الأفيال تُصلِح ما أفسده البشر.. كيف يُكافِح مديرو الغابة التغير المناخي؟


سلمى عرفة
السبت 12 اغسطس 2023 | 07:16 مساءً

كون الفيل الحيوان البري الأكبر حجماً، هو أمر لافت للنظر، لكن الدهشة من ضخامة جسده ستنطفئ عندما يعرف البشر مهمته البيئية.

لهذه الحيوانات دور هام في الحفاظ على سير السلاسل الغذائية والتوازن البيئي، لكن يبدو أن رفاقنا الأفيال المُلقَّبين بـ"مديري الغابة" يُساهِمون بدور بارز في محاولة تخفيف آثار التغيرات المناخية التي تُهدِّدنا جميعاً.

أفيال

الأفيال تختار طعامها بعناية

في دراسة نشرتها دورية Proceedings of the National Academy of Sciences Ecology، اكتشف العلماء أن الأفيال الإفريقية والآسيوية تميل إلى الأكل من الأشجار الصغيرة المورقة، تاركةً الفرصة للأشجار الأكبر حجماً للنمو، ومن ثم تمتص وتخزن المزيد من ثاني أكسيد الكربون، وتخفف آثاره الضارة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.

الدراسة أشارت كذلك إلى الدور الذي تلعبه الأفيال من خلال نشر البذور عبر فضلاتها؛ إذ تتحرك لمسافات طويلة، وتأكل 100–200 كجم يومياً؛ ما يجعلها الأفضل بين الحيوانات في هذا الأمر، وهو ما يساهم في التنوع الحيوي والتقاط الكربون.

كشفت التقديرات التي خلص إليها العلماء على دراسة غابات جمهوريتَي الكونغو والكونغو الديمقراطية، أن قدرتها على تخزين الكربون ستنخفض بنسبة 5.8% و9.2% على الترتيب في غياب الأفيال.

إزعاج مفيد للبيئة

الدراسة لم تكن الأولى التي تناولت تأثير عادات الأفيال في دورة الكربون؛ فإذا ذهبت إلى غابات إفريقيا وراقبت سلوكها خلال سيرها، فستجدها تخلق متاهة من الممرات داخلها نتيجة بحثها عن الطعام سائرةً بخطى ثقيلة، كما تزيل اللحاء من الأشجار، وتحفر التربة بحثاً عن الجذور، لكن العلماء يرون أن هذه العادات ساهمت في الحفاظ على النظام البيئي.

أفيال

في دراسة نشرتها دورية Nature عام 2019 حول غابات وسط إفريقيا، ذكر الباحثون أن العادات التدميرية للأفيال التي تبدو مزعجة، تقوم في الحقيقة بتعزيز قدرة الغابة على تخزين الكربون؛ إذ تأكل الأشجار التي يقل طولها عن 30 سنتيمتراً لتخرجها من دائرة المنافسة مع الأشجار الأهم على الضوء والمياه.

ويمكن لفيل واحد يعيش في الغابات المطيرة، تحفيز التقاط الكربون بزيادة صافية تقدر بـ9500 طن متري من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر من الغابات، أو ما يعادل الانبعاثات الناتجة عن 2047 سيارة تعمل بالبنزين على مدار عام كامل.

أو بحساب آخر، يمكن للفيل زيادة الكتلة النباتية للهكتار الواحد بفارق يصل إلى 60 طناً؛ ما يكفي لامتصاص 10 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في كامل مساحة غابات قارة إفريقيا التي تتجاوز 2 مليون كم مربع.

الأفيال مهددة بالانقراض

على مدار القرن الماضي، تناقصت أعداد الأفيال حتى بتنا نواجه خطر اختفائها تماماً؛ فالفيل الآسيوي وفيل السافانا الإفريقي مُهدَّدان بالانقراض، بينما يصنف فيل الغابات الإفريقي بأنه مهدد بشدة، بحسب الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وهي منظمة تجمع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني.

أفيال

وتُقدِّر منظمة World Elephant day أعداد الأفيال التي يجري صيدها في إفريقيا بـ100 فيل يومياً، بهدف الحصول على لحومه، أو الاستفادة من العاج الموجود في أنيابه. وفي 2021، تسبب الصيد الجائر في 40% من وفيات الفيلة، وفقاً لبرنامج “Mike” المعني بمراقبة قتل الأفيال غير القانوني.

جريمة إضافية تشهدها قارة آسيا بسرقة الأفيال الصغار وبيعها للاستفادة منها في أغراض السياحة والترفيه؛ حيث تتعرض لانتهاكات وتعيش في ظروف في غاية السوء، بينما تستغل مجموعات أخرى في عمليات نقل الأخشاب وغيرها من المهام.

في إحدى المقاطعات الجنوبية بتايلاند، عثرت الشرطة على جثمان شاب ثلاثيني ممزقاً وغارقاً في الدماء، لتكتشف أن من أنهى حياته هو الفيل الذي يملكه بهدف الانتقام منه.

وفقاً لـNature World News، رجحت السلطات أن الفيل طعن صاحبه بأنيابه حتى مزَّقه بعدما أجبره القتيل على العمل وحمل الأخشاب في درجة حرارة مرتفعة تخطت 30 درجة مئوية.

تهديدات أخرى

الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية تساهم كذلك في تراجع أعداد الأفيال، أبرزها إزالة الغابات التي تدمر البيئة التي تعيش فيها، والجفاف الذي يُصعِّب الوصول إلى المياه والغذاء التي تحتاج كميات كبيرة منهما، لينتهي بها الأمر إلى الموت جوعاً.

الجفاف يهدد الأفيالالجفاف يهدد الأفيال

خلال السنوات الماضية، تكررت مشاهد جثامين الفيلة التي انتهت حياتها بسبب الجفاف، وفي الفترة بين فبراير إلى أكتوبر 2022، شهدت كينيا وحدها نفوق 205 أفيال لهذا السبب، لتؤكد السلطات أن تأثير التغيرات المناخية بات يفوق تأثير الصيد الجائر بـ20 ضعفاً، وفقاً لصحيفة The independent.

وبحسب إحصائيات منظمة الزراعة والأغذية للأمم المتحدة "الفاو"، فإن العالم خسر 420 مليون هكتار بسبب إزالة الغابات منذ عام 1990، وهو ما يزيد التهديدات التي تتعرض لها الحيوانات.

ويُقدَّر عدد الفيلة في العالم بـنحو 450 ألف فيل مقابل أكثر من 10 ملايين في عام 1900، وفقاً لـOur World in Data.