على خُطى الاستدامة، ضربت جزر القمر مثالاً يُحتذَى به في الوقوف أمام الكوارث المناخية التي لاحقت الدولة الجزرية ذات الطبيعة الخلابة خلال السنوات الأخيرة، ونجحت في التكيف لتحويل تلك الأزمات إلى فرص لحياة أفضل وإنقاذ مصادر رزق صغار المزارعين.
جزر القُمر دولة تضم 3 جزر بالمحيط الهندي قبالة ساحل شرق إفريقيا، يتحدَّث سكانها بلغات تجمع بين الإفريقية والعربية والملغاشية والفرنسية؛ لذلك ذاع صيتها قديماً بتأثيرها المهم في التجارة بالمحيط الهندي بين شرق إفريقيا والموانئ الآسيوية مثل الهند واليابان.
ووفقاً للمؤرخين، فإن جزر القمر ظهرت إلى النور بعدما اكتشفها التجار العرب والفرس أثناء عبورهم قناة موزمبيق. وهناك مزاعم بأن أول سكانها أفارقة ينتمون إلى شعوب البانتو الذين نشؤوا في شرق إفريقيا بين القرنين الخامس والسابع.
كوارث مناخية ونفايات متزايدة
ووضعت الكثافة السكانية العالية للدولة – نحو 450 ألف نسمة يعيشون على مساحة 2000 كيلومتر مربع – ضغوطاً شديدة على الموارد الطبيعية والبيئة؛ حيث تعد من أكثر المناطق تأثراً بتغير المناخ عالمياً؛ إذ تصل نسبة السكان الذين يعيشون في مناطق معرضة لخطر الكوارث المناخية – وفقاً للبنك الدولي – إلى 54.2%؛ ما يزيد صعوبة العيش هناك، خاصةً أنها من أفقر بلدان العالم.
الكوارث المناخية – التي يُتوقَّع زيادة حدتها مستقبلاً – كارتفاع مستوى سطح البحر، وتغير أنماط هطول الأمطار والأعاصير المدارية والفيضانات والجفاف، تضرب بحياة ومصدر رزق صغار المزارعين – الذين تصل نسبتهم من 70% إلى 80% من إجمالي السكان – عُرض الحائط؛ هذا بجانب تآكل الأراضي الزراعية الذي يؤثر بالسلب على المحاصيل، وعلى رأسها الموز المحصول التقليدي في جزر القُمر.
أزمة النفايات
النفايات مشكلة بيئية أخرى تغزو أنحاء جزر القُمر؛ حيث تتزايد عاماً بعد عام على شواطئ البحر وفي قاع الأنهار؛ ما يزيد معدل التلوث ويؤدي إلى الإصابة بالأمراض، كما يهدد الحيوانات البحرية، وعلى رأسها السلاحف البحرية التي تتناول النفايات البلاستيكية.
كما تُعَد النفايات الصلبة كالقنبلة الموقوتة؛ لكونها تتسبب في تسمم التربة وإمدادات مياه الشرب. ورغم كل هذه الكوارث فإن السكان لا يدركون مدى الخطر الذين يتعرَّضون له، وما قد يحدث للبيئة وحياة الكائنات الأخرى، وفقاً لجمعية "PartnerAid"، وهي منظمة مساعدة مستقلة للتعاون الإنمائي الدولي والمساعدات الطارئة.
تحديات وفرص
وفي تصريح لـ"جرين بالعربي"، تحدثت هناء حماد باحثة الأنثروبولوجي بكلية الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، عن المبادرات الخاصة بالبلدان الإفريقية، وعلى رأسها جزر القمر، مثل مبادرة الجدار الأزرق العظيم التي ناقشها خبراء الاقتصاد الأزرق والمسؤولون الحكوميون من جميع أنحاء إفريقيا بـ"موروني" عاصمة جزر القمر، خلال اجتماع وزاري في يونيو الماضي بهدف تعزيز الأمن البحري ودعم المجتمعات الساحلية للتكيف مع تغير المناخ والقدرة على الصمود وإنقاذ التنوع البيولوجي بحلول عام 2030.
وأشارت إلى مبادرة "مرفق التأمين ضد مخاطر تغير المناخ" التي أعلن عنها البنك الإفريقي للتنمية في سبتمبر الماضي، بهدف توسيع برنامجه للتأمين ضد مخاطر الكوارث الإفريقية، خاصةً بالقطاع الزراعي من أجل التكيف والصمود.
وأوضحت أن رئيس مجموعة البنك الإفريقي للتنمية "أكينومي أديسينا"، كشف عن جمع مبلغ قدره مليار دولار من رأس المال الميسر العالي المخاطر، وعن منح لحماية المزارعين، خاصةً النساء، والتأكد من حصولهم على التأمين على الماشية والمحاصيل لمواجهة تأثير أنماط الطقس القاسية على سبل عيشهم.
واستندت "هناء" إلى ما قاله رئيس جزر القُمر والرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي غزالي عثماني: "الإعلان عن المرفق جاء في وقت تعاني فيه البلدان الإفريقية من الفيضانات والجفاف؛ فجزر القمر تبلغ مساحتها ألفي كيلومتر مربع فقط، وبسبب المخاطر المناخية لا يمكن إطلاق العنان لإمكاناتها السياحية".
نظام آلي لمحطات الأرصاد الجوية
قادت حكومة جزر القمر مبادرة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لمواجهة التغيرات المناخية؛ حيث تحولت بعض التحديات إلى فرص، بتوفير نظام آلي لمحطات الأرصاد الجوية يغطي أجزاء من جزيرة Diboini، ويرجع الفضل في وجوده إلى تمويل مرفق البيئة العالمية بهدف تعزيز قدرة الدولة على الصمود في مواجهة المخاطر المرتبطة بالمناخ.
لدى النظام الآلي القدرة على تعزيز جمع البيانات وتحسين التنبؤ بالطقس؛ لإرشاد صناع القرار في مواجهة المخاطر الناجمة عن المناخ. ويحدث ذلك من خلال إصدار الفنيين والمدربين من مرفق البيئة العالمية تنبؤات منتظمة للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة للتخطيط للأنشطة الزراعية بأمان وتجنب الخسائر.
إنشاء خزانات لتجميع المياه
في منطقة مجاورة أخرى، ساعدت استثمارات صندوق المناخ الأخضر وتعاون مرفق البيئة العالمية في إنشاء خزانات لتجميع المياه من أجل مواجهة الاضطرابات المتزايدة في أنماط هطول الأمطار ونقص المياه؛ حيث يتيح للمزارعين الري وزيادة إنتاجهم؛ ليس هذا فقط، بل تعمل الحكومة بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق الأخضر للمناخ، على توسيع نطاق الوصول إلى مياه الشرب من 15% إلى 60% لسكان الجزيرة.
جهود ملحوظة لحكومة جزر القمر وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعزيز الأمن الغذائي؛ حيث طوروا أصنافاً مُحسنة من الموز ونبات الكسافا والبطاطا الحلوة والزنجبيل، وأعطوا اهتماماً للثروة الحيوانية بتدريب الأطباء البيطريين وتوفير الأدوية وتحسين ممارسات تربية الحيوانات.
وبالفعل أدت هذه الجهود إلى إنتاج سلالات مُحسنة من الأبقار الحلوب، وإنقاذ مصدر زرق العاملين بالثروة الحيوانية في جزر القُمر التي تعطي دروساً مستفادة لدول العالم في تحويل الكوارث إلى حلول تعود بالنفع على حياة البشر والبيئة.