هوس التسوق في مواجهة الاستدامة.. انتعاش مرتقب لأسواق الملابس المستعملة


فيروز ياسر
الاربعاء 11 أكتوبر 2023 | 05:32 مساءً

باتت فكرة الاستهلاك المسؤول والحد من النفايات تتصدر المناقشات المتعلقة بضرورة زيادة الوعي بقضايا المناخ؛ لذلك انتعش الإقبال على شراء الملابس المستعملة وسط توقعات بنمو سوقها عالمياً بنسبة 127٪ بحلول عام 2026، بزيادة فارقة أسرع بثلاث مرات من الإقبال على سوق الملابس الجديدة.

وتقول كورال كاريجو المتخصصة في الأنثروبولوجيا وعلم النفس التسويقي، إن صناعة الأزياء الفاخرة مستمرة بالتزامن مع نظيرتها المستعملة، وعزت ذلك إلى رغبة أغلب البشر في امتلاك منتجات باهظة الثمن ذات علامة تجارية شهيرة، لدعم الشعور بالفخر والتباهي.

ووفق ما رأته كاريجو، يكمن سر الانجذاب إلى الموضة والأزياء الباهظة الثمن في القدرة على تلبية الرغبات الفطرية في التفاخر بالثروة، وتحقيق المكانة، واحترام الذات، والإحساس بالتقدير، والثقة.

وهذه المشاعر والرغبات الإنسانية قديمة منذ أكثر من 3 آلاف عام؛ حين كان الإنسان يتزين بالريش وسيلةً لإبراز المكانة الاجتماعية، لكن مع تعدد الخيارات في العصر الحالي زاد هوس التباهي والاستعراض لدى عدد كبير من الأشخاص في مختلف دول العالم.

اختلاف الأغراض

وفي الصين واليابان على سبيل المثال، ينجذب المستهلكون للعلامات التجارية الباهظة الثمن من أجل التميز، وإظهار النجاح، وتعزيز الوضع الاجتماعي، بينما يركز سكان بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على الشراء من أجل المتعة وإرضاء الذوق الخاص، وفق دراسات نقلها موقع "Green Queen".

ورغم الوعي المتزايد بالاستدامة، فإن التفكير الجمعي للناس موجه إلى منح الأولوية للمكافآت الفورية والمكاسب الشخصية، مقارنة بالفوائد الجماعية الطويلة الأجل، ومن ثم تتراجع تهديدات عدم الإقبال على صناعة الأزياء الفاخرة.

وأوضحت خبيرة علم النفس التسويقي لموقع Green Queen، أن تجربة شراء الملابس الجديدة الباهظة الثمن، عادةً ما تثير شهية الإنسان لتجربة الجديد وإشباع الاحتياجات النفسية التي تغذيها عدة خطوات تبدأ من دخول المتجر الراقي، وتنتهي بفك غلاف المنتج داخل المنزل.

كما نصحت القائمين على صناعة الأزياء الفاخرة بالتكيف والابتكار وتعريف معنى الرفاهية بالعصر الحديث، لا سيما أن العالم يتحرك نحو مستقبل أكثر استدامة.

كما دعت المستهلكين إلى الانتباه للإفراط في شراء الملابس المستعملة الفاخرة، تجنباً للنفايات الزائدة التي يصعب إعادة تدويرها.

شراهة الاستهلاك

بدوره وصف الفيلسوف الفرنسي الراحل دينيس ديدرو، العملية النفسية التي تحدث عند اقتناء منتجات جديدة، بأنها بشعور مؤقت بالإثارة والرضا، ثم زيادة الرغبة في اقتناء عناصر جديدة؛ ما يؤدي إلى خلق دورة واسعة من الاستهلاك.

وأضاف ديدرو: "وكلما زاد عدد الممتلكات شعرنا بالحاجة إلى اكتساب المزيد لإنشاء صورة متماسكة عن أنفسنا"، وفق ما ذكره موقع The Conscious Vibe.

تعد الضغوط الاجتماعية من ضمن أسباب عمليات التسوق المتهورة؛ إذ يصبح قرار الشراء الاندفاعي نتيجة لمحاولات تأقلم البعض، أو الرغبة في كسب قبول الأصدقاء والعائلة وإثارة إعجابهم.

ويلعب المعلنون والعاملون في مجال التسويق دوراً بارزاً في زيادة الضغط عند عرض صور لأشخاص يشعرون بالسعادة بعد شراء منتج ما.

كما أن ظهور المشاهير من نجوم التمثيل والغناء واللاعبين الرياضيين في الإعلانات، يعتبر عاملاً مساعداً على زيادة الاستهلاك المفرط للسلع والضغط على بعض المستهلكين؛ لأن الكثير من الناس يعتبرونهم قدوة.

ومن جانبها، سلطت عالمة النفس الإكلينيكي جين ر.بوركا، الضوء على عدم تمتع البعض بدرجة كافية من ضبط النفس تحول دون الاندفاع في الشراء، ووصفت هذه الفئة بأنها "غير قادرة على التحكم في عواطفها وسلوكها" فيصبح التسوق هو الوسيلة الوحيدة للتعامل مع اضطراب المشاعر، وفقاً لموقع The Conscious Vibe.

والشراء المفرط للملابس أو المنتجات قد يضع المستهلكين في مأزق عندما يدركون أن المشاعر الإيجابية المؤقتة التي يثيرها، يقابلها أزمات مادية وديون بسبب إنفاق مبالغ يتوق قدراتهم ووضعهم الاجتماعي، وفي الوقت نفسه تتراجع المساهمة في مواجهة المناخ المتطرف ودعم سلوكيات الاستدامة.