التغيرات المناخية التي تطرأ على العالم – خاصةً تنامي ظاهرة الاحتباس الحراري – أحدثت طفرات غير مسبوقة في الطقس العالمي؛ حيث تأثرت دول كثيرة بحالات جوية شديدة التطرف، حتى بات الانقراض يهدد فصل الشتاء في بعضها خلال العقود المقبلة.
دول أمريكا الجنوبية قد تودع الشتاء
"الشتاء يختفي في تشيلي من حيث درجات الحرارة ومعدلات الأمطار، وليس من المفاجئ تسجيل درجات حرارة قياسية في جميع أنحاء العالم؛ لأن تغير المناخ يعمل على تحطيم هذه الأرقام القياسية بشكل متكرر".. بهذه الكلمات تحدث راؤول كورديرو خبير المناخ في جامعة سانتياغو، لصحيفة "لا تيرسيرا" التشيلية.
في يوليو 2023 كان من المفترض أن تكون دول أمريكا الجنوبية ونصف العالم الجنوبي في منتصف فصل الشتاء البارد، لكن درجات الحرارة فيها تراوحت بين 37 و40 درجة مئوية في عدة أماكن داخل القارة؛ ما اعتبره العلماء مثيراً للقلق حول مستقبل الطقس القاسي.
تعرضت كلٌّ من أمريكا الجنوبية والأرجنتين وجنوب البرازيل وباراجواي اموجة حر قاسية خلال أشهر الشتاء الماضي؛ حيث بات الشتاء أقل برودةً وأقصر بكثير؛ ما يشير إلى اضطراب مناخي تسبب فيه ارتفاع نسبة التلوث وإزالة الغابات وبدء مرحلة "النينو" من التغير المناخي الناجم عن الأنشطة البشرية، حسب المدير الإداري للجامعة الكاثوليكية قبالة نهر باراجواي "أوسكار لوبيز غروتر".
أستراليا
أستراليا التي تشتهر بالوجهات السياحية الشتوية، مهددة باختفاء فصل الشتاء في معظمها بحلول عام 2050؛ حيث حذر خبراء المناخ من اختفاء ملامح الأجواء الشتوية المعروفة خلال الثلاثين عاماً المقبلة.
وفي هذا الإطار، أعلنت الجامعة الوطنية الأسترالية عن تصميم أداة جديدة تُعرف بـ"MyClimate 2050"، تكشف عن التوقعات المناخية ودرجات الحرارة في أكثر من 15 ألف موقع ومدينة داخل أستراليا في عام 2050، وكانت المفاجأة أن 99% من المواقع ستشهد درجات حرارة مرتفعة، ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجة الحرارة القصوى اليومية في بعض المناطق بمقدارٍ من 4 حتى 4.8 درجة مئوية مع زيادة أيام فصل الصيف؛ ما يعني صيفاً أطول وأشد سخونةً.
وبناءً على مقارنة البيانات الحالية والمتوقعة، لاحظ الباحثون تغير نمط الفصول الأربعة، مع اختفاء الشتاء المتعارف عليه، وسيكون هناك فصل جديد؛ حيث تبلغ درجة الحرارة 40 درجة مئوية، وأطلقوا عليه "الصيف الجديد" الذي سيعقب فصول الصيف والخريف والربيع.
أُعدِّت الأداة باستخدام بيانات وتوقعات المناخ لعام 2050 من هيئة البحوث الأسترالية "CSIRO"، مع اعتماد كمية الانبعاثات المعتادة نفسها يومياً. وتهدف الأداة في الأساس إلى منح الأستراليين طريقة لمتابعة البيانات المناخية بأسلوب بسيط، وفي الوقت ذاته الكشف عن مدى خطورة آثار الاحتباس الحراري وضرورة مكافحته.
توضح هذه الأداة بشكل صارخ كيف سيصبح الصيف حاراً بدرجة لا تُطَاق إذا استمر التلوث البيئي؛ حيث سيختفي فصل الشتاء مع ارتفاع الحرارة عن 35 درجة مئوية، وفقاً لمدير برنامج تغير المناخ في صندوق الحفظ الأسترالي "ACF" جافان ماكفادن زيان.
النرويج
تُعرَف الدول الاسكندنافية بالأجواء الباردة والثلوج، لكن دراسة حديثة أُجريت في النرويج، وجدت أن البلاد دخلت في مرحلة تحول مناخي. وبحلول عام 2050، يتوقع العلماء أن ينكمش فصل الشتاء ويستمر نحو نصف المدة الحالية، أو ربما يختفي تماماً في المستقبل، وفقاً لخبيرة المناخ في معهد الأرصاد الجوية النرويجي "ريدون سكالاند".
أوسلو عاصمة البلاد تشهد بالفعل فصلاً شتوياً أقل بنحو 21 يوماً مما كانت عليه قبل 30 عاماً فقط؛ حيث أصبح الشتاء أكثر احتراراً، والثلوج أقل من المعتاد، ضمن مجموعة عواقب ناتجة عن تقلص فترة الشتاء، تضمنت مخاطر الانهيارات الأرضية الجليدية، وهطول المزيد من الأمطار الغزيرة، بدلاً من الجليد في فصل الشتاء؛ ما قد يسبب فيضانات في المدن.
وتعد السواحل وسلاسل الجزر هي المناطق الأكثر تأثراً بارتفاع درجات الحرارة؛ بسبب ذوبان الجليد والثلوج؛ حيث تكون المضايق البحرية والبحر المحيط بالجزيرة عادةً مُغطاة بالثلوج، وعندما تختفي الطبقة الجليدية يصبح السطح داكن اللون؛ ما يعني أنه يمتص المزيد من حرارة الشمس، فيحدث الاحترار بسرعة أكبر.
تايوان
تنضم تايوان إلى قائمة الدول التي قد يختفي بها الشتاء بحلول عام 2060 بسبب تغير المناخ. وحذر الباحث في مركز أبحاث التغيرات البيئية التابع لمعهد "أكاديميا سينيكا" التايواني "هسو هوانغ هسيونغ"، من أن تايوان ربما لن يكون لديها موسم شتاء خلال 40 عاماً، ما لم يتم تخفيض الانبعاثات الكربونية.
واعتمد الباحث التايواني على تقرير التقييم السادس للجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وآثاره على تايوان. وبناءً على بيانات المناخ المحلية في القرن الماضي، أجرى هسيونغ تقييماً للاتجاهات المناخية المستقبلية المتوقعة في تايوان.
ووفقاً لتقرير هسيونغ، الذي نشره الموقع الرسمي "تايوان نيوز"، ارتفع متوسط درجة الحرارة السنوية في تايوان بمقدار 1.6 درجة مئوية على مدى الـ110 أعوام الماضية، وهو أعلى من المتوسط العالمي البالغ 1.07 درجة، وقد تسارع هذا الارتفاع في العقود الخمسة الماضية، مع زيادة طول موسم الصيف، وانخفاض حاد في عدد أيام الشتاء.
وتوقع "هسيونغ" امتداد فصل الصيف في المستقبل إلى نحو 155–210 أيام، مع فصول شتاء قصيرة، وفي أسوأ السيناريوهات، قد تفقد تايوان شتاءها بحلول عام 2060، بجانب اشتداد العواصف الممطرة، وزيادة وتيرة الجفاف.
وحتى الدول التي لن تودع فصل الشتاء بالمعنى الحرفي، سوف تعاني من اختفاء تساقط الثلوج. وأظهرت دراسة جديدة أن أزمة المناخ التي يسببها الإنسان، أدت إلى انخفاض كبير في كثافة الثلوج في معظم أجزاء نصف الكرة الشمالي خلال الأربعين عاماً الماضية؛ ما يهدد موارد المياه الحيوية لملايين الأشخاص.
وتشير الدراسة التي أجراها باحثون في كلية دارتموث الأمريكية، وتم نشرها في مجلة نيتشر العلمية، إلى أن المناطق الواقعة في جنوب غرب وشمال شرق الولايات المتحدة، ووسط وشرق أوروبا، هي الأكثر انخفاضاً في تساقط الثلوج على مستوى العالم؛ حيث فقدت ما يتراوح بين 10% و20% من نسبة الثلوج المعتادة كل عقد منذ الثمانينيات بسبب الاحتباس الحراري.
ووجد الباحثون أن فقدان الثلوج يتسارع عندما يرتفع متوسط درجات الحرارة في فصل الشتاء فوق 8 درجات مئوية تحت الصفر، وهي نقطة يشيرون إليها باسم "نقطة فقدان الثلوج". وهذه مشكلة كبيرة للمجتمعات التي تعتمد على الثلج للحصول على المياه.
كيف سيبدو العالم دون أجواء شتوية؟
على مدى السنوات المتعاقبة، شهدنا بالفعل ارتفاع درجات الحرارة بدرجة كبيرة، وانخفاضاً في كثافة الثلوج؛ ما يعطي نظرة مسبقة لما يمكن أن يبدو عليه العالم مستقبلاً، بدءاً من نقص المياه غير المسبوق إلى تفاقم حرائق الغابات.
وقال أستاذ جغرافيا المناخ في كلية دارتموث الأمريكية "جوستين مانكين" لشبكة "CNN"، إن قلة الثلوج تعني نقص إمدادات المياه. وبالفعل هناك العديد من مصادر المياه العالمية مهددة بسبب تغير المناخ، من خلال موجات الجفاف والاحترار التي أصبحت أكثر تواتراً وشدةً. ومع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، من المتوقع أن تشهد العديد من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية التي تعتمد على الثلوج، زيادة كبيرة في فقدان المياه خلال العقود القليلة القادمة، وكل درجة إضافية في درجات الحرارة ستؤدي إلى استنزاف جزء أكبر من موارد مياه الثلوج.
فصول الصيف الأكثر سخونةً تعني المزيد من الوفيات الناجمة عن ضربات الشمس، وتدمير المزيد من المنازل في حرائق الغابات، والمزيد من موت الحيوانات البرية من العطش والحرق والمشاكل في الحصول على الطعام.
كما يؤثر انخفاض كثافة الثلوج اقتصادياً بدرجة كبيرة على الأماكن التي تعتمد على الأنشطة الترفيهية الشتوية، مثل التزلج على الجليد؛ ما يُمثِّل كارثةً لمناطق جبال الألب الأسترالية مثلاً، التي تعتمد على المناخ المستقر والسياحة الشتوية.
بالنسبة إلى البعض، يُعتبَر فقدان نمط الحياة الشتوية الذي اعتادته، حالة طوارئ بالفعل؛ حيث إن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء يفرض خسائر بيئية وبشرية ونفسية أيضاً؛ لذلك يحاول خبراء المناخ إيجاد حل لمواجهة هذا التحدي العالمي قبل أن يختفي الشتاء إلى الأبد، وتصبح الأجواء الشتوية مجرد ذكرى لدى الكثيرين.
