150 مليون كيلومتر تقريباً يبعدها كوكب الأرض عن نجم الشمس الذي ما زلنا نجهل الكثير من أسراره، لكن الحقيقة المُؤكَّدة أنه مصدر الحياة على كوكبنا، وتتوجه الأنظار إليه حالياً في محاولةٍ للتحكم في حرارة الأرض التي تُواصِل ارتفاعها منذ عصر الثورة الصناعية.
الطريقة التي استمرَّت لسنوات طويلة حبيسة المراكز البحثية، هي العمل على حجب أشعة الشمس، في محاولةٍ لمواجهة ارتفاع الحرارة.
ومؤخراً قررت الولايات المتحدة وضع تلك الفكرة في الاعتبار في مواجهة الاحتباس الحراري؛ ما أثار جدلاً واسعاً بين المؤيدين والمعارضين.
ويُعَد من أبرز الطرق المقترحة لتفعيل الفكرة، محاكاة آثار البراكين في عكس أشعة الشمس نحو الفضاء، ومن ثم تراجع درجات الحرارة.
بمحض الصدفة، انخفضت درجة حرارة العالم بمعدل نصف درجة مئوية تقريباً بين عامَي 1991 و1993، بعدما استقبلت طبقة الستراتوسفير في الغلاف الجوي قرابة 20 مليون طن من ثاني أكسيد الكبريت قادمة من بركان بيناتوبو الذي ثار في الفلبين، ومن ثم فإن إضافة مواد مشابهة في الغلاف الجوي قد يساعدنا في تحقيق الهدف بخفض الحرارة.
بركان
أول من ربط بين اندلاع البراكين وتراجع درجات الحرارة، هو بنيامين فرانكلين أحد مؤسسي الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1783، الذي لفت إلى أن الضباب الموجود في سماء القارة الأوروبية، سيؤدي إلى تراجع حاد في أثر حرارة الشمس على الأرض، وفقاً لموقع The Atlantic.
فكرة عكس أشعة الشمس تبدو مغايرة للتوجه القائم على الاستعانة بها من أجل توليد الطاقة النظيفة؛ فهل يعني تطبيق الفكرة التضحية بالأشواط الطويلة التي قطعناها في مجال الطاقة الشمسية؟
ولأول مرة، قدرت الوكالة الدولية للطاقة "IEA" أن استثمارات الطاقة الشمسية في 2023 ستتجاوز الاستثمارات النفطية، لتصل إلى 286 مليار دولار هذا العام
انعكاسية الأرض
في عام 2022، بلغ حجم سوق الطاقة الشمسية حول العالم قرابة 235 مليار دولار، ويُتوقَّع ارتفاعه مجدداً إلى نحو 375 مليار دولار بحلول 2029، وفقاً لموقع Fortune Business Insights.
ولأول مرة، قدرت الوكالة الدولية للطاقة "IEA" أن استثمارات الطاقة الشمسية في 2023 ستتجاوز الاستثمارات النفطية، لتصل إلى 286 مليار دولار هذا العام؛ وذلك في الوقت الذي ينتظر منطقة الشرق الأوسط، بحسب الخبراء، مستقبل واعد في المجال، وسط توقعات بأن يصل حجم السوق في المنطقة إلى تريليونات الدولارات.
العالم يتوسع في إنتاج الطاقة الشمسية
وبحسب موقع Global Energy Monitor، تتجاوز عدد مزارع الطاقة الشمسية التي تعمل بالفعل في دول العالم العربي 130 مزرعة، وسط أعداد كبيرة أخرى من المشروعات قيد التنفيذ.
بدوره، نقل موقع Solar Reviews دراسة علمية أُجريت عام 2017، قدَّر فيها الباحثون أن الهندسة الجيولوجية الشمسية بإضافة كميات من الهباء إلى الغلاف الجوي، قد تؤدي إلى تراجع الطاقة الإنتاجية لألواح الطاقة الشمسية بنسب تصل إلى 10%، لكن على الجانب الآخر هناك من يرى أن حجم التأثير سيكون أقل من ذلك بكثير.
وقال المحاضر في كلية البيئة بجامعة ييل الأمريكية ويك سميث، إن درجة تراجع ضوء الشمس الذي تلتقطه الألواح الشمسية، سيقتصر على نسبة تتراوح بين 1 و2%.
وخلال حواره مع "جرين بالعربي"، رفض سميث مصطلح حجب الشمس، مؤكداً أن التعبير الأدق هو زيادة درجة انعكاسية الأرض؛ "ففي الحالة الطبيعية يعكس كوكبنا 30% من الأشعة التي تصله؛ وذلك بفعل السحب والجليد والرمال والأسطح العاكسة الأخرى، ومن ثم ترتكز فكرة الهندسة الجيولوجية الشمسية على زيادة درجة الانعكاس بنسبة تصل إلى 2%، وهي النسبة التي سيتأثر بها عمل الألواح الشمسية".
ويتفق مع الرأي السابق الدكتور روبرت بيرهامبرت الأستاذ في جامعة أوكسفورد المتخصص في فيزياء المناخ، فيما يخص الأثر على الطاقة الشمسية؛ إذ يقول إن نسبة التراجع ستقتصر على نسبة محدودة، أو قد تزيد على قدر التوسع في تطبيق مسألة عكس الأشعة.
ولفت بيرهامبرت، في حواره مع "جرين بالعربي" إلى أن قضية الطاقة الشمسية لا تمثل المشكلة الأساسية في تطبيق الفكرة، بل النسبة الكبرى من الخطر هو أنها قد تتحول إلى عذر للمزيد من الاعتماد على الوقود الأحفوري.
وأوضح أن الانبعاثات الإضافية التي سيُخلِّفها هذا الاتجاه، ستدفع الكوكب إلى المزيد من التوسع في تقنية حجب الشمس. وإذا ما وضعنا ثاني أكسيد الكربون في مواجهة المواد التي يتم إضافتها، فإن الغاز الأول يبقى في الغلاف الجوي لآلاف السنين. أما المواد الأخرى فتحتاج إلى تجديدها سنوياً، وربما بوتيرة أسرع.
إذا ما استمر العالم في تطبيق الفكرة على مدى آلاف السنين، ثم اضطررنا إلى إيقافها، فسيشهد العالم "احتراراً سريعاً كارثياً" من نوع لم يشهده من قبل، وبالتأكيد لم يجربه البشر، بحسب رأيه.
نتائج عكسية
وفي لقاء مع شبكة Vox الأمريكية، حذر أستاذ الفيزياء روبرت بيرهامبرت من سيناريو أشد سوءاً، وهو أن إضافة عناصر جديدة إلى الغلاف الجوي، سيؤدي إلى تغيير أنماط تساقط الأمطار على مستوى العالم؛ ما قد يهدد بتفاقم موجات الطقس المتطرف في بعض المناطق.
فيما توقع بيرهامبرت تراجع معدلات سقوط الأمطار بفعل الهندسة الجيولوجية الشمسية، لافتاً إلى أن من الصعب حالياً تقييم تلك التغيرات؛ لأن تقييم الأثر المناخي يستغرق سنوات طويلة.
لكنه لفت إلى اتفاق بين العلماء أنه إذا جرى – على سبيل المثال – إضافة المواد في الجزء الشمالي من العالم بطريقة غير منتظمة، فسيؤدي ذلك الأمر إلى جفاف شديد في منطقة الساحل الإفريقي.
ويرى بيرهامبرت أن ضمان الحفاظ على تراجع درجة الحرارة من خلال الهندسة الجيولوجية الشمسية، يتطلب تعاوناً دولياً غير مسبوق، وإنشاء مؤسسات دولية وعقد اتفاقيات، وهو ما يُلقِي عبئاً إضافياً على البشرية لآلاف السنوات القادمة.
وفي عام 2014، حذر البروفيسور ستيف رنير في جامعة أوكسفورد، بعدما قاد بنفسه مشروعاً يخص الهندسة الجيولوجية الشمسية، من خطورة الأمر على العلاقات الدولية، قائلاً: "على سبيل المثال، لو أطلقت الهند ثاني أكسيد الكبريت في طبقة الاستراتوسفير، قبل الفيضانات الأخيرة التي شهدتها باكستان، فما من أحد كان سينجح في إقناع إسلام أباد بأن قرار الهند هو ما سبَّب لها تلك الفيضانات"، بحسب صحيفة "الجارديان".
تقديرات المحاضر في كلية البيئة بجامعة ييل الأمريكية ويك سميث، جاءت أكثر تفاؤلاً؛ ففي الوقت الذي يتفق فيه مع فكرة تغير أنماط تساقط الأمطار بفعل الهندسة الجيولوجية الشمسية، يرفض فكرة أن ذلك التغيير سيُحدِث المزيد من موجات الطقس المتطرف، بل يتوقع على العكس تراجع تلك الموجات، والعمل على استعادة الأنماط التي أربكها التغير المناخي.
لكنه أقر أيضاً بأن ذلك الاستنتاج لا يزال أولياً، وأن النسبة الكبرى من آثار الفكرة ما زالت غير معلومة، مؤكداً أن الهندسة الجيولوجية الشمسية ليست بديلاً لعمليات إزالة الكربون، أو الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية، لكنها وسيلة لتخفيف آثار التغيرات المناخية على الأجيال المستقبلية.
الأزمة تكمن في أن عدد الرحلات التي تحتاجها سنوياً تبلغ 175 ألف رحلة بحسب تقدير الباحثين؛ ما يعني انبعاث ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون
البصمة الكربونية
وأجرت جامعة ييل الأمريكية، دراسة تقديرية عن الإمكانات التي يحتاجها تبريد الأرض من خلال هذه الطريقة، لتكشف عن الاحتياج إلى 125 طائرة تقوم برحلات دورية على ارتفاع عالٍ من الأرض؛ لإضافة تلك المواد في الغلاف الجوي عند خط عرض 60 درجة شمالاً.
لكن الأزمة تكمن في أن عدد الرحلات التي تحتاجها سنوياً تبلغ 175 ألف رحلة بحسب تقدير الباحثين؛ ما يعني انبعاث ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون.
تطبيق الفكرة يعني الاستعانة بأسطول من الطائرات
ورغم المخاوف من حجم الانبعاثات الناتج عن التقنية المنتظرة، فإن المحاضر الأمريكي يرى أن البصمة الكربونية للتقنية محدودة، وقدَّرها بـ1% من انبعاثات الطيران.
وهناك طريقة أخرى لانعكاس أشعة الشمس، وهي تقنية تبييض السحب البحرية؛ أي زيادة قدرات السحب في تلك المناطق على عكس الأشعة عبر عدة طرق؛ أبرزها رش كميات من مياه البحر في طبقات السحب المنخفضة، وهي الفكرة التي يجري استخدام السفن لتنفيذها.
ويرى بيرهامبرت أن تبييض السحب البحرية يحتاج إلى أسطول كبير من السفن التي ستتسبَّب في المزيد من الانبعاثات الكربونية إذا ما جرى تسييرها بالديزل. وأما إذا ما لجأنا إلى الطاقة النظيفة فسيتم الاصطدام باحتياجات العالم من هذا النوع من الطاقة.