المهارات الخضراء.. التحدي الأكبر للشباب في عصر التغير المناخي


سلمى عرفة
السبت 12 اغسطس 2023 | 12:23 مساءً
مستقبل مستدام
مستقبل مستدام

مع تفاقم أزمة التغيرات المناخية، تتبدَّل كل الأمور والظواهر حول البشر بكل فئاتهم، ومنهم الشباب الذين يتخذون خطواتهم الأولى في وقت يحاول فيه العالم إعادة النظر في العديد من الممارسات السائدة.

في اليوم الدولي للشباب الذي خصَّصت الأمم المتحدة يوم 12 أغسطس من كل عام للاحتفال به، نحاول رصد التغيرات التي يُحدِثها التغير المناخي في قطاع التوظيف العالمي، والتحديات التي تُواجِه مَن هم في مقتبل العمر في الطريق نحو تحقيق أحلامهم المهنية.

وظائف الشبابوظائف الشباب

وفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة، هناك 1.2 مليار شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، ويُمثِّلون 16% من سكان العالم، كما تُقدَّر نسبة مَن تقل أعمارهم عن الـ30 عاماً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بـ55% من سكان المنطقة.

نسبة من الشباب الذين انضموا بالفعل إلى سوق العمل، أو على وشك الانضمام إليه، لا يشعرون بأنهم مؤهلون بدرجة كافية للحصول على وظيفة جيدة.

أزمة مهارات

في استطلاع أجراه مختبر "دافوس" التابع لمنظمة منتدى الاقتصاد العالمي عام 2021، كشف نصف الشباب المشاركين عن شعورهم بأنهم لا يمتلكون المهارات اللازمة لإيجاد وظيفة لائقة خلال 5–10 سنوات مقبلة، وهي الفترة التي ستلعب فيها سياسات مواجهة التغيرات المناخية دوراً بارزاً في إعادة تشكيل سوق العمل.

الاقتصاد الدائريالاقتصاد الدائري

منظمة العمل الدولية قدَّرت عام 2019 أن التحول إلى الاقتصاد الدائري والطاقة المتجددة سيؤدي إلى ظهور 100 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030 – أي بعد 7 سنوات فحسب من الآن – مقابل احتمال اختفاء 80 مليون وظيفة تقريباً.

قطاع الطاقة النظيفة وحده يمكنه إضافة ما يزيد عن 10 ملايين وظيفة جديدة بحلول ذلك التاريخ، وفقاً لموقع منظمة منتدى الاقتصاد العالمي.

في قطاع البناء على سبيل المثال سيكون على المهندسين والعاملين تشييد المباني وفقاً للمعايير البيئية المطلوبة مثل رفع كفاءة استخدام الطاقة ومراعاة المساحات الخضراء

وما بين عامَي 2017 و2022، ارتفعت نسبة الوظائف الخضراء التي يجري نشرها على منصة "لينكد إن" بواقع 8% سنوياً، وصاحَب هذا التحولَ التدريجي ظهورُ مصطلح آخر، وهو "المهارات الخضراء" التي تُعرَّف بأنها المعارف والقدرات اللازمة للعيش في مجتمع مستدام، ولدعمه وتنميته، لكن معدل اكتساب تلك المهارات لا زال يسير عالمياً بوتيرة بطيئة نسبياً.

منظمة Plan International – وهي منظمة دولية غير حكومية معنية بحقوق الأطفال والشباب – أجرت استطلاعاً في 53 دولة على عينة تتراوح أعمارها بين 15 و30 عاماً، كشف عن اقتصار نسبة من يشعرون بكفاءتهم لشغل الوظائف التي تتطلبها مواجهة التغير المناخي تقتصر على 29% فحسب.

هذه النسبة لا تتفق مع الأضرار التي يتعرض لها المشاركون إثر التدهور البيئي الواقع في مناطقهم؛ إذ كشف الاستطلاع أن 94% منهم مُعرَّضون بصورة مباشرة لمخاطر التغير المناخي، لا سيما فيما يخص التغيرات التي تطرأ على درجات الحرارة، ومعدلات تساقط الأمطار.

الأمر يختلف كذلك بين الذكور والإناث؛ إذ يعاني عدد أكبر من الفتيات اللاتي شاركن في الدراسة من الشعور بعدم الكفاءة، واقتصرت نسبة من يعتقدن العكس على 25% بفارق 10% عن بالرجال.

نسبة مَن شغلوا وظائف مُصنَّفة بين الوظائف الصديقة للبيئة أو حاولوا التقدم لواحدة منها اقتصرت على 9% فحسب من المشاركين، في وقت لم يكن فيه 42% منهم على دراية بتوافر ذلك النوع من الوظائف في مناطقهم المحلية.

جزء من الأزمة، على ما يبدو، يكمن في فهم طبيعة الوظائف الخضراء؛ فعند ذكر المهن الصديقة للبيئة، قد يخطر على بالنا العمال المشرفون على مرافق الطاقة الشمسية أو موظفو مصانع إعادة التدوير، لكن المصطلح ينطبق على قطاع واسع من التخصصات في مختلف جوانب حياتنا، بما في ذلك المهن التقليدية والحرفية.

منظمة المعايير الدولية "ISO" أشارت، في تقرير لها عام 2022، إلى أنه في الوقت الذي تتصدر فيه مجالات إدارة النظم الإيكولوجية، ومكافحة التلوث، وتنفيذ السياسات البيئية، قائمة المهارات الأكثر نمواً، فإن هناك مجالات أخرى ينطبق عليها الأمر، مثل التخطيط العمراني، والبناء، والقطاع المالي، وغيره.

في قطاع البناء على سبيل المثال، سيكون على المهندسين والعاملين تشييد المباني وفقاً للمعايير البيئية المطلوبة، مثل رفع كفاءة استخدام الطاقة، ومراعاة المساحات الخضراء.

العاملون في الزراعة، في ناحية أخرى، عليهم إتقان طرق أكثر استدامة؛ لمواصلة مهامهم في توفير الغذاء في العالم، مثل الزراعة الدقيقة، التي تشمل اللجوء إلى الأقمار الصناعية، وغيرها من أدوات جمع المعلومات؛ لفهم الظروف المختلفة للمساحات الزراعية. وهناك كذلك الزراعة الحضرية بزراعة الغذاء في المدن لتقليل الاعتماد على الإمدادات القادمة من مناطق بعيدة.

التحول الأخضر يتطلب تعديل الممارسات  الزراعيةالتحول الأخضر يتطلب تعديل الممارسات الزراعية

الأمر نفسه أشار إليه تقرير منظمة Plan International الذي لفت إلى أن هناك اعتقاداً بأن مصطلح الوظائف الخضراء يقتصر على مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، باعتبار أزمة المناخ مشكلة تحتاج إلى مهارات تقنية، لكن هناك قائمة أخرى من الأمور التي يجب مراعاتها، مثل مهارات حل المشكلات، واتخاذ القرارات، والقدرة على التواصل، والتفكير الإبداعي.

تحليل بيانات ما يقرب من 50 دولة كشف أنه منذ مارس 2020 جرى تعيين العمال الذين يتمتعون بمهارات خضراء في الشركات بمعدلات أعلى من غيرهم

هناك تقدم

بين عامَي 2022 و2023 زادت نسبة العاملين الذين أضافوا إلى حساباتهم الشخصية على منصة "لينكد إن" مهارات تتعلق بعالم الاستدامة، أو جرى تعيينهم في ذلك النوع من الوظائف بنسبة تتخطى 12%، لكنها لا زالت تقل عن نسبة زيادة المعروض من تلك الوظائف التي تجاوزت 22%.

وظائف الشبابوظائف الشباب

وفي تقرير الشركة لعام 2023 حول الوظائف الخضراء، كشفت أن نسبة العاملين الذين يتمتعون بمهارة تتبع هذا الجانب تقتصر على 1 فقط من 8 منهم، اعتماداً على البيانات المستقاة من أكثر من 900 مليون مستخدم حول العالم.

تحليل بيانات ما يقرب من 50 دولة كشف أنه منذ مارس 2020 جرى تعيين العمال الذين يتمتعون بمهارات خضراء في الشركات بمعدلات أعلى من غيرهم.

تنمية المهارات

لا تقع مهمة التعرف على المهارات الخضراء وإتقانها على عاتق الشباب فحسب؛ فإحدى التوصيات التي خرج بها "مختبر دافوس" شملت الاهتمام بالتدريب، وتقديم إعفاءات ضريبية للشركات التي تعمل على صقل المهارات، وإعادة تشكيلها.

على سبيل المثال، نجحت إحدى الشركات السويدية في تدريب 20 ألف عامل على تكنولوجيا جديدة لخفض كميات مخلفات الطعام في مطاعمها الموجودة في أنحاء متفرقة في العالم بنسبة 50%، وفقاً لموقع Context.

وشهد الوطن العربي عدة مشروعات أشرفت عليها منظمات حكومية وغير حكومية، لتمكين الشباب من تلك المهارات؛ ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، يقوم المركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة "استدامة" بتدريب الطلاب بالتعاون مع الجهات التعليمية من أجل تعريفهم بقيم العمل المستدام، وربط ما يدرسونه ببيئة العمل على أرض الواقع في هذا القطاع، في إطار برنامج التدريب التعاوني وهو أحد برامج دعم الاستدامة في المملكة.

كما شهدت الإمارات، العام الماضي، انطلاق برنامج "القيادات الشابة لدعم التنمية المستدامة"، الذي يهدف إلى تزويد الشباب بالمعارف اللازمة، وتمكينهم من المساهمة في خطط التنمية المستدامة.