في الوقت الذي يُحمِّل فيه البعض سكان الأحياء الفقيرة مسؤولية العديد من الأزمات، هناك وجه آخر يظهر من خلال مساهماتهم في الحفاظ على الموارد، رغم الأخطار البيئية التي يواجهونها.
وأجرى باحثون من جامعة تشارلز داروين الأسترالية، دراسة بهدف بحث الممارسات في الأحياء الفقيرة بالبلدان النامية، بعد زيادة عدد سكان المناطق الحضرية، وحدوث ضغط هائل على البيئة والموارد المحدودة.
فِكر متأصل
وحدد ماثيو أبونيواه الباحث الرئيسي في الدراسة، ثلاثة عناصر أساسية للأحياء الفقيرة؛ هي: سبل العيش، والإسكان، والمساحات ومدى ملاءمتها مع الاقتصاد الدائري (نظام يهدف إلى القضاء على الهدر والاستخدام المستدام للموارد)؛ وذلك في مدن ديربان بجنوب إفريقيا، وأحمد أباد في الهند، وليما عاصمة جمهورية بيرو، وأكرا عاصمة غانا.
وقال إن الأدلة تشير إلى أن سكان الأحياء الفقيرة بعدة مناطق، ومنها مدينتا ديربان وليما، يكسبون رزقهم من جمع وفرز وفحص النفايات، بهدف تحديد المواد القابلة لإعادة التدوير استعداداً لبيعها.
داخل حي دهارافي الواقع في مدينة مومباي الهندية أكبر الأحياء العشوائية الفقيرة المكتظة بالسكان في العالم؛ يساهم جامعو القمامة في فرز النفايات وإعادة تدويرها بنسبة تتراوح بين 60% و80% من إجمالي إعادة التدوير في المدينة، حتى أطلق عليه "منجم ذهب إعادة التدوير والاقتصاد الدائري".
وكشفت نتائج الدراسة أن الاقتصاد الدائري فِكر متأصل لدى هذه الفئة من السكان، ومرتبط بحياتهم اليومية منذ فترة طويلة؛ حيث يملكون معرفة عالية بالممارسات المستدامة؛ ما يشير إلى الحاجة إلى دمج سكان الأحياء الفقيرة في أهداف الاستدامة، وتحويلهم إلى أصحاب مصلحة بعد أن كان يُنظَر إليهم باعتبارهم عبئاً، وفق ما ذكرته مجلة Nature Sustainability.
جهود إفريقية
وأظهرت الدراسات التي تناولت منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، عدة ممارسات لسكان الأحياء تَحُد من النفايات، وتساهم في تقليل الانبعاثات؛ فعلى سبيل المثال، يستخدم بعض ساكني العشوائيات في كمبالا عاصمة أوغندا، الطوب المصنوع من التربة الرملية بديلاً للطوب المحروق؛ لمكافحة إزالة الغابات، واستهلاك الوقود لعملية الحرق.
وبالنظر إلى الأماكن العامة في منطقة كيا ساندز جنوب إفريقيا، فإن سكانها قدَّموا مثالاً على الفِكر المبتكر بإنشاء حديقة خضراء باستخدام الإطارات والصناديق القديمة وقِطَع الأخشاب، لتجهيز المقاعد والألعاب.
وفي العاصمة الزامبية لوساكا، ينطلق مجموعة من الرجال والنساء في الصباح الباكر لجمع النفايات القابلة لإعادة التدوير؛ حيث يفرزون النفايات لجمع الزجاجات البلاستيكية والعلب المصنعة من الألومنيوم، بهدف كسب رزقهم حتى إن كان العائد بسيطاً.
وقرر بيتر موامبا البالغ من العمر 36 عاماً وهو والد طفلين يعيش في مجمع ميسيسي الذي يسكنه ذوو الدخول المنخفضة؛ جمع النفايات يومياً لتوفير دخل لأسرته وتلبية احتياجاتهم في ظل ظروف معيشية صعبة.
فيما قالت بريدجيت نوندو البالغة من العمر 42 عاماً، لموقع Xinhua، إن جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير، بمنزلة شريان الحياة بالنسبة إليها، لتلبية احتياجات أسرتها.
وأشار عاموس بواليا الذي يُدير نقطة جمع النفايات الواقعة بالقرب من مجمع ميسيسي، إلى أن هذه المهمة اليومية دعامة أساسية لذوي الدخل المنخفض، كما تعتبر مصدر دخل رئيسياً يمكن من خلاله دفع الإيجار وتوفير الطعام.
مخاطر صحية
والقوة الدافعة الرئيسية التي تقف وراء تطبيق الاقتصاد الدائري وتنفيذ الاستدامة بالمناطق العشوائية هي المعاناة من الفقر والبطالة، لكن هناك مخاطر تنطوي على فرز النفايات الإلكترونية بطريقة غير رسمية وظهور مشكلات بيئية وصحية بالمناطق المختلفة.
في الهند على سبيل المثال، يتعرَّض القائمون على إعادة تدوير النفايات الإلكترونية لمواد سامة يمكنها زيادة الإصابة بالسرطان، وإحداث تشوهات لدى الأطفال.
وهناك خطر آخر تواجهه هذه المناطق، وهو تلوث المسطحات المائية، وهذا ما حدث مع سكان مدينة كوماسي بغينيا؛ حيث تلوثت الأنهار القريبة من أماكن جمع وفرز النفايات؛ ما تسبب في الإصابة بأمراض مُعْدِية.
ورغم أن سكان الأحياء الفقيرة لهم بصمة إيجابية في الاقتصاد الدائري، فإنه يجب في المقابل الالتفات إلى معاناتهم لكسب الرزق اليومي من جمع القمامة، ومدى تأثير ذلك على صحتهم والبيئة المحيطة بهم.
ووفق تقرير البنك الدولي، يُولِّد سكان العالم 2.01 مليار طن من النفايات الصلبة سنوياً، يُعاد تدوير 33% منها بطريقة غير آمنة بيئياً، كما أن المناطق الأسرع نمواً في توليد النفايات، هي إفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. ووفق التقرير نفسه، فإن من المتوقع زيادة النفايات لأكثر من 3 أضعاف بحلول 2050.