"الصدأ الذكي".. مغناطيس لجذب الملوثات والهرمونات العالقة بالمياه


فيروز ياسر
الاربعاء 13 سبتمبر 2023 | 02:45 مساءً

بابتكار جديد قادر على معالجة المياه، استطاع الباحثون تغيير سمات مادة "الصدأ" ذات السمعة السيئة، التي تتراكم على سطح الحديد والفولاذ.

واستغرق فريق بحثي سنوات طويلة في دراسة طرق صديقة للبيئة لإزالة الملوثات من المياه، ليكتشف مادة أكسيد الحديد النانوي المغناطيسي القادرة على جذب المواد السامة العالقة بالمياه.

الصدأ الذكي

ووفق الجمعية الكيميائية الأمريكية (ACS)، فإن الكرات الصغيرة لديها القدرة على جذب النفط ووقود الديزل واللدائن الدقيقة، إضافة إلى مبيدات الأعشاب المسماة (غليفوسات).

والأمر لم يتوقف عند ذلك؛ فقد قال ماركوس هاليك الباحث الرئيسي في المشروع، إن الصدأ الذكي رخيص وغير سام، كما أنه قابل لإعادة التدوير، ومُعالج للمياه بكفاءة.

وقام الفريق البحثي بتطوير تقنية ربط جزيئات حمض الفوسفونيك على كريات بحجم النانومتر، ثم إضافة طبقة من الجزئيات إلى نوى أكسيد الحديد، لتبدو مثل الشعر الخارج من أسطح الجسيمات.

وأوضح هاليك الذي يعمل في جامعة فريدريك ألكسندر–إيرلانغن نورنبرغ، أنه يمكن للباحثين ضبط خصائص أسطح الجسيمات النانوية لامتصاص أنواع مختلفة من الملوثات بقوة.

وجمع الفريق مياهاً من البحر المتوسط ومركب الغليفوسات من مياه البركة القريبة من الجامعة الألمانية، وأثبتوا نجاح الصدأ الذكي في إزالة البلاستيك النانوي والصغير المضاف إلى عينات المياه المعملية.

وفي تصريح لـ"جرين بالعربي" قال الباحث ديرك زان بمركز الكيمياء النظرية والحسابية، والمشارك في التجربة، إن تنظيف المياه بالمجال المغناطيسي باستخدام الصدأ الذكي من الطرق المختلفة عن المتاحة حالياً لمعالجة المياه؛ حيث يمكن استخدام النهج الجديد مع الطرق المعمول بها لسد أوجه القصور في معالجة المياه.

كما أشار إلى قدرة الصدأ الذكي على معالجة المياه بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عند استخدامه تجارياً فيما بعد، مضيفاً أن أفضل الطرق لتجنب تلوث المياه، منع الملوثات من الأساس بالبحرَين المتوسط والأحمر؛ حيث هناك الكثير من النفايات البلاستيكية على شواطئ البحرين تحتاج إلى تكلفة أكبر للتخلص منها.

كما أشار الباحث إلى الجهود الحالية المبذولة لرفع مستوى التقنية من نطاق المختبر إلى أرض الواقع، لكن هذا يعتمد على التمويل لخروج الابتكار إلى النور واستخدامه تجارياً.

سحب الهرمونات

بدوره أعلن لوكاس مولر طالب الدراسات العليا، عن تجربة أخرى ناجحة في الاجتماع الخاص بإعلان نتائج التجارب الخاصة بالصدأ الذكي، تنطوي على تعديل جسيمات الصدأ النانوية لجذب الهرمونات، وتحديداً الأستروجين العالق بمياه الصرف الصحي الذي يصل إلى المجاري المائية من مخلفات البشر والماشية.

ووفقًا لمولر، فإن كميات الأستروجين منخفضة جداً في البيئة، وفي الوقت نفسه يصعب إزالتها، وتؤثر على عملية التمثيل الغذائي، وتكاثر بعض النباتات والحيوانات.

واستخدم مولر أحد أنواع الأستروجين الأكثر شيوعاً المسمى "الأستراديول" الذي يحتوي على مركبات عضوية ضخمة تُسمى "الستيرويد"، وأجزاء أخرى ذات شحنات سالبة طفيفة. ومن أجل الاستفادة من هذه الخصائص، قام بتغليف جزيئات أكسيد الحديد النانوية بنوعين من الجزيئات؛ أحدهما طويل ويشبه الشعر، والآخر جزيئات موجبة الشحنة.

وتساعد الجزيئات الموجبة الشحنة على جذب أجزاء من الهرمونات ذات الشحنة السالبة الطفيفة، ويفترض الباحثون أنهما يبنيان معًا عدة مليارات من الهياكل التي تشبه "الجيوب"، وتعمل على جذب الأستراديول وتحبسه في مكانه.

ولأن تلك الجيوب غير مرئية للعين المجردة، استخدم مولر أدوات عالية التقنية للتحقق من وجود جيوب محاصرة للأستروجين، وأظهرت النتائج الأولية استخراج الهرمون من المياه بالفعل وفق عينات المختبر.

لكن الباحثين يحتاجون إلى النظر في تجارب إضافية من التحليل الطيفي بالرنين المغناطيسي النووي في الحالة الصلبة لفهم كيفية تنظيم نوعَي الجزيئات على سطح الجسيمات النانوية، وكيفية تفاعلها مع الملوثات.

ويختبر الباحثون هذه الجسيمات على عينات مياه حقيقية في المستقبل، ويحدد عدد المرات التي يمكن إعادة استخدامها فيها؛ نظراً إلى أن كل جسيم نانوي يحتوي على مساحة سطح واسعة، مع وجود الكثير من الجيوب. والباحثون عازمون على إزالة هرمون الأستروجين من عدة عينات من المياه لتقليل تكلفة عملية التنظيف.

تأثيرات صادمة

وأصبح هرمون الأستروجين مصدر قلق للباحثين في جميع أنحاء العالم؛ حيث يشكل تهديدات خطيرة على التربة والنباتات والموارد المائية، إضافة إلى البشر بعد ملاحظة تركيزات متزايدة له.

وكشفت مقالة نشرتها المجلة الوطنية للطب (NLM) عن وجود الأستروجين بمستويات ملوثة في مواقع قريبة من مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، وفي المياه الجوفية بمواقع مختلفة على مستوى العالم، وتورطه في إصابة البشر بسرطان الثدي لدى النساء وسرطان البروستاتا إلى الرجال.

ليس كذلك فحسب، بل اتضح أن الهرمون يؤثر بالسلب على فسيولوجيا الأسماك وإنجاب الحيوانات الأليفة والبرية، إضافة إلى اضطراب نمو جذور وبراعم النباتات بطريقة طبيعية.

وتتعدد الآن تقنيات معالجة المياه، لكن التلوث لا زال موجوداً؛ فهل يستطيع أحد الابتكارات انتشال الجزيئات السامة من مياه المحيطات تماماً يوماً ما؟