الخبز هو الرمز الأول للغذاء، وفي مصر يسمونه "العيش"، لأن الحياة تتوقف على تناوله من وجهة نظر غالبية البشر، وشرائه هو المهمة الأولى التي يقوم بها مليارات من البشر في كل صباح جديد، وتختلف أشكاله وطريقة إعداده والإضافات عليه، لكن يشترك أغلبها في العنصر الأهم وهو نبات القمح الذي يمثل جزءاً أساسياً في وجباتنا اليومية.
يمثل القمح مصدر البروتين النباتي لحوالي 3.4 مليار شخص على كوكب الأرض، إذ بلغ إجمالي الاستهلاك العالمي خلال العام 2021- 2022 أكثر من 790 مليون طن متري، وفقاً لموقع "Statista" للإحصائيات.
التغيرات المناخية والقمح
القمح لم يسلم من تهديدات التغيرات المناخية، ومن المتوقع أن تلحق موجات ندرة المياه أضراراً بنحو 60% من مناطق زراعة القمح بحلول نهاية القرن الـ21، وفقا لتقرير مبادرة Wheat Initiative، وهي مبادرة تجمع عدد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية للعمل في مجال أبحاث القمح.
العلماء توصلوا إلى العدد اللازم الذي يحتاجه النبات من مجموعة معينة من الجينات، لتعزيز نمو الجذور لدرجة تمكنها من امتصاص المياه من موارد أعمق، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاج
القمح المقاوم للجفاف
يعمل العلماء حول العالم على كيفية تحسين القمح لزيادة مقاومته أمام الآثار المتسارعة التي يشهدها الكوكب، والقدرة على استمرار زراعته في المناطق التي طالها الجفاف.
آخر تلك المحاولات قام بها فريق من الباحثين في دول مختلفة تحت إشراف جامعة كاليفورنيا- دافيس الأمريكية، نجحوا من خلالها في التوصل إلى طريقة ترفع قدرة القمح على مواجهة نقص المياه من خلال إطالة جذوره، وفقاً لدورية Nature Communication.
العلماء توصلوا إلى العدد اللازم الذي يحتاجه النبات من مجموعة معينة من الجينات، لتعزيز نمو الجذور لدرجة تمكنها من امتصاص المياه من موارد أعمق، ما يؤدي إلى زيادة الإنتاج.
الأستاذ في جامعة كاليفورنيا-دافيس ومدير المشروع خورخي دوبكوفسكي وصف اكتشاف عائلة الجينات المعروفة بـ"OPRIII"، وتأثير النسخ المختلفة منها على طول الجذر بأنها خطوة هامة.
عدة خطوات اتبعها العلماء للتوصل إلى كيفية تعديل النظام الذي تعمل به جذور القمح، لكن الفكرة تعتمد على أن مضاعفة تلك الجينات تؤدي إلى زيادة إفراز هرمون "الجاسمونيك" المسؤول عن زيادة طول الجذور، إلى جانب عدد من الخطوات الأخرى.
استخدم العلماء طريقة "CRISPR" لتعديل الجينات، وعندما قاموا بزيادة تلك الجينات قلّ طول الجذور لكنها أصبحت أكثر تشعبا، ليتم إضافة أحد الكروموسومات الموجودة في نبات السلت وهو أحد أنوع الشعير، ما أدى إلى إطالة الجذور.
العالم العربي بدأ بالفعل في سباق إنتاج سلالات جديدة من القمح تقاوم ندرة المياه التي تعاني منها المنطقة إلى جانب ملوحة التربة
الجفاف في العالم العربي
التأثيرات تختلف من منطقة لأخرى في العالم، ووفقاً لإحدى الدراسات المدعومة من الاتحاد الأوروبي كشفت عن توقعات العلماء بانخفاض حجم المحصول في عدد من المناطق من بينها قارة أفريقيا بنسبة تفوق 15% حال وصول معدل زيادة درجة حرارة الأرض إلى 2 درجة مئوية، مقابل زيادة المحصول في مناطق أخرى مثل شمال القارة الأوروبية.
الآثار السلبية للتغيرات المناخية على إنتاج القمح بدأت تتضح في عدد من دول العالم العربي، ففي العراق، كشف استطلاع أجراه المركز النرويجي للاجئين "NRC" على 5 محافظات، أن 90% من المشاركين عانوا من دمار محصول القمح الذي زرعوه بسبب نقص المياه.
وفي سوريا أدى عدم انتظام تساقط الأمطار خلال الأعوام الماضية إلى تفاقم أزمة زراعة القمح التي تراجعت بفعل الصراع الذي تشهده الدولة العربية، ليتراجع حجم إنتاجها في 2022 بنسبة 75%، مقارنة بما قبل اندلاع الأزمة في 2011، وفقاً لتصريحات مايك روبسون ممثل منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" في سوريا.
العالم العربي بدأ بالفعل في سباق إنتاج سلالات جديدة من القمح تقاوم ندرة المياه التي تعاني منها المنطقة إلى جانب ملوحة التربة.
يرى الدكتور سيدي الشنيوي الباحث في قسم الأصول الوراثية بمركز بحوث الصحراء، أن ظاهرتي الملوحة والجفاف مرتبطان ببعضهما، وأن معظم مناطق العالم العربي متضررة للغاية من الظاهرتين منذ زمن طويلة، لأنها مناطق صحراوية.
وأشار إلى أن المركز يعمل على برنامج لتحسين إنتاجية القمح في ظل ظروف الملوحة والجفاف، باستهداف 12 صنفاً، وإخضاع هذه الأنواع لتحليل بهدف تحديد الجينات التي تزيد درجة مقاومة القمح، ونقل هذه الجينات إلى النبات.
وعن الاختلافات بين القمح المعدل والتقليدي، يقول الشنيوي لـ"جرين بالعربي" إن القمح المعدل يحتاج معدلات أقل من الري، كما يمكن زراعته في الأراضي الأكثر ملوحة، لكن التركيز سيكون على فكرة تسميد التربة، وهو ما يجب على المزارعين مراعاته في المستقبل.
الشنيوي أضاف أنه في حال تمكنا من التوسع في زراعة القمح بالمناطق الصحراوية، سيقل الضغط على مناطق الزراعة التقليدية، كما يمكن استخدامها في زراعات أخرى.
يشرح الباحث المصري الفارق بين الهندسة الوراثية وتعديل الجينوم النباتي الذي يختصر وقت إنتاج السلالات إلى فترة تتراوح بين 3 إلى 4 سنوات، مقابل الطرق التقليدية التي تصل إلى 10 سنوات، وتعتمد الهندسة الوراثية على تحديد الجين سواء بهدف مقاومة الملوحة أو الجفاف، ونقلها إلى النبات، ثم إجراء تقييم حقلي.
هناك طريقة أخرى أشار إليها "الشنيوي" يمكن من خلالها استخدام الهندسة الوراثية كأداة لاستخلاص مركبات "الأيض" من السلالات المعدلة، ورشها على القمح التقليدي، لتحسين كفاءته ومقاومته في ظل الملوحة أو الجفاف، وتحسين إنتاجيته، ولا تقتصر تطبيقات تلك الطريقة على القمح فحسب، بل يمكن استخدامها مع نباتات أخرى.
ولفت إلى أن دائماً ما يكون العمل على مقاومة الملوحة والجفاف مرتبط بجذور النبات لأنه أول جزء من أجزاء النبات يتأثر بالملوحة والجفاف، وهو المسؤول عن نقل الاستجابة من الضغط الواقع عليه.