ضحايا أم مجرمون في حق البيئة؟.. هذا ما فعله الاتجار بالبشر تجاه الأرض


سلمى عرفة
الاحد 30 يوليو 2023 | 03:02 مساءً
إزالة الغابات
إزالة الغابات

ربما نجح العالم في التخلص من الرق رسمياً منذ سنوات طويلة، لكن الظروف التي تشبه العبودية لم تزل واقعاً يطال الملايين الذين يواجهون يوميا حياة مجبرين عليها بين عمل قسري أو زواج بالإكراه، أو استغلال جنسي، وخصصت الأمم المتحدة يوم 30 يوليو يوماً عالمياً لمكافحة الاتجار بالأشخاص.

العلاقة متشابكة بين العبودية الحديثة والتغيرات المناخية، قد تبدأ بتعرض المنطقة التي يعيش فيها الضحايا إلى كارثة طبيعية تفقدهم مورد رزقهم كموجة جفاف أو فيضان، ما يدفع الفرد إلى الانتقال إلى منطقة جديدة في رحلة تحفها المخاطر وتجار البشر.

التصحر

أثر الكوارث الطبيعية

تشير منظمة الهجرة الدولية إلى التغير المناخي يفاقم انتشار الفقر، وقد يؤدي إلى حدوث نزاعات، وخلل في التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل، ما يفتح الباب أمام تلك العصابات خاصة في المناطق العشوائية الفقيرة التي قد ينتقل إليها النازحون بسبب الظواهر المناخية.

في تقرير أصدرته في 2016، أشارت المنظمة إلى عدة دراسات رصدت كيف يتحول الضحايا أحياناً إلى مجرمين، فالنساء اللاتي يستدرجن أخريات لصالح عصابات الاستغلال الجنسي عادة ما تعود أصولهن من مناطق هشة مناخياً.

الاضطرابات التي شهدتها ليبيا على سبيل المثال خلال العقد الماضي، حولتها إلى إحدى نقاط الازدهار لعصابات الاتجار بالبشر، فالوصول إليها يمثل حلماً لكثيرين ممن يراودهم حلم العبور إلى أوروبا، إذ أن معظم العمال المهاجرين في الدولة العربية قادمين من منطقتيّ أفريقيا جنوب الصحراء والساحل الأفريقي، وفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية للاتجار بالبشر لعام 2023.

عدة عوامل تدفع سكان هذه المناطق إلى النزوح خارج تلك المنطقة أبرزها العوامل الطبيعية في وقت تحتل فيه أفريقيا جنوب الصحراء المركز الأول من حيث عدد السكان المتوقع انزلاقهم إلى دائرة الفقر بقرابة 40 مليون شخص بسبب التغير المناخي بحلول 2050، ما لم يجر اتخاذ الإجراءات المناسبة.

الأنشطة الملوثة

المناخ ليس متهماً فحسب في قضية الاتجار بالبشر، بل ضحية كذلك، إذ غالباً ما يتحول المتضررون إلى وقود يساهم في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة عبر الأنشطة الملوثة التي يجبرون على القيام بها.

منظمة Anti Slavery وهي مؤسسة دولية غير حكومية معنية بالقضاء على العبودية الحديثة تقول، في أحد تقاريرها، إن العديد من ضحايا الظواهر المناخية المفاجئة يدورون في حلقة مفرغة، ويجدون أنفسهم يعملون لدى الجهات المسؤولة عن التدهور البيئي.

وتتسبب الأنشطة المعتمدة على العمل القسري والعبودية الحديثة في انبعاث ما يزيد عن 2.5 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهي أعلى من الانبعاثات التي تسببها أي دولة في العالم ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وفقاً لموقع جامعة شيكاغو.

وعلى سبيل المثال، فإن ما يصل إلى نصف عمليات إزالة الغابات حول العالم تعتمد على العمل القسري، وهي ظاهرة عانت منها طويلاً البرازيل التي تضم ما يزيد عن نصف مساحة غابات الأمازون أكبر غابة مطيرة على الأرض، والتي جرى تدمير ما يصل إلى 20% منها على مدى النصف قرن الماضي بسبب أنشطة مختلفة كتحويلها إلى مراع أو قطع أشجارها للحصول على الأخشاب، أو التعدين.

الهجرة المناخية

موريشيو كريبكسي، مدير إدارة المراقبة الحكومية للقضاء على العمل القسري في البرازيل، أوضح أن العمال الذين يعيشون في ظروف تشبه العبودية يخشون من الإبلاغ عن أرباب العمل، ليس خوفاً من فقدان الوظيفة فحسب، بل قد يصل الأمر إلى حد القتل، حسبما نقلت وكالة "رويترز".

نقص المعلومات أدى إلى تراجع أعداد العمال الذين يجري إنقاذهم، فما بين عامي 1995 إلى 2021، اقتصر عدد من أنقذتهم الإدارة على أقل من 1400 شخص، وغالبا ما يتمكن المتورطون من الفرار قبل وصول السلطات.

الذكاء الاصطناعي والاتجار بالبشر

التقنيات الحديثة برزت كحل لمواجهة الاتجار بالبشر وإزالة الغابات معاً، ففي 2022، طور باحثو جامعة ستانفورد الأمريكية نظاماً يعتمد على الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية لتوقع التجاوزات.

تدريب النظام اعتمد على تقارير مراقبة لمئات من مواقع احتراق الفحم في الفترة ما بين عامي 2018 إلى 2020، ثم الاستعانة بصور الأقمار الصناعية لهذه المواقع خلال وقت حملات المراقبة، وإدخال السمات المميزة لها يدوياً.

الصيد الجائر

قبل عامين، فارق أحد الأشخاص الحياة قبالة السواحل الصومالية خلال محاولته الهرب من السفينة التي يعمل عليها، لكن زملائه الناجين رووا لمؤسسة "العدالة البيئية" التي تتخذ من بريطانيا مقراً لها، كيف حرموا من الطعام، وأجبروا على العمل دون أجر، وتعرضوا للضرب عندما حاولوا رفض العمل.

التصحر

ستيف ترنت مدير المؤسسة رصد، في مقال له، كيف لجأ نسبة من مشغلي السفن إلى انتهاك حقوق العمال وتشغيلهم في الصيد غير القانوني الضار بالبيئة لتقليل التكاليف، والمحافظة على الأرباح التي يجنونها بالتزامن مع تراجع أعداد الأسماك في عدة مناطق، بحسب موقع Monagaby.

وفي دراسة نشرتها دورية PNAS، وجد العلماء أن قرابة 26% من السفن التي تناولتها الدراسة البالغ عددها 16 ألف سفينة قد تكون متورطة في تشغيل العمال قسرياً.

ويمثل الصيد غير القانوني وغير المنظم والذي لا يجري الإبلاغ عنه ما بين 12 إلى 28% من سوق الصيد في العالم، بأطنان من الأسماك التي قد تصل إلى أطباقنا دون أن ندرك الثمن الذي دفعه صائدوها.

بحسب منظمة Earth.org، فإن الصيد غير القانوني وغير المنظم والذي يجري دون إبلاغ يمثل ما بين 12: 28% من سوق الصيد في العالم، بأطنان من الأسماك، لكن هذه الأرباح أتت على حساب من يعملون على متن تلك السفن.