إن كان البشر يرون أن الظواهر الجوية الطارئة هي أكبر الأضرار، فإن ظنهم يسير في الاتجاه الخاطئ، والطارئ انتفت عنه صفته وبات أمر سائداً، وفوضى المناخ أصبحت ظاهرة موسمية.
الفوضى المناخية تسود الكثير من دول العالم، بسبب تقلب الأخطار، والتأرجح بين حالات الجفاف والفيضانات الشديدة بشكل مفاجئ؛ ما يجعل حالة التكيف مع أزمة المناخ أمراً معقداً ومحفوفاً بالخطر.
إذا كان من الصعب على المجتمع الاستجابة لنوع واحد من الكوارث الطبيعية مثل الجفاف، فكيف سيكون الوضع إذا كان عليه التكيف مع الفيضانات المفاجئة وسط حالة من الجفاف؟!
كشفت دراسة جديدة أن ملايين الأشخاص حول العالم يعانون من "تقلب الأخطار المناخية" منذ بداية القرن الحالي. ويشير البحث إلى أن المناطق التي كانت تعاني من حالات الجفاف المتكررة، أصبحت الآن أكثر عرضةً للفيضانات. وعلى العكس؛ هناك مناطق أخرى كانت معرضة تاريخياً للفيضانات تعاني حالياً من موجات جفاف أكثر تواترًا.
وتذكر الدراسة الصادرة عن WaterAid المنظمة الدولية غير الربحية، أنه على الرغم من الارتفاع المتصاعد في درجات الحرارة في شتى بقاع الأرض، فإن تداعيات تغير المناخ والاحتباس الحراري لن يكون لهما التأثير نفسه على كل المناطق بالعالم، ولكن من المرجح أن تتغير المخاطر المناخية في كل منطقة بشكل مختلف وبطريقة لا يمكن التنبؤ بها.
لقد شهدت العديد من مواقع دراستنا تحولاً خطيراً من كونها معرضة للجفاف إلى معرضة للفيضانات أو العكسالبروفيسور مايكل سينجر من كلية علوم الأرض والبيئة بجامعة كارديف البريطانية
مواقع "تقلب الأخطار المناخية"
لم يعد أحد في مأمن من هذه الأحداث المناخية غير المنتظمة، التي يحل غضبها على الجميع؛ من القارة الإفريقية السمراء حتى القارة الأوروبية العجوز. وضربت الدراسة مثلاً بأن الظروف المناخية المتطرفة في إيطاليا حالياً تعكس النمط المناخي السائد في القرن الإفريقي، أو أن كليهما وجهان لعملة واحدة رغم الاختلاف الشديد بين المنطقتين.
يظهر تحليل البيانات أن عدد فترات الجفاف الشديد في شمال إيطاليا تزايد إلى أكثر من الضعف منذ عام 2000، ولكن هذه الفترات الجافة تتخللها مخاطر الفيضانات الشديدة، كما حدث في إقليم لومبارديا الشمالي في منتصف العام الحالي.
وتتأثر منطقة نهر شبيلي، الذي يبدأ في مرتفعات إثيوبيا، ثم يتدفق نحو جنوب شرق الصومال، بالظاهرة المناخية التي شهدتها إيطاليا؛ فبعد أن واجهت منطقة نهر شبيلي فترات من الفيضانات بين عامي 1980 و2000، فإنها تعاني منذ بداية الألفية الثالثة من جفاف شديد وطويل الأمد، يعد الأسوأ بمنطقة القرن الإفريقي منذ نحو نصف قرن، وتتخلله أيضاً فيضانات مفاجئة تضرب المنطقة الجافة بقوة.
ويعلق الباحث المشارك في الدراسة البروفيسور مايكل سينجر من كلية علوم الأرض والبيئة بجامعة كارديف البريطانية: "لقد شهدت العديد من مواقع دراستنا تحولاً خطيراً من كونها معرضة للجفاف إلى معرضة للفيضانات أو العكس".
وعلى سبيل المثال، تحولت أجزاء من بوركينا فاسو وشمال غانا وباكستان من الظروف الحارة والجافة إلى المناخات الرطبة المهيئة للفيضانات. أما موزمبيق فهي عبارة عن مزيج فوضوي من الجفاف والفيضانات .
التذبذب المناخي من أهم مشكلات المناخ في وقتنا الحالي، ويرتبط بأسباب كثيرة؛ منها النشاط الشمسي، وظاهرة النينو وما يصاحبها من أنماط طقس متطرف، التي يزيد تأثيرها في البلاد الجزرية والساحلية بسبب الهشاشة المناخية.د. داليا مصطفى علي مدرس الجغرافيا المناخية
التقلبات المناخية في العالم العربي
إذا كانت الدراسة أشارت إلى الصومال ضمن أكثر الدول تعرضاً لظاهرة الفوضى المناخية، فإنه فيضانات دبي غير المسبوقة تأتي لتؤكد اتساع رقعة تأثير الأحداث المناخية المتطرفة التي جعلت واحدة من أكثر مدن العالم حرارةً وجفافاً، تواجه أسوأ موجات الأمطار وأشدها منذ 75 عاماً.
وأوضحت د. داليا مصطفى علي مدرس الجغرافيا المناخية في كلية الآداب بجامعة الفيوم المصرية، أن التذبذب المناخي من أهم مشكلات المناخ في وقتنا الحالي، ويرتبط بأسباب كثيرة؛ منها النشاط الشمسي، وظاهرة النينو وما يصاحبها من أنماط طقس متطرف، التي يزيد تأثيرها في البلاد الجزرية والساحلية بسبب الهشاشة المناخية.
وأردفت د . داليا أن الدول العربية الأكثر عرضةً لظاهرة "تقلب الأخطار المناخية"، هي العراق وجيبوتي والمغرب، بجانب الصومال الذي ذكرته الدراسة السابقة.
وبالإشارة إلى ظاهرة النينو التي اجتاحت الأرض في منتصف العام الماضي، نوه تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" حول الفيضانات التي تعرضت لها دبي مؤخراً، بأنه ربما تكون النينو – وهي الظاهرة المناخية التي تجعل البحار أكثر دفئاً، وتغير أنماط الطقس على مستوى العالم – قد أثرت على العاصفة؛ حيث يعزو العلماء والخبراء الجويون شدة العاصفة التي ضربت الإمارات إلى كمية كبيرة من الرطوبة المتصاعدة من البحار الدافئة إلى الغلاف الجوي، قبل أن تهطل على شكل أمطار على شبه الجزيرة العربية
تقلب المناخ
تأثير تقلب المخاطر المناخية
وبالرجوع إلى البحث السابق، درس الباحثون في منظمة WaterAid تواتر وحجم الفيضانات على مدى السنوات الـ41 الماضية في ستة بلدان، ووجدوا أن العديد من المواقع تشهد تحولات كبيرة في النمط المناخي السائد.
وعلى الرغم من أن النتائج تُظهِر أن آثار تغير المناخ لا تميز بين منطقة وأخرى، فإن تداعيات الطقس المتطرف تكون أكثر قسوةً وضراوةً داخل المجتمعات غير المجهزة أو المستعدة للتعامل مع الأمر.
يؤدي تقلب المخاطر المناخية إلى تفاقم الفقر والنزوح المناخي وتفشي المرض، ونشوب الصراع بسبب ندرة موارد الغذاء والمياه وعدم توفر سبل العيش. وينتج عن فترات الأمطار الغزيرة تدمير البنية التحتية والمحاصيل. أما فترات الجفاف فتؤدي إلى انعدام الأمن الغذائي والجوع، وحتى لو تخلل فترة الجفاف هطول أمطار، فإن الأرض الجافة التي تيبست تكون غير قادرة على امتصاص الماء.
وتعزو الدراسات الحديثة تواتر وشدة هطول الأمطار، وتزايد حالات الجفاف إلى انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري والأنشطة البشرية الأخرى، بينما تدفع التغيرات المناخية إلى مزيد من التحولات المفاجئة بين الفيضانات وموجات الجفاف
تخفيف أثر تقلبات الأخطار المناخية
يحاول كل مجتمع التأقلم مع المخاطر الخاصة به، وتذكر الدراسة أن الأماكن المنكوبة بالفيضانات، مثل جنوب شرق باكستان، ينتقل فيها القرويون الذين دُمِّرت منازلهم إلى مناطق مرتفعة عن مستوى الماء، وفي مناطق أخرى يتم وضع التحوطات اللازمة لحماية المحاصيل والحد من تآكل التربة بسبب الأمطار الغزيرة.
وتؤكد منظمة WaterAid أن جذور هذه المشاكل يكمن في أزمة المناخ المتصاعدة؛ لذلك تدعو المنظمة البلدان ذات الدخل المرتفع إلى تقديم الدعم المالي للتكيف مع المناخ والأمن المائي في المناطق الأكثر تضرراً، وإعطاء الأولوية للاستثمار في أنظمة مياه قوية ومرنة؛ لأن التعامل مع هذه الفوضى المناخية بالنسبة إلى الفئات الهشة في العالم، يعتبر مسألة حياة أو موت.