تعد متعة الغطس ورؤية الشعاب المرجانية والأسماك النادرة والملونة في أعماق البحار، أحد الرياضات الصيفية شديدة الانتشار في العالم، غير أنها باتت مهددة بالاختفاء بسبب التأثيرات السلبية الخانقة للتغيرات المناخية.
ويخنق الاحتباس الحراري والموجات الساخنة الشعاب المرجانية؛ لذا لا تستطيع النجاة والصمود لفترة طويلة أمام ارتفاع درجة الحرارة، ومن ثم قرر العلماء البحث عن حلول سريعة لحماية الحياة البحرية؛ إذ أظهرت دراسة جديدة أن 1.5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري سيؤدي إلى اختفاء ما بين 70 و 90 بالمئة من الشعاب المرجانية عالمياً وفقاً لـ"World Economic Forum".
اختناق الشعاب
وتغير المناخ هو أكبر تهديد عالمي للنظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية، وتشير الأدلة العلمية الآن بوضوح إلى أن الغلاف الجوي للأرض والمحيطات يعاني من زيادة معدل الانبعاثات الكربونية والغازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية.
من ثم تتسبب موجات الحرارة البحرية في حدوث تبييض جماعي للشعاب المرجانية وتعرف هذه العملية بـ "ابيضاض المرجان"، والذي ينتج عنها ارتفاع معدل هلاك الشعاب المرجانية بسبب وفاة الطحالب التي تعيش داخل انسجتها وتزودها بالغذاء بفضل عملية التمثيل الضوئي.
وعندما تتعرض الشعاب المرجانية لمؤثرات خارجية مثل الحرارة أو التلوث، فتخرج الطحالب من الأنسجة، ويصبح الشعاب المرجانية عبارة عن هيكل عظمي يميل إلى البياض.
كما أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات تتسبب في مقتل حوالي 14 بالمئة من الشعاب المرجانية عالمياً في أقل من عقد (10 سنوات)، وفقًا لتحليل جديد من "الشبكة العالمية لرصد الشعاب المرجانية".
وفي تعقيب على ذلك، قالت جينيفر كوس، مديرة برنامج حماية الحياة المرجانية التابع للإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي: "يعتمد الناس في جميع أنحاء العالم على الشعاب المرجانية الصحية والخدمات التي تقدمها؛ لذا التغلب على خسائر الشعاب المرجانية يعتمد علينا كمجتمع عالمي، من خلال قرارات أكثر وعياً بالبيئة في حياتنا اليومية".
رحلة بحثية
اكتشف العلماء أن الشعاب المرجانية اللينة والمتفرعة في أعماق البحر المتوسط، لم تتضرر من الإجهاد الحراري الناتج من ارتفاع الحرارة، لكن الشعاب المرجانية في المياه الضحلة عانت بشكل ملحوظ بسبب الموجات الحارة.
وخلال العقد الماضي، شهد البحر المتوسط موجات حرارية بحرية متكررة الحدوث، وكان لها آثار تدميرية؛ إذ أثرت على مساحات شاسعة من سطح البحر، إذ ارتفعت الحرارة 5 درجات مئوية فوق المعدل الطبيعي؛ ما أسفر عن مقتل كائنات بحرية من 50 مجموعة تصنيفية.
والشعاب المرجانية حمراء اللون هي من أكثر الأنواع التي تأثرت؛ لأنها لينة وتعمل على هندسة النظام البيئي المحلي من خلال إنشاء موائل (كائنات بحرية) ثلاثية الأبعاد تجذب مجموعة كبيرة من التنوع البيولوجي.
في عام 2022، أطلق باحثون يعملون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ومؤسسة "1 Ocean" حملة "سفينة نوح العميقة"، وهي رحلة استكشافية لدراسة مرجان الغورغونيان في حوض البحر المتوسط الغربي.
ووجد الباحثون أن العديد من الشعاب المرجانية التي توجد على عمق 0 و 30 مترًا (حتى 98 قدمًا) ماتوا نتيجة الإجهاد الحراري.
مرجان الغورغونيان
وفي البعثة الثانية، التي بدأت في أبريل الماضي توصلوا إلى أن مرجان الغورغونيان في المياه العميقة - أقل من 50 مترًا (164 قدمًا) - لم يتأثروا بتأثيرات الإجهاد الحراري، وفي تعليق على ذلك قال "لورنزو برامانتي"، قائد الحملة: "هذه أخبار جيدة لأننا نعلم أن هناك بعض الشعاب المرجانية التي لم تتأثر، ولكن هناك احتمالية أن تصل إليها الموجات الحارة" نقلاً عن "Mongabay".
وعندما غاص برامانتي مرة أخرى بمساعدة المصور "الكسيس روزنفيلد" على عمق 70 مترًا (230 قدمًا) اكتشفوا أملاً جديداً؛ إذ قال روزنفيلد أن " الشعاب المرجانية في هذه الأعماق كانت مليئة بالحياة، وشعر أن هذه الأنواع فتحت الباب لعالم جديد"، مؤكدا أن هذا الاكتشاف يمكن أن يخلق منطقة كاملة من التنوع البيولوجي البحري.
وأشار برامانتي إلى أن أحد المكونات الحيوية للمشروع هو فهم ما إذا كانت مجموعات مرجان الغورغونيان في المياه العميقة لديها القدرة على إنقاذ الأنواع الأخرى التي تعيش في المياه الضحلة أم لا.
ويعتمد ذلك على ما إذا كانت مجموعات الغورغونيان العميقة مستقلة وراثياً عن المجموعات الضحلة؛ ما يساعد على منحهم فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة، ويحاول أيضًا فهم قدرة الشعاب العميقة على أن تكون بمثابة خزان من اليرقات لإعادة الحياة للأنواع المعرضة للهلاك وتحفيز نموها مرة أخرى.