يوماً تلوَ الآخر، تتفاقم آثار التغيُّرات المناخية، وما تصاحبها من أنشطة بشرية غير مستدامة، وتغيُّر لشكل البيئة التي اعتدناها لسنوات طويلة، حتى تفقدها السِّمات التي تُميِّزها عن غيرها، وتُهدِّد معها حياة البشر.
بفعل الجفاف، وارتفاع درجات الحرارة، والرعي الجائر، وإزالة الغطاء النباتي؛ تفاقمت ظاهرة التصحر، وهو أحد أنواع تدهور الأراضي الذي يُهدِّد نحو مليارَي إنسان، وفقاً لإحصائيات أممية.
ما التصحُّر؟
تُعرِّف الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ "IPCC" التصحر بأنه تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، والأراضي الجافة شبه الرطبة، بفعل عدة عوامل؛ منها التغيرات المناخية، وتقع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين أكثر المناطق المتضررة.
وبحسب اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر "UNCCD"، هناك 100 مليون هكتار سنوياً من الأراضي المُنتجة على سطح الأرض تتعرض للتدهور.
تسارع آثار التصحر أدخل العلماء في سباق لمحاولة تخفيف آثارها، بل إنقاذ ما تبقى من أراضي تلك المناطق قبل أن ينالها التدهور؛ وذلك عبر عدة طرق؛ منها الاستعانة بالكائنات الدقيقة التي تشاركنا الحياة على الأرض، ويمكنها خلال عيشها بين ثنايا التربة القيام بقائمة طويلة من المهام؛ أبرزها مواجهة التآكل وتثبيت العناصر الغذائية.
رغم كونها لا تُرَى بعيننا المجردة، فإن ميكروبات التربة لها دور هام في توافر عناصر النيتروجين والفوسفور لدعم إنتاجية النبات، بما في ذلك أنواع التربة الفقيرة.
في ورقة بحثية نشرتها دورية sustainability، قدمت الدكتورة فاتن ضاوي عضوة هيئة التدريس في كلية العلوم الزراعية والأغذية في جامعة الملك فيصل السعودية، مراجعة لخَّصت من خلالها الدور الذي يمكن أن تقوم به تلك الكائنات في تخفيف عمليات التصحر، مشيرةً إلى أن هناك عدة عوامل تحدد مدى نشاط الكائنات الدقيقة وتنوعها في التربة، وعلى رأسها درجات الحرارة والرطوبة، ومدى توافر الكربون العضوي.
البكتيريا الزرقاء
إحدى الكائنات التي أشارت "ضاوي" إلى دورها هي البكتيريا الزرقاء، التي أشارت عدد من الدراسات التجريبية إلى قدرتها على زيادة خصوبة التربة في المناطق الصحراوية، كما يمكنها تعزيز عمليات الاحتفاظ بالمياه عبر تثبيت النيتروجين والكربون.
لكن البكتيريا الزرقاء يمكن زيادة تأثيرها عندما يجري الاستعانة بها بصحبة نوع آخر من الكائنات الدقيقة، وفقاً لدراسة حديثة نشرتها دورية "Frontiers in Microbiology".
إحدى الفرق البحثية في الصين استخلصت فطر "Zh2" من مجموعة من الأشنيات الموجودة في إحدى المناطق الصحراوية، وتزويد التربة بها بصحبة بكتيريا "Phormidium tenue" وهي إحدى سلالات البكتيريا الزرقاء، وانتهت التجربة إلى أن كميات العناصر الغذائية في التربة تصبح أعلى عندما يجري الاستعانة بالنوعَين معاً، بدلاً من استخدام كل نوع على حدة.
ووفقاً لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، تتكون الأشنيات عبر علاقة تكافلية بين الفطريات والطحالب أو البكتيريا، وتوجد على الأرض منذ ما لا يقل عن 250 مليون عام.
بكتيريا مزروعة معملياً
وأثبتت البكتيريا الزرقاء المزروعة في المختبر نجاحها في اختصار فترة تكوين قشرة بيولوجية للتربة الصحراوية من 10 أعوام كاملة إلى عام واحد فحسب، وفقاً لنتائج نقلتها وكالة "شينخوا" الصينية.
لكن هناك عاملاً يشير العلماء إلى ضرورة مراعاته، وهو الطبيعة الخاصة لكل منطقة، التي تحتاج إلى اختيار كائنات دقيقة مناسبة من بكتيريا أو فطريات، التي تختلف طبيعة تفاعلها مع كل نوع من أنواع التربة المختلفة، ومع الكائنات الدقيقة المحلية الموجودة بالفعل، وفقاً لدراسة نشرتها دورية "Earth-Science Reviews".
الدراسة أشارت إلى أنواع أخرى من البكتيريا مثل "الرايزوبيوم"، و"البراديريزوبيوم" القادرة على تثبيت النيتروجين، وتحويله إلى أمونيا تمتصها النباتات، وتكون علاقتها تكافلية بالعديد من النباتات البقولية، مثل الفاصوليا والبازلاء؛ ما يشير إلى أهمية زراعة هذه المحاصيل في المناطق القاحلة.