عوامل عديدة كوَّنت شكل العالم الذي نعيشه اليوم الذي جعلت منه قرية صغيرة يستهلك سكانُها المنتجات ذاتها، ويأكلون الأطعمة نفسها، من جراء التطور الذي شهدته حركة التجارة الشحن خلال العقود الماضية، والطفرة الاقتصادية التي قامت على أساسها.
وفقاً لموقع الإحصائيات Statista، وصل حجم التجارة العالمية في عام 2022، فيما يخص البضائع المصدرة، إلى ما يقرب من 25 تريليون دولار، مقارنةً بـ6.45 تريليون دولار في عام 2000.
وخصَّص مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP 28" الذي تستضيفه الإمارات في الفترة بين 30 نوفمبر و12 ديسمبر؛ يوماً للتجارة العالمية، وهي المرة الأولى التي يدرَج فيها على أجندة مؤتمرات الـ"COP".
وسط الحديث عن تقليل البصمة الكربونية للأنشطة التجارية التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي، هناك جانب آخر من الأمر، وهو الأضرار التي تلحق بحركة التجارة بفعل التغيرات المناخية التي طالت كافة جوانب الحياة.
الشحن البحري
بحسب تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "UNCTAD"، يساهم الشحن البحري في نقل ما يزيد عن 80% من البضائع المتداولة عالمياً؛ ما يضع القائمين مع هذا القطاع في مواجهة مباشرة مع آثار الاحتباس الحراري، لا سيما ارتفاع مستوى سطح البحر، وزيادة وتيرة الأعاصير.
العالم العربي
المنطقة العربية ليست ببعيدة عن الخطر؛ فتكرار العواصف البحرية والأعاصير جعل من إجراءات تعليق عمل الموانئ في العديد من البلدان حدثاً متكرراً؛ آخرها كان إعصار دانيال الذي اجتاح ليبيا، وبلغت إجمالي الخسائر الاقتصادية التي خلفها فيما يخص البنية التحتية 19 مليار دولار، وفقاً لموقع Relief Web.
أما سلطنة عمان التي تُعَد من أكثر البلدان العربية المعرضة لخطر الأعاصير، فشهدت العديد من الوقائع؛ من بينها إعصار شاهين الذي وصل سواحلها في 2021، ووصلت سرعته إلى 150 كم/ ساعة؛ ما دفع السلطات إلى إغلاق العديد من الموانئ؛ منها ميناء صلالة، وهو ثاني موانئ العالم كفاءةً، كما أُعيد تعليق العمل فيه في 2023 بسبب إعصار "تيج".
وفي مصر على سبيل المثال، أدت عاصفة التنين التي اجتاحت المنطقة في 2020 إلى اتخاذ إجراءات مماثلة؛ منها ميناء الإسكندرية الذي عُلِّق فيه العمل مؤقتاً، وهو المسؤول عن 60% من حركة التجارة الخارجية لمصر، بحسب موقع الهيئة العامة للميناء.
موانئ العالم في خطر
لكن الأخطار لا تحيط بالعالم العربي فحسب؛ ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، أدى إعصار "كاترينا" المدمر الذي قتل نحو ألفي شخصين، إلى إغلاق 3 موانئ مسؤولة عن نحو 50% من الصادرات الزراعية.
وفي دراسة أصدرها معهد التغير البيئي التابع لجامعة أوكسفورد البريطانية في 2022، رأى الباحثون أن الغالبية العظمى من الموانئ الرئيسية في العالم تقريباً معرضة لمخاطر مدمرة.
وفقاً للدراسة، من المتوقع أن تحدث موجات الطقس المتطرف التي تضرب البحار اضطرابات في عمليات التشغيل في 40% من موانئ العالم، وأن 86% من الموانئ التي شملتها الدراسة والبالغ عددها 1340 ميناء، معرضة لما يزيد عن 3 أنواع من المخاطر المناخية.
ويرى الباحثون أن مُصمِّمي الموانئ عليهم العمل لإجراء تحديثات لمواجهة المخاطر المناخية، بما في ذلك الموانئ الصغيرة الحجم التي تعتمد عليها البلدان المنخفضة الدخل.
عدم اتخاذ إجراءات لمواجهة أزمة المناخ سيؤدي إلى خسارة قطاع الشحن، بما في ذلك الشحن البحري بما يصل إلى 25 مليار دولار سنوياً بحلول نهاية القرن. وإن الاضطرابات التشغيلية التي تشهدها الموانئ من جراء العواصف وحدها ستؤدي إلى خسائر بمقدار 7.5 مليار دولار سنوياً، وفقاً لمعهد "RTI" الدولي، وهو منظمة بحثية غير ربحية معنية بعدة مجالات؛ منها البيئة وتغير المناخ.