بدأ موسم حرائق الغابات على ضفتي البحر المتوسط، وانطلقت الشرارة الأولى من دول القارة العجوز حتى وصلت إلى المنطقة العربية. ووسط تصريحات المنظمات الدولية بأن يكون ٢٠٢٣ من الأعوام الأكثر سخونةً على سطح الكوكب، تتزايد التوقعات بارتفاع أعداد حرائق الغابات وتدمير المساحات الخضراء والأشجار.
تشهد حالياً مساحات كبيرة من جنوب أوروبا ارتفاعاً قياسياً في درجة الحرارة، وصلت إلى 44 درجة مئوية، يواكبها اندلاع موجات حرائق غابيَّة في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً في إسبانيا وإيطاليا واليونان، وتُقدِّر السلطات الإسبانية احتراق نحو 3500 هكتار حتى الآن.
ولا يختلف الوضع كثيراً في الدول العربية المطلة على سواحل المتوسط؛ حيث اشتعلت عدد من الحرائق في أكثر من دولة منها لبنان؛ فقد ارتفع مؤشر خطر اندلاع النيران، وفقاً لنظام "مختبر الحرائق" الصادر عن برنامج الأراضي والموارد الطبيعية التابع لجامعة البلمند اللبنانية. وتوضح خريطة المخاطر ارتفاع نسبة الحرائق، وتحديداً في قطاع الغابات والأشجار بالشمال.
ومع ارتفاع درجات الحرارة وهبوب الرياح النشطة في سوريا، زادت وتيرة حرائق الغابات والأراضي الزراعية، خاصةً في وسط البلاد. ويبدأ موسم الحرائق في سوريا عادةً في أواخر مايو ويستمر نحو 15 أسبوعاً.
وعند الاتجاه جنوباً إلى شمال أفريقيا نجد أن الجزائر سجلت 97 حريقاً داخل 16 ولاية. وخلفت حرائق الغابات المنتشرة عبر البلاد عشرات القتلى، وأجبرت مئات الأشخاص على ترك منازلهم.
وبعد موسم شتوي قاحل عانت فيه تونس من الجفاف وندرة الأمطار، تم إجلاء 300 شخص على الأقل عن طريق البحر والبر؛ بسبب حرائق غابات الصنوبر على الحدود مع الجزائر، كما خسرت البلاد 470 هكتاراً من الغابات خلال حرائق مدينة "ملولة " في الأسبوع الثالث من شهر يوليو.
أسباب الحرائق ونتائجها
يُعَد صيف عام 2021 من أسوأ مواسم حرائق الغابات بالعالم؛ حيث أدى الجفاف وانخفاض الرطوبة مع درجات حرارة قياسية وصلت إلى 48.8 درجة مئوية، إلى اندلاع الحرائق في جميع أنحاء دول البحر الأبيض المتوسط، وخاصةً إيطاليا واليونان والجزائر؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 شخص، واشتعال أكثر من 620 ألف هكتار من الأراضي في يوليو وأغسطس من العام نفسه، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة.
ولذلك أصدرت المنظمة تقريراً عن حرائق الغابات بمنطقة البحر الأبيض المتوسط عام 2021/ 2022، يتناول هذه الكارثة البيئية بشكل كامل، مع توضيح أسباب الحرائق؛ بدءاً من ندرة الأمطار، وارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ، وعدم مراعاة النظم البيئية، بجانب الأنشطة البشرية التي تساهم في زيادة الغازات المنبعثة في الغلاف الجوي، والتوسع الحضري بالقرب من مناطق الغابات ذات مخاطر الحرائق العالية.
ونتائج هذه الكوارث الطبيعية هي إجبار الناس على النزوح من منازلهم بسبب فقدان المأوى وسبل العيش أو الخوف من وقوع المزيد من الحوادث، كما أن هذه الحرائق تضر برئة البيئة الطبيعية أو الغابات، وتؤثر سلباً على التنوع البيولوجي، وقد تتسبب حرائق الغابات في وقوع وفيات بشرية. ومن أكثر حرائق الغابات مأساويةً في التاريخ الحديث هي حرائق 2021 في منطقة القبائل بالجزائر التي أسفرت عن مقتل 90 شخصاً.
الأكثر قراءة
ويتم تطبيق هذا النهج "مكافحة النيران بالنيران" في حديقة نورث كارولينا النباتية التي تديرها جامعة نورث كارولينا الأمريكية؛ حيث يتم افتعال سلسلة من الحرائق الخاضعة للرقابة كل عام لإدارة حرائق الغابات، والحفاظ على الموائل النباتية والحيوانية النادرة في منطقة تشابل هيل.
مكافحة الحرائق بالحرائق
يذكر تقرير جامعة الأمم المتحدة أن النار تعتبر جزءاً طبيعياً من النظام البيئي للبحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن يؤدي السماح بنشوب الحرائق الصغيرة المفتعلة بطريقة آمنة وخاضعة للرقابة إلى تقليل احتمالية اندلاع الحرائق الضخمة والكارثية خارج نطاق سيطرة البشر.
وفقاً لهذا النهج، يمكن إدارة حرائق الغابات بشكل وقائي؛ فبدلاً من انتظار اشتعال النيران ثم السعي إلى إخمادها، علينا إشعال الحرائق عن عمد وترك الطبيعة تعمل بالنيابة عنا.. لماذا؟
يشير التقرير الأممي الى أن نموذج إخماد الحرائق قبل أن تصبح خطيرة، المتبع حالياً في منطقة البحر الأبيض المتوسط، يؤدي إلى نتائج عكسية؛ لأنه عندما يتم إخماد حريق صغير أو متوسط الحجم في منطقة ما فإن الغطاء النباتي غير المحترق يستمر في التراكم، حتى يشكل طبقة من المواد القابلة للاشتعال بشكل مكثف وسريع وجامح وخارج عن السيطرة.
أما نموذج Fighting Fire with Fire أو مكافحة الحرائق بالحرائق فيعمل على تقليل مخاطر الحرائق الضخمة. الفكرة هي إشعال حرائق صغيرة عن عمد وحرق الأحراش وأوراق الشجر والقش، وازالة الشجيرات التي تميل إلى التظليل مع الإبقاء على الغابة أو المساحة الخضراء مفتوحة وليست مغلقة وكثيفة.
تساعد هذه الحرائق الخاضعة للرقابة على استعادة الموائل الطبيعية الخضراء مفتوحة والحفاظ عليها، ومنع وقوع حرائق الغابات الكارثية وتدمير الأشجار الكبيرة، وفي الوقت نفسه الاستفادة من المزايا الطبيعية للحرائق، مثل إعادة النشاط لبعض النباتات والأشجار، وازالة الشجيرات التي تميل إلى التظليل.
يلتزم هذا النهج باختيار التوقيت المناسب والطقس المثالي لتحقيق أقصى قدر من السلامة للبشر والحيوانات، وللحصول على التأثيرات الإيجابية المطلوبة؛ لأن عملية إشعال الحريق في وقت مبكر قد لا يدمر كمية النباتات المناسبة، في حين أن وقوع الحرائق بعد فوات الأوان قد يؤثر على الكائنات الحية، مثل الطيور التي تعشش على الأشجار والبرمائيات والزواحف.
ويتم تطبيق هذا النهج "مكافحة النيران بالنيران" في حديقة نورث كارولينا النباتية التي تديرها جامعة نورث كارولينا الأمريكية؛ حيث يتم افتعال سلسلة من الحرائق الخاضعة للرقابة كل عام لإدارة حرائق الغابات، والحفاظ على الموائل النباتية والحيوانية النادرة في منطقة تشابل هيل.
الجذور التاريخية للنيران الصديقة
تم استخدام هذه التقنية لعدة قرون من قبل السكان الأصليين في أمريكا وأستراليا، الذين قاموا بإشعال النيران عن عمد في الأراضي العشبية لإدارة الموائل، ثم توقف هذا النشاط في العصر الحديث، وأخذت الغابات تتحول من موائل حرجية أكثر انفتاحاً تشبه السافانا إلى غابات كثيفة ومظللة مغلقة عرضة للحرائق الضخمة.
تهدف هذه التقنية إلى محاكاة الطبيعة بشكل آمن بعيداً عن تداعيات التغير المناخي ومن أجل الحفاظ على المجتمعات، كما أن العودة إلى الطبيعة تمنحنا أدوات أكثر استدامةً للتكيف بشكل أفضل مع البيئة والحد من مخاطر الكوارث، مثل تقليل كمية النباتات الميتة في الغابات، التي تساعد على اشتعال النيران، باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات، منها السماح للرعاة بدخول الغابات، وتشجيعهم على التخلص من هذه النباتات لطريقة آمنة.
من المتوقع زيادة درجات الحرارة والجفاف وتطرف الطقس في المستقبل القريب؛ لذلك يجب على البشر بناء علاقة "صحية" مع حرائق الغابات؛ حتى لا تخرج عن السيطرة.