يتطلع العلماء الآن إلى كل ما هو جديد، ويحاولون إيجاد حلول سريعة لكبح تفاقم أزمة المناخ، ولكن هل فكرتَ يوماً أن الحل يَكمن في الأسرار الخفية بأعماق البحر أو المحيط؟
اكتشف دعاة حماية البيئة بعض التقنيات غير المتوقعة التي تستخدمها "الثدييات البحرية"، وأكدوا أنها ستكون بمنزلة حل فعال لمكافحة الاحتباس الحراري.
نتحدث دائماً عن تأثير التغير المناخي على الكائنات البحرية، وما سيحدث من هلاك وانقراض لبعض أنواع الأسماك والقروش، ولكن هذه المرة توصَّل دعاة حماية البيئة، إلى أن ما يبحث عنه العلماء منذ سنوات، يعيش في أعماق البحار؛ إذ تخلق الحيتان والفقمات "مضخة بيولوجية" في المحيط تساعد في مواجهة بعض الآثار الضارة للاحتباس الحراري.
تؤدي الحركة الطبيعية للثدييات البحرية إلى انتقال المغذيات الموجودة بالمياه العميقة إلى السطح المضاء بنور الشمس؛ ما يساعد على نمو العوالق النباتية، ويدعم الشبكة الغذائية
تقنية الثدييات البحرية
في النظام البيئي الخاص بالمحيطات، تنمو "العوالق النباتية"، التي تُعَد نباتات بحرية مجهرية تُشكل قاعدة الشبكة الغذائية لجميع الكائنات البحرية بالمحيط، وتعيش على ضوء الشمس، وتُنتج 50% من الأكسجين الذي نتنفسه في الهواء.
وذلك من خلال التقاء العناصر الغذائية الموجودة في الجزء العميق من المحيط بمياه السطح الدافئة القريبة من أشعة الشمس، ولكن أدى تغير المناخ إلى زيادة درجات حرارة المحيطات؛ ما تسبب في فصل المحيط إلى نطاقات مختلفة من حيث درجات الحرارة، نقلاً عن "Onegreenplanet".
وأصبحت المياه الأكثر دفئاً موجودة بالقرب من السطح فقط، والمياه البادرة حبيسة تحتها. ويمنع هذا الفصل العناصر الغذائية الموجودة في المياه العميقة من الاختلاط بالمياه الدافئة المعرضة لضوء الشمس؛ ما يعوق العوالق النباتية عن الازدهار، ومن ثم يحدث خلل في قاعدة الشبكة الغذائية؛ أي توجد فئة من الكائنات البحرية لا تحصل على غذائها كاملاً؛ ما يسبب هلاكها.
وهنا يأتي دور الثدييات البحرية العملاقة؛ إذ تعمل الحيتان بتقنية تساعد على حماية النظام البيئي من التغيرات المناخية، من خلال المساهمة في مواجهة "التقسيم الطبقي" الذي يحدث في مناطق مختلفة بالمحيط؛ إذ تغوص الثدييات في الجزء العميق للمحيط، وتعود للتنفس بالقرب من السطح؛ ما يخلق "مضخة بيولوجية" تمزج طبقات المحيط معاً؛ ما يُسهل نمو العوالق النباتية.
تؤدي هذه الحركة الطبيعية للثدييات البحرية إلى انتقال المغذيات الموجودة بالمياه العميقة إلى السطح المضاء بنور الشمس؛ ما يساعد على نمو العوالق النباتية، ويدعم الشبكة الغذائية؛ لذا تعد الثدييات البحرية من أهم الكائنات البحرية، وخاصةً الحيتان.
بجانب دور العوالق النباتية في إنقاذ الكائنات البحرية، فهي أيضاً تقوم بدور آخر؛ إذ تمتص 37 مليار طناً مترياً من ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي؛ أي ما يُقدر بنحو 40% من إجمالي ثاني أكسيد الكربون، وهذا يعادل كمية ثاني أكسيد الكربون التي يتم امتصاصها بواسطة 1.70 تريليون شجرة، وتساوي أربع غابات بالأمازون.
التوقف عن الصيد العشوائي، يحمي الحيتان والثدييات البحرية المسؤولة عن نمو العوالق النباتية. وعندما يتعلق الأمر بإنقاذ الكوكب، فإن قيمة الحوت الواحد تساوي آلاف الأشجار؛ لذا فإنه للتقليل من معدلات الكربون في الغلاف الجوي، ينبغي زيادة أعداد الحيتان في العالم.
دعم الحيتان لحماية البيئة
دمَّر البشر مجموعات الثدييات البحرية على مدى المائتي عام الماضية، وتم اصطياد الحيتان دون وعي، وقُتل ما يقرب من ثلاثة ملايين في القرن العشرين، بما في ذلك أكثر من 50.000 حيوان منذ فرض الحظر الدولي على صيد الحيتان. ووفقاً لجمعية الحفاظ على الحيتان والدلافين، تُواصل دول اليابان وأيسلندا والنرويج قتل نحو 2.000 حوت سنوياً.
التوقف عن الصيد العشوائي، يحمي الحيتان والثدييات البحرية المسؤولة عن نمو العوالق النباتية. وعندما يتعلق الأمر بإنقاذ الكوكب، فإن قيمة الحوت الواحد تساوي آلاف الأشجار؛ لذا فإنه للتقليل من معدلات الكربون في الغلاف الجوي، ينبغي زيادة أعداد الحيتان في العالم.
أكدت عدة أبحاث أن قدرة الحيتان على التقاط الكربون مذهلة حقاً؛ إذ يتراكم الكربون في أجسام الحيتان طوال فترة حياتها، وعندما يموتون يغرقون في قاع المحيط، وتبين أن كل حوت كبير يعزل 33 طناً من ثاني أكسيد الكربون في المتوسط، بينما تمتص الشجرة ما يصل إلى 48 رطلاً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وفقاً لـ"صندوق النقد الدولي".
يُقدِّر علماء الأحياء أن إجمالي عدد الحيتان الآن أقل من ربع ما كان عليه في السابق؛ إذ تم تقليل بعض الأنواع، مثل الحيتان الزرقاء، إلى 3% فقط؛ لذا ينبغي الحفاظ على ما تبقى منها، والسعي إلى زيادة أعدادها في المحيط؛ لأنها تقوم بدورها دون أي انبعاثات أو تأثير على الكوكب.
كنز "نفايات الحيتان"
نفايات الحيتان تحتوي على مواد هامة، مثل الحديد والنيتروجين، التي تحتاجها العوالق النباتية للنمو. وبناءً على ذلك، إذا سُمح للحيتان بالعودة إلى عدد ما قبل صيدها البالغ 4–5 ملايين، فسيساعد الأمر في حل جزء كبير من مشكلة التغير المناخي، وسيزداد إنتاج العوالق النباتية بنسبة 1% بفضل نشاط الحيتان؛ ما يساهم في امتصاص مئات الملايين من الأطنان من ثاني أكسيد الكربون الإضافي سنوياً.
وبالرغم من الانخفاض الحاد في صيد الحيتان، فإنها ما زالت تواجه مخاطر كبيرةً تُهدِّد الحياة، بما في ذلك الاصطدام بالسفن أو شبكات الصيد، والتعرُّض للنفايات البلاستيكية التي تنتقل إلى المحيط، بفعل النشاط البشري أو السفن التي تُلقِي نفاياتها الملوثة. وبينما تتعافى بعض أنواع الحيتان ببطء، لا يتعافى الكثير منها؛ لذا فإنه من أجل حماية الأرض، علينا ترك الحيتان تعيش في سلام، والتوقف عن الممارسات التي تؤذيها وتؤدي إلى هلاكها في النهاية.