قائمة الوداع المناخية.. البطاطس والموز والشوكولاتة قد تصبح حلماً بعيد المنال


مروة بدوي
الاثنين 29 يوليو 2024 | 07:43 مساءً
قائمة الوداع المناخي
قائمة الوداع المناخي

لم يعد مفهوم الانقراض قاصراً على الحيوانات فقط وفق ما يعتقد أغلب البشر؛ إذ دخل قائمة المهددين بوداع كوكب الأرض العديد من النباتات والأشجار، بفعل التغيرات المناخية التي توحشت خلال بضع سنين، وباتت تهدد كل الكائنات الساكن منها والمتحرك.

ربما على البشر إدراك الخطر الكامن وراء تداعيات التغيرات المناخية التي تؤثر على النباتات، والتي يشكل عدد كبير منها جزءاً أساسياً ضمن الأطعمة والمشروبات الشعبية على مستوى العالم.

لذا عليك التكيف مع الأمر وتفكر جيداً كيف ستبدأ يومك دون فنجان القهوة مثلاً، وكيف ستحسن حالتك المزاجية بدون قطعة من الشوكولاتة، وهل تستطيع أن تتناول غداءك بدون طبق الأرز أو البطاطس.

للأسف إذا استمر العالم يعاني من ظاهرة الاحتباس الحراري وتفاقم التداعيات المناخية، فسوف تصبح بعض هذه النعم مجرد ذكرى نحكي قصتها للأجيال القادمة.

تعتمد الزراعة على الموارد الطبيعية والمياه حتى تنمو المحاصيل. وهذه الموارد هي الأكثر تضرراً بسبب ارتفاع درجة حرارة وتغير أنماط هطول الأمطار وانتشار الآفات والأمراض؛  ما يهدد بشكل مباشر محاصيل أساسية تمثل جزءاً من قضية الأمن الغذائي العالمي، مثل البطاطس والأرز، أو المحاصيل الربحية والنقدية التي يعتمد عليها اقتصاد الدول والمزارعين مثل البن.

ولكي تدرك حجم الأزمة سنعرض لك قائمة بأهم الأطعمة والمشروبات التي قد تتعرض للاختفاء أو الانقراض بفعل أزمة المناخ، مع عرض مساعي البشرية لإيجاد طرق من أجل إنقاذ هذه المحاصيل التي لا غنى عنها في حياة الناس.

الشوكولاتة " الكاكاو"

قطعة الشوكولاتة ذات المذاق الساحر قد تصبح نادرة وغير متوافرة في المستقبل بفعل أزمة المناخ. أشجار الكاكاو موطنها الأصلي أمريكا الجنوبية؛ حيث تنتج كل شجرة آلاف الزهور الصغيرة سنوياً، التي تتحول إلى ثمار ضخمة تحتوي كل منها على نحو 30 إلى 60 بذرةً، وبعد ذلك تتم معالجة هذه البذور وتحويلها إلى شوكولاتة، لكن مع تداعيات التغير المناخي المستمر، قد تكون الأشجار الاستوائية المثمرة على شفا الانقراض؛ لعدة أسباب منها فقدان الملقحات الحشرية. 

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

لكي تنتج الأشجار ثمار الكاكاو، يجب تلقيح أزهارها، لكن عملية التلقيح في السنوات الحالية تتم فعلياً لنحو 10 إلى 20% فقط من الزهور، بينما يترك نحو 90% منها دون لقاح، فتموت خلال 36 ساعة بعد أن تتفتح.

وبحسب موقع ScienceDirect، يبدو أن هناك صلة بين تغير المناخ والملقحات المسؤولة عن تلقيح الثمار؛ حيث يبدو أنها تبتعد عن تلقيح نبات الكاكاو.

الكاكاو من النباتات ذات الحساسية العالية. ويشير موقع الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، إلى احتياج أشجار الكاكاو إلى ظروف محددة للغاية حتى ينمو داخل الغابات المطيرة، منها درجات حرارة موحدة، ورطوبة عالية، وأمطار غزيرة، وتربة غنية بالنيتروجين، والحماية من الرياح.

توجد هذه الظروف حالياً على بعد 20 درجة شمال وجنوب خط الاستواء، وتعد كوت ديفوار وغانا من الدول الرائدة في إنتاج الشوكولاتة، ويخرج منهما أكثر من نصف إنتاج الشوكولاتة في العالم. وهذا يعني أن تأثر منطقة غرب إفريقيا بالتغير المناخي يؤدي بالتأكيد إلى تضرر نصف إنتاج العالم من الكاكاو.

تقدر الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن مناطق زراعة الكاكاو قد تواجه زيادة في درجة الحرارة بمقدار 2.1 درجة مئوية بحلول عام 2050، وهو ما من شأنه أن يقلل بشكل كبير من المساحة المزروعة، ويقلص المناطق المناسبة لزراعة الكاكاو إلى أدنى مستوى.

وعند فحص 294 موقعاً داخل كوت ديفوار وغانا من قبل الباحثين، تبين أن 10.5٪ فقط من هذه الأراضي يصلح بشكل جيد لإنتاج الكاكاو. ومن المرجح أن تتحول النسبة المتبقية البالغة 89.5% إلى أراضٍ أقل ملاءمة بحلول عام 2050 ومن ثم تتحول إلى مساحات غير صالحة مع الوقت أو تنتج أشجاراً قليلة الجودة، ومن المتوقع أن تؤثر هذه التغييرات في جودة وصلاحية الأراضي خلال 40 عاماً على أقصى تقدير، وهذا هو أحد أوجه المشكلة.

أما الوجه الآخر، فيتمثل في أن المناطق المتوقع أن تتلاءم مع زراعة أشجار الكاكاو، غالباً ما تكون مناطق جبلية، مثل نطاق أتوا في غانا، وهي للأسف محمية غابات؛ حيث لا يُسمح بالزراعة. وقد يتعين على البلدان التي تقوم بزراعة الكاكاو اختيار الأولوية الأكثر أهميةً من بين زراعة منتج نقدي لتلبية الطلب العالمي والتصدير، أو الحفاظ على الموائل الطبيعية! 

وحذرت دراسة نشرت على موقع HBS Digital Initiative التابع لكلية "هارفارد" للأعمال من أن أشجار الكاكاو مهددة، وقد يموت ثلثها بحلول عام 2050؛ ما قد يؤدي إلى القضاء على ما يقرب من ثلث الإنتاج العالمي من حبوب الكاكاو.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

الجهود المبذولة لمكافحة الآثار السلبية للمناخ

مساعدة الشوكولاتة على التكيف مع تغير المناخ قد يتم بطريقتين: 

الأولى عبر مزارعي الكاكاو وتزويدهم باستراتيجيات التكيف، مثل البذور الانتقائية التي تتمتع بمقاومة فائقة للجفاف، واعتمادهم طرق زراعة الكاكاو التقليدية التي تستفيد من الظروف التي ينمو فيها الكاكاو بشكل طبيعي. ويُعرف هذا النهج في البرازيل باسم الكابراكا، ويتضمن الاحتفاظ بأشجار الغابات المطيرة التي تحيط باشجار الكاكاو، أو في بعض الحالات إعادة زراعتها، حتى توفر الظل لأشجار الكاكاو. وقد يساعد هذا النهج في خفض درجة الحرارة والتبخر.

كما توفر الأشجار الطويلة حول أشجار الكاكاو الحماية من تآكل التربة بسبب الرياح، كما تبدو أشجار الكاكاو المزروعة بهذه الطريقة أقل عرضة للآفات، وبذلك تحتفظ الأرض بشكل أفضل بقدرتها على دعم الكاكاو على المدى الطويل

 كما تقدم طريقة الكابراكا ميزة أخرى تتمثل في الكربون، الذي يبقى مخزناً في الأشجار بدلاً من إطلاقه في الغلاف الجوي في حال إزالة الغابات. وخلصت الدراسات التي أجريت في البرازيل إلى أن ممارسات الكابراكا الزراعية الحكيمة يمكن أن تضاعف إنتاج الكاكاو بطريقة صديقة للمناخ.

الطريقة الثانية للحفاظ على إنتاج الكاكاو قد تتم عبر شركات صناعة الشوكولاته، التي من المؤكد أنها تهتم بالحفاظ على أشجار الكاكاو؛ لذلك تقوم شركة Mars أكبر شركة مصنعة للشوكولاتة في العالم، بتكثيف جهودها بشكل واضح لمكافحة تغير المناخ، وتتعاون مع العلماء لتطوير التكنولوجيا لمساعدة الكاكاو على البقاء.

بجانب تنفيذ خطط الاستدامة والاستثمار لمعالجة ثلاثة مجالات رئيسية: تحقيق إدارة أكثر كفاءة للأراضي والمياه، والاهتمام بالعلوم والابتكار والبحوث في مجال إنتاج الغذاء حتى تضمن الشركة استمرار إمبراطوريتها التي تم بناؤها خلال 106 أعوام؛ فإذا تمكن مزارعو الكاكاو وخبراء صناعة الشوكولاتة من التخطيط للمستقبل، فسوف يكون ذلك خبراً جيداً لكل عشاق المسحوق البني.

القهوة

القهوة هي المشروب الأكثر شعبية في العالم؛ حيث يشرب البشر ملياري كوب يومياً، لكن فنجان المزاج الصباحي قد يصبح حلماً غير متاح أو رفاهية يتمتع بها الأثرياء فقط في المستقبل. ولا تقف أهمية البن عند من يعشقون مذاقه فقط، بل يوفر هذا المحصول فرصة اقتصادية في كل دولة يزرع بها.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

البن سوف يصبح محصولاً هشاً؛ حيث تشير تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى أن تغير المناخ سوف يقلل من متوسط الإنتاج العالمي كما يتسبب في تقلص المساحة المناسبة لزراعة البن بحلول عام 2050.

وكشفت دراسة  إيطالية حديثة نشرت عبر موقع المكتبة الوطنية للطب NLM التابعة لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية، عن تغيير شامل في خريطة مناطق زراعة البن الحالية، بسبب التأثير السلبي للتغير المناخي على أجزاء واسعة في كبرى الدول المنتجة للبن، بما في ذلك البرازيل وفيتنام وهندوراس والهند، التي سوف تتحول إلى  أراضٍ غير صالحة لزراعة البن.

 ومن المتوقع أن تخسر إثيوبيا والسودان وكينيا 90% من أراضيها الملائمة  لزراعة القهوة بحلول عام 2080، بينما  88% من الأراضي المستخدمة لإنتاج القهوة في أمريكا اللاتينية يمكن أن تعاني من هذا المصير نفسه بحلول عام 2050.

يؤثر ارتفاع درجات الحرارة على إنتاج المحصول وجودة القهوة، لذلك تتم زراعة القهوة العالية الجودة في مناطق معينة من العالم؛ حيث يسمح الطقس للحبوب بالنضج في الوقت المناسب، لكن مع التغيرات المناخية والاحتباس الحراري نجد أن  أرابيكا أو Coffea arabica، أحد أنواع البن الرئيسية في العالم، انضم إلى قائمة النباتات المعرضة للانقراض وفقاً لتصنيف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة "IUCN".

ويعتبر محبو القهوة أن انقراض أرابيكا واحد من أسوأ السيناريوهات العالمية؛ لذلك يحاول الكثيرون من الخبراء العثور على نوع آخر من البن يستطيع أن يقاوم التغير المناخي ويحمل مذاق القهوة المفضل.

الجهود المبذولة لمكافحة الآثار السلبية للمناخ

من أجل نجاة القهوة من تغير المناخ، يجب أن يحتضن العالم حبوباً جديدة من البن تتسم بالمرونة المناخية؛ حيث يوجد 124 نوعاً من القهوة، لكن معظم شاربي القهوة لا يعرفون إلا نوعين فقط: الأرابيكا والروبوستا. 

وتمثل الأرابيكا 60% من القهوة المتداولة سنوياً، في حين تمثل الروبوستا 40%، وفقاً لوزارة الزراعة الأمريكية. ولكي تتكيف صناعة القهوة مع المناخ الدافئ، سوف يحتاج المزارعون إلى زراعة أنواع جديدة من القهوة، بالإضافة إلى الأنواع المتداولة حالياً، ومن أكثر الأنواع المرشحة لإنقاذ صناعة القهوة حبوب ستينوفيلا، التي تتمتع بالمرونة المناخية، والنكهة الرائعة، وقابلية التوسع في زراعتها داخل عدة مناطق بالعالم.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

ويمكن لقهوة ستينوفيلا، التي تم اكتشافها مؤخراً في سيراليون غرب إفريقيا، أن تتحمل درجات حرارة لا تتحملها حبوب الأرابيكا، لكن هذه القهوة المقاومة للمناخ لن تصبح حلاً قابلاً للتطوير إلا إذا كان مذاقها استثنائياً إلى الحد الذي يؤدي إلى زيادة الطلب؛ لذلك تعمل شركات صناعة البن على إضافة نكهات الفواكه والزهور حتى تعطي قهوة ستينوفيلا مذاقاً مختلفاً ومحبوباً.

الموز آخذ في الاختفاء

نستطيع أن نعتبر الموز من المحاصيل القليلة التي تجمع بين صفتين؛ فهو يُزرَع في المناطق الاستوائية، باعتباره محصولاً نقدياً للتصدير وأيضاً مصدراً محلياً للغذاء؛ لذلك يعد الموز من الفواكه الأكثر شعبية في العالم، وأحد أفضل 10 محاصيل في العالم من حيث المساحة المزروعة والسعرات الحرارية التي يوفرها لسكان العالم.

 قبل نحو 60 عاماً، كان ارتفاع درجة حرارة العالم يقف في مصلحة محصول الموز؛ولذلك كانت تزيد الإنتاجية السنوية للموز، وكان  تغير المناخ حينها صديقاً وفياً للمحصول الأصفر، لكن مع استمرار الأزمة بدأت مكاسب الإنتاج السنوية في الانخفاض، وتحول صديق الأمس إلى عدو اليوم.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

ووجد الباحثون أنه بسبب ارتفاع درجات الحرارة على مدى العشرين عاماً الماضية، انخفض إنتاج الموز بنسبة 43٪ بحسب تقرير منظمة العمل ضد الجوع.

ومشكلة الموز مع التغير المناخي لا تتبلور في زيادة درجات الحرارة العالمية، لأنها من الناحية الفنية قد تجعل المزيد من الأراضي قادرة على زراعة الموز، لكن المشكلة الحقيقية في نقص المياه الذي يبطل أي محاولة لزيادة المحصول، بالإضافة إلى تداعيات الاحترار الذي يؤدي إلى زيادة انتشار الأمراض والآفات بشكل أسرع؛ ما يهدد الأصناف الشائعة من الموز.

وتشير دراسة جديدة أجراها مجموعة من الباحثين  في جامعة إكستر بالمملكة المتحدة إلى أن محصول الموز العالمي سوف يكون مهدداً في أمريكا الجنوبية وفي آسيا أيضاً، ومن المتوقع أن تعاني الهند، التي تعد أكبر منتج ومستهلك للموز في العالم.

الجهود المبذولة لمكافحة الآثار السلبية  للمناخ

أكثر ما يعاني منه محصول الموز هو الأمراض والآفات، وخاصة انتشار مرض فطري يسمى مرض "بنما"، وهو المرض الذي يهدد أكثر الأنواع انتشاراً من ثمرة الموز بالانقراض، ومن المؤكد أن الاحترار يزيد من انتشار هذه الأمراض ويجعلها أكثر فتكاً بواحد من أكثر الفواكه شعبية.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

لمواجهة التأثير السلبي للمناخ على الموز يعمل العلماء على استخدام علم الهندسة الوراثية في إنتاج نوع من الموز يستطيع مقاومة الأمراض؛ حيث يتسبب مرض بنما في ذبول أشجار الموز ثم موتها ببطء، وبعد ظهورها في دول أمريكا الوسطى، بدأت المراكز البحثية خلال العام الماضي تجري تجارب ميدانية على نوع من الموز، تم تعديله جينياً في محاولة لمساعدته على البقاء ومواجهة الفطريات عبر تفعيل مقاومته للأمراض.

كما ذكرت هيئة  البث الأسترالية (ABC) محاولات العلماء استغلال الأنواع البرية من الموز، التي  تحتوي على جينات مقاومة لمرض بنما، والعمل على نقل هذه الجينات إلى سلالات الموز المهددة من أجل  الحفاظ عليها. الموز البري يحتوي على بذور كبيرة وكثيرة وغير قابلة للأكل وينمو في الغابات المطيرة في دولة بابوا غينيا الجديدة.

ويتمنى الجميع نجاح الهندسة الوراثية في إنقاذ الموز من براثن أزمة المناخ؛ حتى لا يكون الخاسر الأول هو الإنسان الذي من المحتمل أن يفقد كوباً طازجاً من عصير الموز الغني بالقيمة الغذائية.

البطاطس

رغم أن البشرية لم تعرف رقائق البطاطس إلا في القرن الـ١٦ بعد غزو الأوربيين لأمريكا الجنوبية، فإنها استطاعت أن تصبح ضيفاً دائماً على كل مائدة بالعالم.

وتعد البطاطس ثالث أهم محصول غذائي بعد الأرز والقمح، وغالباً ما تكون البطاطس المصدر الرئيسي للدخل والأمن الغذائي في البلدان النامية.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

لكنها تعاني من تغير المناخ وآثاره السلبية، بحسب دراسة لجامعة فلوريدا الأمريكية؛ حيث يشير تطبيق سيناريوهات تغير المناخ المستقبلية على أنظمة زراعة البطاطس الحالية إلى انخفاض إنتاج البطاطس بنسبة تصل إلى أكثر من الربع بحلول عام 2085، وسوف تتأثر بشكل خاص حقول البطاطس في مناطق أوروبا الشرقية وأمريكا الشمالية والأراضي المنخفضة في أفريقيا بشكل أكبر من باقي الأراضي. وبما أن البطاطس تحتاج إلى إمدادات ثابتة من المياه لتنمو، فسوف يقل عدد الأماكن المناسبة  لإنتاج البطاطس عالمياً.

وقد انخفضت إمدادات البطاطس في الأعوام السابقة  بسبب موجات الجفاف والصقيع الصعبة، وبالمستقبل سوف يشكل تغير المناخ تهديداً خطيراً لزراعة البطاطس؛ حيث إن الاحترار المصاحب لارتفاع مستويات سطح البحر، يدفع مزارعي البطاطس إلى الانتقال إلى ارتفاعات أعلى لتجنب الحرارة، كما يحدث في بيرو أكبر منتج للبطاطس في أمريكا اللاتينية، لكن حتى هذا ليس حلاً طويل الأمد.

ويتوقع أمين بنك الأصول الوراثية للمركز الدولي للبطاطس (CIP) رينيه غوميز، أنه في ظل هذا المعدل من الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة طوال معظم العام، الذي يليه الصقيع الشديد وتجميد الحقول، فإن البطاطس "في خطر مطلق" في بيرو. ووفقاً لحديثه فمن المرجح أنه خلال 40 عاماً لن يكون هناك مكان لزراعة البطاطس في المنطقة، ومن ثم سوف يفقد العالم نسبة كبيرة من محصول البطاطس تجعلها على وشك الاختفاء من على المائدة.   

الجهود المبذولة لمكافحة الآثار السلبية للمناخ

على الرغم من عدم إمكانية وقف تغير المناخ، فإنه يمكن تطوير البدائل لمواصلة زراعة هذا المحصول، بحسب دراسة منشورة على موقع المكتبة الوطنية للطب NLM التابعة لمعاهد الصحة الوطنية الأمريكية.

قائمة الوداع المناخيقائمة الوداع المناخي

البطاطس نشأت في مرتفعات الإنديز في أمريكا الجنوبية، وهي منطقة تتميز بمناخ معتدل بارد وفترة ضوئية قصيرة، لكن البطاطس اليوم تُزرع في جميع أنحاء العالم في ظل بيئات ومواسم مختلفة ويغطي توزيع نباتات البطاطس جميع أنحاء العالم تقريبًا، بما يعني أن البطاطس لديها قدرة جيدة على التكيف مع الظروف البيئية والمناخية المختلفة، لكن نمو البطاطس يتأثر بالمشاكل البيئية، مثل الإجهاد المائي، ودرجات الحرارة وملوحة التربة.

وترى الدراسة أن تطبيق الممارسات الزراعية  للتكييف مع الظروف البيئة وتخفيف الضغوط على البطاطس، سوف يمكننا من حماية المحاصيل من التأثيرات الضارة الناجمة من التغير المناخي؛ فإذا كانت المشكلة هي الإجهاد الحراري مثلاً، يمكن تعديل الجداول الزراعية أو استخدام الأصناف المحسنة؛ لذلك تختلف طرق التكيف تبع كل منطقة وتداعيات المناخية التي تعاني منها.

ويتطابق ذلك مع حديث أمين بنك الأصول الوراثية للمركز الدولي للبطاطس (CIP) رينيه غوميز، الذي أكد أنه رغم كل هذه الأضرار، يمكن تطوير البدائل لمواصلة زراعة محصول البطاطس الذي يزرع في جبال الإنديز منذ آلاف السنين مثل اعتماد الأصناف المقاومة للجفاف والصقيع، والبعد عن الأصناف المحلية حالياً.

الأرز

في الغالب لا يخلو طبق من الأطباق الشعبية الشهيرة من حبات الأرز، الغذاء الأساسي لأكثر من 3.5 مليار شخص بالعالم؛ حيث يتجاوز استهلاك الفرد السنوي 100 كجم في العديد من الدول الآسيوية وبعض الدول الإفريقية، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو).

رغم أهميته الشديدة في حياتنا اليومية، أكدت العديد من الدراسات العلمية حساسية الأرز تجاه تغير المناخ. وتظهر دراسة نشرت في Nature communications أن الاحترار قد يزيد من تركيزات الزرنيخ في حقول الأرز، ويقلل من الإنتاج العالمي بنسبة 40 في المائة تقريباً حتى عام 2100.

رغم تزايد الطلب على الأرز، فإن إنتاجيته على مستوى العالم قد تنخفض إذا ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة.  وتتوقع بعض التقديرات، ومنها  المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن يقل المحصول خاصة في آسيا؛ بسبب عدد سكانها الكبير ومساحة أراضيها، وسوف تشهد الهند والصين خسائر كبيرة في الأراضي الصالحة للزراعة.

يعد الأرز أحد العناصر الأساسية في المطبخ الآسيوي، لكنه من أكثر المحاصيل المعرضة للخطر بسبب موجات الحر وانخفاض هطول الأمطار في موسم النمو. على سبيل المثال قد أدت تداعيات التغير المناخي في بنغلاديش إلى تدمير أكثر من 168 ألف فدان من الأرز، وفقاً لموقع منظمة العمل ضد الجوع.

كما تتعرض الحقول الساحلية لمحصول الأرز لخطر ارتفاع منسوب سطح البحر، وغمر الأراضي الجافة؛ ما يؤدي إلى إتلاف محاصيل الأرز أو تدميرها، كما يحدث في فيتنام؛ حيث يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى زيادة ملوحة التربة وإفسادها.

ورغم أن محصول الأرز من المحاصيل الاستراتيجية التي قد تتعرض للاختفاء بسبب المناخ، فإن من المفارقات أن زراعة الأرز هي أيضاً واحدة من أكبر الزراعات المساهمة في أزمة التغير المناخي؛ حيث تنتج نسبة كبيرة من انبعاثات غاز الميثان العالمية، ويستهلك الأرز كميات هائلة من الماء أكثر من أي محصول آخر.

كما أن زراعة الأرز المكثفة تستنزف التربة وتقلل من خصوبتها. وتنوه منظمة الفاو بأن الزراعة المكثفة للأرز في آسيا ترتبط باستنزاف المغذيات الدقيقة في التربة، وتراكم سمية التربة وارتفاع معدل الإصابة بالآفات والأمراض.

الجهود المبذولة لمكافحة الآثار السلبية للمناخ

كيف يمكن مكافحة تأثير الصدمات المناخية على إنتاج محصول الأرز والحفاظ عليه لتلبية احتياجات مليارات البشر، وفي الوقت نفسه تقليل تأثيره البيئي؟  هذا ما تعمل من أجله منصة الأرز المستدام (SRP)، وهو مشروع يضع معايير الاستدامة الاجتماعية والبيئية للأرز، تحت رعاية الأمم المتحدة. وتعمل هذه المنصة حالياً في نحو 22 دولة لتأصيل معايير الاستدامة في زراعة الأرز، مثل الحد من استخدام الأسمدة، والإدارة المتكاملة للآفات، وفي المقام الأول الاستخدام الجيد للمياه.

يضاف إلى ذلك جهود الباحثين في المعهد الدولي لبحوث الأرز (IRRI) عن طريق رسم خرائط للمناطق العالية المخاطر؛ حتى يعرف المزارعون متى يزرعون المحصول، مع اللجوء إلى الحصاد مبكراً لمنع تسرب المياه المالحة وتدمير المحصول، ووضع جداول زراعية حتى يتم تناوب الأرز مع محاصيل أخرى؛ لتثبيط الزراعة المكثفة وتشجيع التناوب مع المحاصيل الأخرى.

وذلك بجانب إجراء الاختبارات على أنواع من الأرز تحتاج إلى كميات أقل من الماء، والعودة إلى الأصناف المحلية الأقل إضراراً بالتربة، وتطوير أرز يتحمل المياه المالحة، وأصناف أكثر مقاومة للجفاف، بالإضافة إلى جهود أخرى لمساعدة الأرز على النجاة من هذه الظروف المناخية القاسية.