوع البيولوجي
وبالفعل نجحت مساعي الهيئة في استعادة النظم البيئية وصون النمر العربي من الانقراض. وفي عام 2022 أعلنت الهيئة عن ولادة ناجحة لصغيرتين من فصيلة النمر العربي.