ربما لا يخطر على بال المشاهدين المستمتعين بالأفلام السينمائية، أن تلك الصناعة باتت تُمثِّل مشكلةً بيئيةً يمكن أن ترفع معدل التلوث وتساهم في أزمة المناخ.
وتؤثر صناعة الأعمال الفنية، بدءاً من المعدات والماكينات، وصولاً إلى العاملين والفنانين، على سلامة البيئة؛ إذ أكد تقرير حديث أن الأفلام الطويلة ذات الميزانيات الكبيرة، لها بصمة كربونية تزيد عن 3000 طن متري؛ إذ تُعادل أكثر من 7 ملايين ميل تقطعها سيارة عادية.
وعلى الجانب الآخر، تبلغ البصمة الكربونية للأفلام الصغيرة نحو 400 طن متري؛ أي ما يعادل مليون ميل وفقاً لـ"وكالة حماية البيئة".
تهدد المناخ
الأكثر قراءة
ويساهم إنتاج الأعمال الفنية في زيادة معدل التلوث؛ إذ تُطلق الأعمال الدرامية المكتوبة لمدة ساعة واحدة ويتم تصويرها بكاميرا واحدة 60% من الانبعاثات، كما أن متوسط يوم من أيام تصوير الأفلام الكبيرة يُطلق 1080 طناً مترياً من الكربون.
وعند تأجير استوديو أو منزل لتصوير مشاهد العمل الفني، ينتج عنه 3400 طن متري من الكربون، وهذا يعادل 33 طناً مترياً من الكربون في كل يوم تصوير للفيلم.
وتوجد عوامل أخرى تزيد البصمة الكربونية لتصوير الأعمال الفنية في اليوم الواحد، مثل تركيب معدات التصوير ونقل مستحضرات التجميل من مكان إلى آخر؛ ما يتطلب 3700 فدان من الغابات لامتصاص الانبعاثات الصادرة عن إنتاج العمل الفني؛ ما يخلق أزمة بيئية لعدم قدرة المساحات الخضراء على استيعاب هذا القدر من التلوث.
وفي الوقت الذي يعد فيه الوقود هو المساهم الأول في انبعاثات الغازات الدفيئة، تستخدم السيارات التي تنقل الممثلين وطاقم العمل من مكان إلى آخر، معدلات مرتفعة من الوقود، وتوجد أيضاً مولدات يتم تشغيلها يومياً تقريباً؛ من أجل صناعة أعمال فنية تنافس في المهرجانات العالمية، وتزيد من أعباء التلوث في الوقت نفسه، وفقاً لـ"Envpk".
كما تعد مستحضرات التجميل أمراً بالغ الأهمية لهذه الصناعة. ويضع الفنانون عدة طبقات منها على وجوههم؛ ليظهروا بوضوح على شاشات السينما والتليفزيون؛ ما يزيد معدلات التلوث؛ لأن منتجات التجميل تحتوي على مواد كيميائية غير صديقة للبيئة، والإسراف في استخدامها بكل مشهد، يؤدي إلى هدر المنتجات، وينتهي بها في المجاري المائية؛ ما يراكم النفايات غير قابلة للتدوير، كما أن معظم هذه المنتجات يدخل في تصنيعها مادة "اللاتكس" الاصطناعية، وخلال عملية التصنيع تطلق سموماً كافية لقتل نظام بيئي.
يحتاج تصوير مشاهد الفيلم ارتداء ملابس مختلفة مصنوعة من مواد غير صديقة للبيئة؛ ما يساهم في ارتفاع معدل النفايات الصلبة بجانب الاعتماد على الباروكات والإكسسوارات. وجميع هذه المستلزمات مصنوعة من مواد غير مستدامة.
وفي كل يوم تصوير، يستهلك طاقم العمل الآلاف من الأطباق والأكواب البلاستيكية، كما أن أغلفة الطعام غير القابلة للتدوير من النفايات تُشكل خطراً كبيراً؛ لأنها لا تتحلل ويستغرق الأمر آلاف السنوات.
السفر الجوي يُعد من أساسيات العمل السينمائي؛ للانتقال بين المواقع البعيدة، وخصوصاً أن بعض المشاهد يتم تصويرها في بلاد أخرى؛ ما يساهم في مزيد من الانبعاثات. وبالنسبة إلى الطاقة، فهي عنصر من عناصر السينما الهامة؛ إذ يعتمدون على الإضاءة والكاميرات والمعدات القابلة للشحن والمراوح الكهربائية ومكيفات الهواء وسخانات المياه، وكلٌّ منها يستهلك قدراً كبيراً من الطاقة عند تشغيله لساعات طويلة.
فيما ينتج العمل الفني المتوسط المدة، نحو 347 طناً من النفايات؛ أي ما يقارب ثلاثة أضعاف كمية الكربون الذي يمكن أن يطلقه الفرد الواحد.
صناعة مستدامة
وللوصول إلى صناعة فنية مستدامة، قال المنتج الأردني بسام الأسعد – وهو مؤسس "Greener Screen" (وهي مؤسسة غير حكومية تهدف دعم الصناعات الفنية والوسائط الرقمية لتصبح مستدامة بيئياً) – إنه يمكن اتباع العديد من الأساليب من أجل تحويل الصناعة الفنية العربية إلى صناعة صديقة للبيئة.
وأوضح الأسعد، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، أن صناعة السينما العربية تحتاج إلى أبطال بيئيين ومؤمنين للقيام بهذا النمط من التغيير؛ إذ لا يأخذ الكثير من الأشخاص مشكلة المناخ على محمل الجِد بوجه عام، مضيفاً: "لذا قررنا في (Greener Screen) أخذ خطوات جادة بدعم من شريك أساسي، قرر أن يمول رحلة إطلاق مؤسسة سينمائية خضراء منذ 2017".
واستطرد قائلاً: "قررنا اتباع نهجَين من أجل صناعة مستدامة؛ أولهما العمل مع الصناعة كأفراد وإطلاق برنامج تدريبي؛ لفهم الدور الكبير الذي تقوم به صناعة الأعمال الفنية الصديقة للبيئة، واستطعنا تدريب أكثر من 200 فرد في جميع أنحاء المنطقة، وخاصةً في الأردن والإمارات العربية المتحدة. أما النهج الثاني فيتمثل في التحدث مع لجان الأفلام للدعوة إلى تغيير اللوائح مع خلق حافز لمن ينجحون في هذا التحول".
وبدأت مؤسسة Greener Screen في مشروعين؛ هما "Greener Script lab" لمساعدة المخرجين على تطوير أفلامهم من خلال مراعاة الموضوعات البيئية في الأفلام.
والثاني تم إطلاقه مع منظمة "Aflamuna" ووحدة القصة المناخية "Doc Society" في بيروت، وهي سلسلة من الأحداث تُسمَّى "سرد القصص من أجل المناخ"؛ لجلب صانعي الأفلام وعلماء المناخ والباحثين في غرفة واحدة؛ لتطوير استراتيجية الاتصال المناخي؛ للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور؛ لإحداث تغيير إيجابي والبحث عن أدوات جديدة لحل المشكلة.