رمضان التسعينيات.. هذا ما حل بالأرض خلال 3 عقود


سلمى عرفة
الاحد 17 مارس 2024 | 07:15 مساءً

هل تذكر أيام شهر رمضان خلال فترة طفولتك؟ وكيف كانت حالة الطقس آنذاك؟ رحلة قصيرة إلى تلك الفترة ستخبرك عن مدى التغير الذي حل بالكوكب الذي نعيش عليه، ونلمس آثاره حالياً في كافة جوانب حياتنا.

البحث في الأرشيف البيئي للأرض قادنا إلى عام 1992؛ حين وافق قدوم شهر رمضان شهر مارس في التقويم الميلادي – كما هو الحال هذا العام – وشهد لاحقاً كذلك انعقاد المؤتمر العالمي الأول المعني بالبيئة في العاصمة السويدية ستوكهولم، قبل بضع سنوات من بدء مؤتمرات "COP".

شتاء قارس

عندما بدأ شهر رمضان في الأسبوع الأول من مارس من عام 1992، كان العالم العربي خارجاً لتوه من موجة طقس متطرفة خلال فصل الشتاء، بعدما ضربت 7 عواصف ثلجية عدة بلدان عربية؛ أبرزها منطقة بلاد الشام، وكانت الموجة الأسوأ التي تتعرض لها المنطقة منذ مطلع خمسينيات القرن الماضي، وتركت آثاراً ممتدة.

في الأردن، على سبيل المثال، أدت تلك الموجة إلى خسائر كبيرة في الإنتاج الزراعي، ونفوق أعداد من رؤوس الماشية، علاوة على انفجار العديد من أنابيب المياه بعد تجمد المياه داخلها، حسبما نقل موقع "Arab Weather".

عواصف ثلجية شهدها الوطن العربي في 1992- مصدر الصورة: Arab Weatherعواصف ثلجية شهدها الوطن العربي في 1992- مصدر الصورة: Arab Weather

وقوع تلك الموجة القارسة كان نتاجاً لثوران بركان بيناتوبو في الفلبين، الذي بدأ في منتصف عام، مُطلِقاً ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكبريت، وانتهت التغييرات التي أحدثها في الغلاف الجوي إلى تغير في الدوامة القطبية، وتعرُّض المنطقة لتلك الموجة.

هناك كارثة مختلفة تعرضت لها المنطقة خلال تلك الفترة، لكن هذه المرة كانت في تركيا التي واصل سكانها، خلال الأيام الأولى من رمضان، متابعة إحصاء ضحايا الكارثة البيئية والإنسانية التي وقعت قبيل بدء الشهر الفضيل، والتي انتهت بمقتل ما يزيد عن 260 عاملاً في انفجار هائل بأحد مناجم الفحم.

وفقاً لإحدى الروايات التي نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" آنذاك، تراكمت كميات من غاز الميثان خلال مدة لا تتجاوز 15 ثانية في الموقع؛ ما أدى إلى وقوع الانفجار بسرعة قبل انطلاق أجهزة الإنذار.

في ذلك الوقت، كان الانفجار الذي وقع في مدينة زنغولداق المطلة على البحر الأسود هو الأسوأ التي تشهده مناجم الفحم التركية، قبل أن يتفوق عليه انفجار آخر وقع في 2014 من حيث عدد الضحايا بأكثر من 300 ضحية.

رغم المخاطر البيئية التي تحيط بإنتاج الفحم، والكميات الهائلة من الانبعاثات التي يسببها، لا يزال العالم يستخدم كميات كبيرة منه حتى يومنا هذا؛ إذ ارتفع حجم الإنتاج من ما يزيد عن 4 مليارات طن متري في عام 1992، حتى وصل إلى مستويات قياسية في 2023 بما يقرب من 9 مليارات طن، بحسب إحصائيات الوكالة الدولية للطاقة.

تصاعد معدلات الكوارث الطبيعية

عند مقارنة عام 1992 بسنوات العقد السابق له، سنكتشف أن متوسط الكوارث المناخية التي تعرض لها سكان العالم آنذاك – والتي تشمل تلك المتعلقة بالمياه – كان يقتصر على 147 كارثة سنوياً، بحسب تحليل صادر عن وكالة "أسوشيتد برس".

بعد ما يزيد عن 3 عقود، وصل عدد الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم في عام 2023 إلى ما يقرب من 400 كارثة، وقع العدد الأكبر منها في قارة أوروبا، ومنطقة الشرق الأوسط، بحسب موقع "Statista" للإحصائيات.

انهيار الاتحاد السوفيتي والاحتباس الحراري

كانت هناك أزمة من نوع مختلف يختبرها 50 مليون مسلم من سكان جمهوريات الاتحاد السوفيتي خلال شهر رمضان، من جراء الأزمة الاقتصادية التي أعقبت انهيار الاتحاد في ديسمبر 1991، والتي انتهت، على عكس المتوقع، بفوائد بيئية.

مجمع تسمين أبقار في الاتحاد السوفيتي عام 1982- مصدر الصورة: مجمع تسمين أبقار في الاتحاد السوفيتي عام 1982- مصدر الصورة: "تاس"

وفقاً لتحليل سابق نشرته دورية "Nature"، فإن الأزمات التي تلت تفكك جمهوريات الاتحاد السوفيتي، دفعت أعداداً كبيرةً من السكان إلى التوقف عن تناول اللحوم، فتراجعت حجم الانبعاثات الكربونية التي يسببها إنتاجها.

تراجع القدرة الشرائية وانخفاض الطلب على اللحوم وإنتاج الماشية، وما تلاه من تغيرات في القطاع الزراعي في المنطقة، انتهى بانخفاض يقدر بـ7.6 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في الفترة بين 1992 و2011، مع احتساب أثر استيراد الماشية.

وبحسب التحليل، وصل متوسط استهلاك الفرد في الاتحاد السوفيتي عام 1990، 32 كيلوجراماً من اللحم البقري سنوياً؛ ما يفوق المعدل العالمي في ذلك الوقت بفارق 4 مرات.

انبعاثات متصاعدة

لكن مستوى انبعاثات غازات الدفيئة عالمياً واصل الارتفاع من أقل من 34 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون خلال عامي 1991 و1992، مقارنةً بما يزيد عن 53 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في 2022، وفقاً لموقع "Statista".

الفارق في انبعاثات غازات الدفيئة الذي شهده العالم، ظهر كذلك في فارق درجات الحرارة بين ما نعيشه اليوم، وبين ما كان يعيشه سكان العالم في التسعينيات من القرن الماضي.

في الوقت الذي يقترب فيه معدل زيادة درجة حرارة الأرض من 1.2 درجة مئوية مقارنة بمتوسط القرن العشرين الذي يقل عن 14 درجة مئوية، كان متوسط الزيادة في عام 1992، 0.24 درجة مئوية، بحسب بيانات الإدارة الوطنية الأمريكية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي.

الصور التي نشرتها وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" عبر أداة "Climate Time Machine" تُظهِر كيف ارتفعت درجات حرارة الأرض في العديد من مناطق العالم، ومنها منطقة العالم العربي.

ذوبان الجليد

سكان العالم في التسعينيات تمتعوا كذلك بسواحل أكثر هدوءاً، قبل أن يساهم التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة في ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي زاد بمعدل يتجاوز 10 سم على مدى 3 عقود منذ 1992.

وفقاً لدراسة نشرتها دورية Earth System Science Data، خسرت القارة القطبية الجنوبية، وصفيحة جرين لاند الواقعة في المنطقة القطبية الشمالية 7560 مليار طن من الجليد في الفترة بين عامي 1992 و2020.

واكتشف العلماء ارتفاع معدل فقدان الصفائح الجليدية لكتلتها إلى 372 جيجا طن كل عام خلال الفترة بين عامي 2016–2020 ، مقارنةً بـ105 جيجا طن سنوياً خلال الفترة 1992-1996.