نتحدث دائماً عن أهمية المحيطات للحفاظ على النظم البيئية، لكن هذه المسطحات المائية العملاقة تلعب أيضاً دوراً مهماً في ضمان توازن المناخ العالمي على اليابسة، والحفاظ على توزيع الحرارة حول الأرض، بسبب نظام تيارات المحيطات العالمي، وهو مجموعة من التيارات الضخمة تعمل على دفع المياه على السطح وفي المياه العميقة.
تتحرك هذه التيارات المحيطية وتندفع إلى مسافات كبيرة، وتسلك طرقاً محددة تعرف بـ"الحزام الناقل العالمي" الذي ينقل المياه حول العالم، ويؤثر بشكل كبير في تحديد المناخ بالعديد من مناطق الأرض.
ويعد النظام الحيوي لتيارات المحيط الأطلسي، الذي يعرف علمياً بدوران انقلاب خط الزوال الأطلسي "آموك"، جزءاً مهماً من هذا النظام العالمي للتيارات المحيطية.
وحسب تقرير حديث نشرته شبكة "سي إن إن"، قد يكون نظام آموك على وشك الانهيار خلال بضعة عقود، وهو ما يعد كارثة بيئية على مستوى الكوكب من شأنها أن تغير المناخ العالمي.
نظام "آموك"
تعمل دورة آموك مثل الحزام الناقل العالمي؛ حيث تسحب المياه السطحية الدافئة من نصف الكرة الجنوبي والمناطق الاستوائية، ثم تنقلها وتوزعها في شمال المحيط الأطلسي البارد، وعندما تقترب المياه الدافئة كثيراً من القطب الشمالي تبرد وتتجمد، وتصبح المياه المتبقية أكثر ملوحة وتزداد كثافتها، ثم تغوص هذه المياه الباردة والمالحة إلى أسفل مكونة تيار شمال الأطلسي العميق، الذي يتحرك ببطء مبتعداً عن القطب الشمالي ويتدفق باتجاه الجنوب.
ويتكون تيار المحيط الأطلسي الشمالي من عدد من تيارات السطحية الفرعية: تيار الخليج الذي بحمل الماء الساخن نحو الشمال، وتيار كناري الذي يحمل الماء البارد نحو دائرة الجنوب.
المحيط الأطلسي
أهمية نظام "آموك"
تحافظ هذه الآلية على استقرار مناخات الأرض والتوازن الحراري؛ حيث تعمل على إعادة توزيع الحرارة من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية إلى المناطق الواقعة في أقصى شمال منطقة المحيط الأطلسي، وهناك تتحول المياه السطحية إلى تيارات محيطية عميقة وباردة تتجه إلى الجنوب.
وبذلك يحمي نظام آموك أجزاء من نصف الكرة الجنوبي من الحرارة الزائدة، وأجزاء من نصف الكرة الشمالي من البرودة الشديدة، ويجعل المناخ معتدلاً نسبياً، وأثناء هذه الدورة تقوم التيارات المحيطية بتوزيع العناصر الغذائية التي تدعم الحياة في النظم البيئية البحرية والتنوع البيولوجي.
المحيط الأطلسي
مخاوف حول المستقبل
أشارت العديد من الدراسات في السنوات الأخيرة إلى أن نظام آموك قد يكون في طريقه للانهيار؛ حيث أضعفه احترار المحيطات واضطراب الملوحة الناجم عن تغير المناخ؛ حيث ينتج عن ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد تدفق المياه العذبة فتنخفض ملوحة المياه؛ ما يقلل كثافة الماء ويؤثر على آلية حركة التيارات المحيطية، وبذلك تتباطأ دورة آموك الأطلسية وقد تتوقف.
ولم تكشف أي من هذه الأبحاث عن توقيت هذا الانهيار، لكن أحد الأبحاث الحديثة الصادرة عن جامعة "أوترخت" الهولندية، الذي لا يزال في طور المراجعة ولم يتم نشره بعد في مجلة علمية، يتوقع أن انهيار نظام آموك قد يحدث بين عامي 2037 و2064، مع ترجيح عدم وقوع الانهيار حتى 2050، نقلاً عن شبكة "سي إن إن".
وتستخدم الدراسة الهولندية نموذجاً متطوراً لتقدير الوقت المتوقع لانهيار النظام، وحدد العلماء لأول مرة منطقة جنوب المحيط الأطلسي باعتبارها المكان الأمثل لرصد التغيرات في الدورة الحرارية الملحية الأطلسية، مع استخدام بيانات الرصد القديمة لتعزيز توقعاتهم حول الموعد الذي قد تصل فيه دورة آموك إلى نقطة التوقف.
وأوضح رينيه فان ويستن الباحث في الشؤون البحرية والجوية في جامعة "أوترخت" والمؤلف المشارك في الدراسة، في حديثه إلى شبكة CNN، أن جميع الآثار الجانبية السلبية لتغير المناخ الناجم عن النشاط البشري سوف تستمر مثل المزيد من موجات الحر، والمزيد من الجفاف، والمزيد من الفيضانات، ثم يتحتم علينا أن نضيف على كل ذلك انهيار نظام دوران انقلاب خط الزوال الأطلسي، فسوف يصبح المناخ مشوهاً؛ وذلك أمر مقلق للغاية.
ماذا بعد الانهيار؟
خلال العقود التي تلي توقف دورة آموك، سوف يبدأ الجليد القطبي الشمالي بالزحف جنوباً، وبعد 100 عام سوف يمتد حتى يصل إلى الساحل الجنوبي لإنجلترا، وسوف ينخفض متوسط درجة الحرارة في قارتي أوروبا وأمريكا الشمالية، كما سوف تشهد غابات الأمازون المطيرة انقلاباً كاملاً في مواسمها؛ حيث سيصبح موسم الجفاف الحالي هو الأشهر الممطرة.
المحيط الأطلسي
يحذر العلماء من توقف أو انهيار نظام "آموك" الذي يوزع البرودة والحرارة بين مناطق شمال الأطلسي والمناطق الاستوائية، وتأثيره على مستقبل المناخ العالمي؛ لأنه يعد خطراً كبيراً ويجب اتخاذ التدابير اللازمة لتجنب وقوع هذه الكارثة.