ميكروبات تلتهم الكربون.. الجيش الأزرق يحارب تغير المناخ


فيروز ياسر
الثلاثاء 26 سبتمبر 2023 | 07:57 مساءً

منذ وصول انبعاثات الغازات الدفيئة إلى أعلى مستوياتها في 2022، سعت الدول إلى ابتكار تقنيات حديثة لاحتجاز وتخزين الكربون، بهدف إنقاذ كوكب الأرض من الآثار المدمرة لظاهرة التغير المناخي.

واكتشف العلماء أن هناك نوعاً من الميكروبات الدقيقة التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، لديها قدرة مذهلة على تخزين الكربون، وهو ميكروب ينتمي إلى البكتيريا الزرقاء، ويوجد قبالة ساحل جزيرة بركانية بالقرب من صقلية بإيطاليا، ويستطيع التهام ثاني أكسيد الكربون.

التهام مذهل

يعود الفضل في تطور هذا الميكروب إلى وجود فتحات حرارية مائية تقع في المياه الضحلة ومُعرضة لأشعة الشمس بجزيرة فولكانو الإيطالية؛ إذ استخدم هذا الكائن الصغير ثاني أكسيد الكربون مصدراً للغذاء.

وبدوره قال برادن تيرني عالم البيانات المتخصص في علم الأحياء الدقيقة لـ"بي بي سي"، إن الميكروبات التي عثروا عليها لديها كفاءة عالية في استهلاك ثاني أكسيد الكربون خلال عملية التمثيل الضوئي.

وتيرني هو الباحث الرئيسي بالتعاون مع فريق من جامعة باليرمو الإيطالية، لسحب عينات من المياه والرواسب للميكروبات المحيطة بثاني أكسيد الكربون البركاني المتسرب بالقرب من جزيرة فولكانو قبالة ساحل صقلية.

واشترك فريق أوسع من عدة جامعات بالمملكة المتحدة والولايات المتحدة لزراعة كائنات حية محددة تلتقط الكربون من هذه العينات في بيئة معملية، كما عزلوا السلالة المكتشفة من البكتيريا بالجزيرة.

وتوصل الفريق البحثي إلى أن السلالة الجديدة من البكتيريا تنمو بشكل طبيعي في الأعمدة البركانية باستخدام ثاني أكسيد الكربون، وعند مقارنتها ببكتيريا زرقاء أخرى من سلالات مختلفة، اتضح أن الجديدة أكثر كفاءة في امتصاص الكربون، مع قدرتها على التكيف مع البيئة المحيطة.

ووفق نتائج الأبحاث، يمكن للسلالة الجديدة تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى موارد مفيدة، كالوقود والمواد البلاستيكية القابلة للتحلل، كما أنتجت كتلة حيوية أكبر بنسبة 22٪ مقارنة بالسلالات الأخرى.

وأكدت هيلين أونياكا عالمة الأحياء الدقيقة الصناعية والأستاذة في جامعة برمنجهام البريطانية، القدرة المذهلة للميكروبات المستهلكة لثاني أكسيد الكربون، مشيرة إلى أن السلاسة الجديدة معدلات امتصاصها للكربون لا مثيل له.

البحث عن سلالات

وقرر تيرني السفر مع فريقه إلى جبال روكي بولاية كولورادو الأمريكية، بحثاً عن المزيد من الميكروبات التي لديها قدرة على التهام الكربون، خصوصاً أن المنطقة شهيرة بنشاط الينابيع الغازية التي تصل فيها تركيزات ثاني أكسيد الكربون المُذاب أعلى بألف مرة من التركيزات الموجود في جزيرة فولكانو، بحسب موقع PR Newswire.

لاحظ الفريق البحثي قدرة السلالات الميكروبية بجبال روكي على امتصاص الكربون بمستويات أكبر مما عثروا عليها في صقلية، وبناء على ذلك أسس الفريق قاعدة بيانات متاحة لعلماء آخرين في جميع أنحاء العالم لربط تسلسل الحمض النووي مع عينات البكتيريا المتاحة بالمعمل، بهدف مواصلة الدراسات لفترة طويلة بعد الرحلات الاستكشافية.

ويرى الباحث الرئيسي أنه يجب تسخير الميكروبات في امتصاص ثاني أكسيد الكربون بجانب التقنيات والأنظمة الأخرى المتاحة. وتبنى هذا الرأي كيرا شيبر الباحثة في مركز التنمية المستدامة بجامعة قطر، قائلة إن "استخدام البكتيريا الزرقاء والطحالب الدقيقة لامتصاص الكربون أمر واعد للغاية".

ووفق ما رأته شيبر فإن الكتلة الحيوية الناتجة عن الميكروبات يمكن زراعتها في أراضٍ غير صالحة للزراعة دون أن تؤثر على الأمن الغذائي، إضافة إلى زراعة الكتلة الحيوية في أحواض كبيرة ومفاعلات حيوية؛ لاستخدامها في إنتاج الوقود الحيوي والأسمدة ومكملات البروتين والأعلاف الحيوانية.

عند مقارنة تكلفة الاستخدام بين الميكروبات والتقنيات الحديثة في امتصاص الكربون، أكدت هيلين أونياكا أن هذه الكائنات الدقيقة أكثر فاعليةً وأقل تكلفةً من التقنيات المتعارف عليها، مقارنة بتكنولوجيا احتجاز وتخزين الكربون التي تحتاج إلى رأسمال كبير، كما أن المميز في الميكروبات أنها يتم نشرها في بيئات متنوعة مثل الأحواض المفتوحة أو المفاعلات الحيوية.

ورغم حالة التفاؤل بهذه الأنواع من الميكروبات، فإن المتخصصة بعلم الأحياء الدقيقة الصناعي نصحت بالحذر في استخدامها؛ إذ قالت إن إدخال الميكروبات في البيئة بكميات كبيرة يمكن أن يعطل النظم البيئية المحلية، كما حذرت من إطلاق الميكروبات الكربون مرة أخرى بعد موتها؛ لذا من الضروري فهم أي تداعيات بيئية محتملة، في الوقت الذي يأمل فيه العلماء أن يصبح كوكبنا أكثر صحة واستدامة مناخية.