منذ الماضي البعيد، فتحت رياضة الغوص شهية المغامرين لاكتشاف العوالم البحرية والشعاب المرجانية ومسارات الأسماك وغير ذلك.
لكن لتلك الرياضة الترفيهية عيوب كثيرة؛ إذ أوضحت مؤسسة Reef-World المنسق الدولي لمبادرة Green Fins التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الأضرار التي يُلحِقها الغوص بالنظم الإيكولوجية البحرية، بما في ذلك الشعاب المرجانية.
وتشير التقديرات إلى أن 88% من الغواصين، يتواصلون مع الشعاب المرجانية بشكل ضار، سواء باللمس أو الاصطدام، مرة واحدة على الأقل أثناء الغوص، ومن ثم يمكن أن يتعرض موقع غوص واحد لأكثر من 200 ألف حادث سنوياً؛ نتيجة التفاعل البشري مع الشعاب المرجانية؛ ما يجعلها أكثر هشاشةً وأقل عرضةً للنجاة من الضغوط البيئية الأخرى.
وظهر دور المتاحف الفنية تحت الماء باعتبارها محميات تضم منحوتات وتماثيل لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق الغوص، بهدف خلق مناطق جذب جديدة تحت الماء، وتقديم أدوار بيئية حيوية في الأعماق.
أولاً– الحياة البحرية:
يحتوي كل تمثال على زوايا وأركان خاصة تُوفِّر ملاذاً آمناً لأنواع صغيرة من الأسماك واللافقاريات، تجعلها أرضاً خصبة للتكاثر. وتُقدِّم المنحوتات فرصة للأسماك الصغيرة لتنمو ولتنضج قبل الانتقال إلى المحيط المفتوح. وتجذب هذه الأسماك الصغيرة المفترسات الأكبر؛ وبذلك تساعد المتاحف الفنية تحت الماء في الحفاظ على توازن النظام البيئي.
تبدأ الشعاب المرجانية الطبيعية في التكوُّن عندما تلتصق اليرقات المرجانية، التي تسبح بحرية داخل الماء، بالصخور المغمورة أو أي سطح صلب، ثم تأخذ اليرقات تنمو وتتجمَّع على هيئة طبقات خارجية وتتوسع على مدى الأعوام.
ثانياً– الشعاب المرجانية:
تتمتع الشعاب المرجانية بأهمية اقتصادية وثقافية وبيئية هائلة؛ حيث تُعَد واحدةً من أكثر النظم الإيكولوجية تنوعاً على الكوكب، وأحد مواطن الأنواع البحرية؛ إذ تدعم نحو 4000 نوع من الأسماك، و800 نوع من الشعاب المرجانية الصلبة ومئات الأنواع الأخرى.
وتعمل هياكل الشعاب المرجانية أيضاً بصفتها حاجزاً طبيعياً يَحمِي الشواطئ ضد 97% من الطاقة الناتجة عن الأمواج والعواصف والفيضانات؛ ما يساعد على منع الخسائر في الأرواح وتدمير الممتلكات والتآكل.
ويتم إنشاء شعاب مرجانية اصطناعية باستخدام مواد آمنة وحساسة للبيئة، مثل التماثيل الفنية. وقد نجحت هذه الشعاب المرجانية غير الطبيعية في زيادة الكتلة الحيوية للشعاب الإجمالية.
وتبدأ الشعاب المرجانية الطبيعية في التكوُّن عندما تلتصق اليرقات المرجانية، التي تسبح بحرية داخل الماء، بالصخور المغمورة أو أي سطح صلب، ثم تأخذ اليرقات تنمو وتتجمَّع على هيئة طبقات خارجية وتتوسع على مدى الأعوام.
وتعجُّ المحيطات بالكائنات الدقيقة واليرقات التي تنجرف باستمرار نحو قاع البحر، لكنها لا تجد طبقة صلبة تتشبث بها؛ لذلك يصنع الإنسان هياكل ومنحوتات بالمتاحف تحت الماء حتى تلتصق بها اليرقات وتُشكِّل مع الوقت شعاباً اصطناعية لتعزيز نمو الحياة البحرية.
ثالثاً– التنمية المستدامة:
تهدف هذه المتاحف إلى دعم السياحة المستدامة والصديقة للبيئة وتعزيز الوعي الثقافي والطبيعي، وتمكين المجتمعات المحلية والتعامل معها باعتبارها وسيلة هامة في الدفاع عن المحيطات، كما أن إيرادات رسوم دخول تلك المتاحف والتبرعات من الممكن استغلالها في مشاريع ومبادرات لحفظ البيئة البحرية وتعزيز فرص السكان الأصليين.
تُعَد مشاهدة الشعاب المرجانية وممارسة الغوص من الأنشطة السياحية الرئيسية؛ حيث تجذب ملايين الزوار كل عام، وتجلب عائدات بمليارات الدولارات للاقتصاد، وهي تدعم مجموعة واسعة من الصناعات، بما في ذلك السياحة وصيد الأسماك واليخوت.
أشهر 6 متاحف مائية في العالم
يكتسب متحف كانكون أهمية كبيرة بسبب وجوده بالقرب من نظام الحاجز المرجاني لأمريكا الوسطى (أكبر نظام بيئي للشعاب المرجانية في الأمريكتين وثاني أكبر نظام بيئي للشعاب المرجانية في العالم).
متحف كانكون "Musa" المكسيك:
عام 2009 تم تشكيل متحف ضخم للفن المعاصر تحت مياه مدينة كانكون، يتألف من أكثر من 500 منحوتة بالحجم الطبيعي، ويُعَد أكبر متحف تحت الماء في العالم، بهدف إظهار التفاعل بين الفن وعلوم البيئة. جميع المنحوتات مثبتة في قاع البحر ومصنوعة من مواد متخصصة تُستخدَم لتعزيز الحياة البحرية.
يكتسب المتحف أهمية كبيرة بسبب وجوده بالقرب من نظام الحاجز المرجاني لأمريكا الوسطى (أكبر نظام بيئي للشعاب المرجانية في الأمريكتين وثاني أكبر نظام بيئي للشعاب المرجانية في العالم).
يبلغ طوله نحو 1,000 كيلومتر، وتُستوحَى منحوتاته من السكان المحليين من قرى الصيد القريبة، ويغطيها إسمنت بحري يتكون من سطح محايد يعزز نمو المرجان. وبعد نزولها الماء باتت التماثيل مغطاة بالطحالب والشعاب المرجانية في مشهد مذهل بقاع البحر.
متحف " MUSEO ATLÁNTICO" إسبانيا:
مفتوح للجمهور منذ عام 2016، وهو أول متحف تحت الماء في أوروبا، بهدف إنشاء حوار مرئي بين الفن والطبيعة، وتكوين جزء من الشعاب المرجانية الاصطناعية التي ستكون بمنزلة موقع تكاثر للأنواع المحلية من الأسماك والنباتات.
وتم بناء التماثيل بمواد محايدة غير ضارة بالبيئة. ويضم المتحف أكثر من 300 منحوتة تلفت الانتباه إلى مجموعة من القضايا العالمية مثل تغير المناخ، وصون البيئة، والهجرة، وتشابك الإنسان والطبيعة، واستخدام التكنولوجيا في المجتمع الحديث ومحاولة هروب البشر من المسؤولية عن التغيرات المناخية عبر بوابة كبيرة منحوتة في الأعماق.
وتعتبر منحوتات المتحف بمنزلة حراس الشعاب المرجانية بالمحيط؛ حيث تجسد التماثيل عدداً من أشهر علماء أستراليا الذين ساهموا بشكل إيجابي في الحفاظ على المحيطات.
متحف الفن تحت الماء" Moua" أستراليا:
متحف فريد مغمور في المياه الضحلة للحاجز المرجاني العظيم شمال كوينزلاند، وهو المتحف الوحيد تحت الماء في نصف الكرة الجنوبي، بهدف تثقيف الزوار حول الحاجز المرجاني العظيم المدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وتسليط الضوء على الحاجة إلى جهود الحفظ والاستعادة للمساعدة في حماية هذا النظام البيئي الثمين ونمط حياة السكان الأصليين.
ويعد ضمان الحفاظ على الحاجز المرجاني العظيم وسلامته أمراً في غاية الأهمية بالنسبة إلى إدارة المتحف؛ حيث يواجه الحاجز المرجاني العظيم العديد من التهديدات التي تعرضه للخطر؛ لذلك يقوم المتحف بمراقبة المنطقة المحيطة بهذه الأعجوبة الطبيعية بانتظام، ووجد زيادة في عدد الأسماك بنسبة 66% منذ تثبيت التماثيل بالقاع.
وتعتبر منحوتات المتحف بمنزلة حراس الشعاب المرجانية بالمحيط؛ حيث تجسد التماثيل عدداً من أشهر علماء أستراليا الذين ساهموا بشكل إيجابي في الحفاظ على المحيطات.
متحف الفنون تحت الماء (UMA) ولاية فلوريدا الأمريكية:
في عام 2018 تم تقديم أول متحف فني دائم تحت الماء في أمريكا الشمالية، يعزز فكرة إنشاء موائل بحرية، وتوفير فرص ثقافية واقتصادية وتعليمية للمجتمع المحلي قبالة خليج المكسيك.
وتأتي تماثيل المتحف الأمريكي مستوحاة من الطبيعة والكائنات البحرية، مثل الأخطبوط، وتم توثيق أكثر من مائة نوع من الكائنات الحيوانية والنباتية بالقرب من تماثيل المتحف بعد وقت قصير من إنشائه. ومن الأنواع المرصودة الدلفين، والسلاحف البحرية، وأنواع عديدة من السمك.
متحف الأعماق في دهب – مصر:
تقع دهب شمال شرق مدينة شرم الشيخ، ورغم صغر مساحتها فهي تضم كنوزاً لا تُقدَّر بثمن في الأعماق، جعلتها تتمتع بشعبية عالمية ومواقع معروفة للغوص مثل بلو هول "Blue Hole". ولحماية النظام البيئي بالبحر الأحمر، قام مجموعة من الغواصين المصريين بإنشاء متحف تحت الماء في دهب بهدف زيادة الوعي البيئي، وكذلك تشجيع سياحة الغوص في إطار بيئي للحفاظ على التراث البحري، وقاموا بتثبيت 7 تماثيل مستوحاة من الحضارة المصرية القديمة، وصديقة للبيئة ومصنوعة من الأجزاء المعاد تدويرها، وتم تنفيذ المتحف على٣ مراحل انتهت في 2017.
أول متحف سعودي تحت الماء:
على شاطئ نصف القمر بالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، بات الغوص بالقرب من أول متحف تحت الماء هو وسيلة لاستكشاف الأعماق ودعم البيئة البحرية، والمساهمة في تكاثر الأسماك والحيوانات الأخرى، عبر الغوص داخل أول متحف سعودي تحت الماء يضم مجموعة من المنحوتات المصنوعة من مواد بيئية لا تضر الكائنات البحرية، لعدد من أشهر معالم دول الخليج، مثل مركز المملكة وبرج خليفة بالإمارات.