تعد الجلود إحدى أضلع قطاع الأزياء حول العالم، الذي يمثل مورداً رئيسياً لتلوث البيئة، ورقماً هاماً في أزمة التغير المناخي؛ ما دفع مصممي الأزياء إلى البحث عن طريق مستدامة في صناعة هذه المادة الأنيقة الملساء الملمس.
مصممو الأزياء أمام تحدٍّ صعب طوال الوقت لمواجهة الطلب المتزايد على الجلود مع مراعاة معيار الاستدامة لتقديم بديل أنيق، وهو البديل الذي وجده البعض في الفطر.
التأثير البيئي لصناعة الجلود التقليدية
قبل معرفة البديل المستدام للجلود عليك أولاً إدراك حجم الأزمة؛ إذ يعد إنتاج الجلود بالطريقة التقليدية، المعتمدة على جلد الحيوانات، عملية ضارة بكوكب الأرض؛ لأن تربية الماشية تنطوي على مخاطر بيئية عدة تتمثل في:
إزالة الغابات.
تلوث المياه.
انبعاثات غازات الدفيئة.
وتتطلب هذه العملية أيضاً كميات كبيرة من المياه والأراضي؛ ما يساهم في زيادة التدهور البيئي، بجانب أن قطاع الثروة الحيوانية مسؤول عن نحو 32% من انبعاثات غاز الميثان التي يسببها النشاط البشري.
وفق برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة، فإن غاز الميثان هو ثاني أكبر مساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون، كما أن الجلود التقليدية تثير جدلاً أخلاقياً كبيراً بسبب استخدام مواد كيميائية في عمليات المعالجة والدباغة.
أما الجلود الاصطناعية فيتطلَّب إنتاجها كميات كبيرة من الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، بجانب أنها لا تتحلل، وتبقى في مكب النفايات، وتطلق مواد كيميائية خطيرة تُلوِّث الماء والتربة.
ابتكار "جلد الفطر"
بدأ عالم الأزياء وسوق الجلود في التطلع إلى مواد جديدة، وبالفعل توصَّل مصممون إلى ابتكار الجلد النباتي المصنوع من الفطريات "المشروم"، الذي أخذ يغزو الصناعة، ويُقدِّم بديلاً مستداماً وأنيقاً للجلد التقليدي، في محاولة لتبني نهج أكثر وعياً بالبيئة.
وحسب مقال نُشر على موقع "Earth.com"، فإن جلد الفطر النباتي نسيج مبتكر مصنوع من الميسيليوم أو الغزل الفطري، الذي يشكل الجزء النباتي الأخضر في الفطريات. ويتكون الميسليوم من شبكة من الخيوط البيضاء الدقيقة تسمى خيوطاً فطريةً، ويمكن لهذه الخيوط أن تخترق مواد مختلفة، بما في ذلك التربة والخشب والمواد العضوية.
ويمثل الميسيليوم هيكل النمو الرئيسي للفطريات، والوسيلة الأساسية لامتصاص العناصر الغذائية؛ لأنه يعمل على تكسير المواد العضوية المعقدة إلى مركبات أبسط حتى يتمكن الفطر من امتصاصها، كما أن الميسيليوم يلعب دوراً حيوياً في النظم البيئية؛ حيث يفكك المواد العضوية الميتة ويُعِيد تدوير العناصر الغذائية مرة أخرى في التربة؛ ما يحافظ على صحة التربة ونمو النبات.
وبجانب دوره المهم في مملكة الفطريات، يمكن استغلال الميسيليوم في تطبيقات واستخدامات مختلفة، منها تحويله إلى سماد طبيعي، أو دخوله في تصنيع بعض المضادات الحيوية والأدوية، وأخيراً صناعة المنتجات الجلدية.
جلود الفطر
إنتاج جلد الفطر النباتي
اكتشف العلماء أنه يمكن استغلال مادة الميسيليوم المستخلصة من فطر المشروم في الحصول على مادة تشبه الجلد التقليدي إلى حد كبير، من حيث الملمس والمتانة وتعدُّد الاستخدامات.
من خلال زراعة الميسيليوم على النفايات الزراعية مثل قش الأرز أو تبن القمح أو المواد العضوية الأخرى، وبعد نحو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من النمو؛ تتشكل حصيرة سميكة أو صفيحة فطرية يمكن معالجتها فيزيائياً وكيميائياً ثم صبغها لإنشاء اللون والملمس المطلوب، حتى تتحول إلى مادة جديدة تشبه جلود الحيوانات.
نستطيع القول إنها تقنية حيوية بسيطة نستخدم فيها أي نوع من المخلفات الزراعية والحرجية كمواد أولية ينمو عليها الفطر في هيئة كتلة من الخيوط أو الغزل الفطري، وهو المادة الأساسية والعمود الفقري لبنية الجلد النباتي المنتج من الفطريات.
أهمية الجلد النباتي
يمثل جلد الميسيليوم أفضل بديل مستقبلي لجلود الحيوانات على كل المستويات؛ فهو الخيار الأكثر استدامةً؛ حيث لا يحتاج إلى مساحات شاسعة من الأراضي ولا كميات كبيرة من المياه؛ ما يقلل الضغط على الموارد والموائل الطبيعية، ويعالج إحدى المشكلات المهمة المرتبطة بإنتاج الجلود التقليدية.
علاوة على ذلك، فإن عملية إنتاج جلد الميسيليوم تستهلك كميات أقل من الطاقة، ولا تنتج نفايات ضارة؛ ما يجعل طريقة التصنيع أنظف وأكثر كفاءةً. وعلى عكس الجلود الحيوانية، التي تتطلب معالجة مكثفة، تتم زراعة جلد الميسيليوم من خلال عملية طبيعية تطلق كمية أقل من انبعاثات الكربون.
ويحقق إنتاج جلد الفطر مبدأ الاقتصاد الدائري؛ حيث يعتمد على تحويل المخلفات الزراعية إلى مواد صديقة للبيئة وقابلة للتحلل بالكامل، كما يمكن إعادة استخدام المنتج النهائي سماداً للأرض. كل ذلك يجعل جلد الميسيليوم بديلاً واعداً ومنخفض التكلفة يمكن أن يساعد في تقليل التأثير البيئي لصناعة الأزياء.
مستقبل موضة جلود "المشروم"
إمكانيات الجلد الجديد لا يمكن حصرها؛ لذلك يتبنى عدد من المصممين هذه المواد المتعددة الاستخدامات لإنشاء مجموعة واسعة من المنتجات، ويشمل ذلك الشركات الناشئة المستدامة والعلامات التجارية الفاخرة، ومنها علامة هيرميس صاحبة أغلى الحقائب في العالم، التي أنتجت بالفعل مجموعة محدودة من حقيبة "هيرميس فيكتوريا" من نسيج جلدي مصنوع من الفطريات.
جلود الفطر
تمثل الأزياء المستدامة والاخلاقية سوقاً متنامية في العالم، وقد تكون جلود "المشروم" رائدة في هذا القطاع. وتقول آسيا كروفورد الأستاذة المساعدة في مجال التكنولوجيا والمواد البيولوجية بجامعة كولورادو الأمريكية: "بينما يبحث العالم عن بدائل مستدامة للمواد التقليدية، هناك اهتمام متزايد باستخدام الكائنات الحية لإنتاج بدائل ومواد قابلة للتحلل ذات تأثير بيئي منخفض، مثل جلد الميسيليوم، وهو بديل للجلود وصديق للبيئة".
وأخيراً، قد يبدو مستقبل جلد الميسيليوم مشرقًا، لكن لا تزال هناك تحديات يجب التغلب عليها، منها رفع مستوى الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد، وضمان مستوى عالٍ من الجودة والملمس المماثل للجلود التقليدية.
ورغم ذلك، من المؤكد أن تأثير جلد الميسيليوم يمتد إلى ما هو أبعد من صناعة الأزياء، ويشمل قطاعات أخرى مختلفة، بما في ذلك التصميم الداخلي للسيارات والأثاث، وحتى مواد البناء، وقد تستطيع هذه المادة المستدامة والمتنوعة الاستخدام أن تمهد الطريق لمستقبل أكثر وعياً بالبيئة.