مزارع مغربية عطشى.. هجرة قسرية من الريف بأمر التغيرات المناخية


فيروز ياسر
الاثنين 17 يوليو 2023 | 10:44 مساءً

جفاف وندرة مياه وطقس متطرف شديد القسوة.. "ثلاثية بيئية مرعبة" تقف في وجه المغرب، جعلت من هذا البلد الواقع في شمال إفريقيا إحدى البؤر الساخنة بفعل التغيرات المناخية؛ ما ترك أثره على السكان عامةً والمزارعين تحديداً.

والزراعة مصدر دخل رئيسي لسكان الريف على وجه التحديد في المملكة المغربية، لكن تدهور الأراضي وتحديات الأمن الغذائي جعلت المزارعين المغاربة في مأزق لا يمكنهم الخروج منه بسهولة.

فمع انتهاء موسم حصاد فاكهة الصيف بالمغرب، أدى الجفاف إلى انخفاض حاد في غلات المحاصيل بنسبة 50%، حتى الأصناف التي سجلت المملكة فيها تصديرات عالية، خلال السنوات الماضية.

وبات المتخصصون في الشؤون الزراعية بالمغرب يطرحون سؤالين أساسيين: ما الذي يشهده القطاع الزراعي حالياً؟ وهل يعاني الجميع بشكل عادل أم أن البعض لديه مشكلات أكبر نتيجة التغيرات المناخية؟

معاناة قهرية

الباحث في المركز الدولي للبحوث الزراعية بالمناطق الجافة أنس المنصوري، قال إن التغيرات المناخية تشكل تحدياً كبيراً أمام المزارعين بالمغرب؛ فارتفاع درجات الحرارة والفيضانات المفاجئة، بالإضافة إلى الجفاف المتطرف والعواصف العنيفة، من شأنها التأثير على مواعيد الزراعة والحصاد والتقليل من إنتاجية المحاصيل.

المنصوري في حديثه إلى "جرين بالعربي" أوضح أن النقص الحاد في المياه العذبة المتاحة للري، ناتج عن عدم توافر المياه الجوفية بكميات مناسبة، وحدوث تغيرات في نمط هطول الأمطار؛ ما يؤدي إلى صعوبات في تلبية احتياجات الري للمحاصيل، وقد يضطر المزارعون إلى زراعة محاصيل أقل في مثل هذه الأزمات.

أدى الجفاف إلى انخفاض حاد في غلات المحاصيل بنسبة 50% مع انتهاء موسم حصاد فاكهة الصيف بالمغرب شاملاً الأصناف التي سجلت المملكة فيها تصديرات عالية خلال السنوات الماضية

التغيرات المناخية نشرت الأمراض والآفات بين المزروعات، وفقاً للباحث المغربي الذي نبَّه أيضاً إلى أن الحشرات الضارَّة والفطريات والبكتيريا تزيد من نشاطها مع المناخ الدافئ، ومن ثم تؤثر سلباً على نمو وجودة المحاصيل.

أزمة زراعة النخيل

يعيش نحو 20 ألف شخص بين ما يقرب من 140 ألف نخلة بواحة "سكورة" المغربية التي يعتمد سكانها على الزراعة، خصوصاً نخيل التمر، لكنهم لم يفلتوا من آثار التغيرات المناخية، فتضرَّرت معظم الأشجار وعانت التربة من الشقوق وندرة المياه.

مصطفى مفهوم الذي يعمل مزارعاً في الواحة منذ 52 عاماً، تحدث عن أن المكان كان مصدراً للعديد من المحاصيل والسلع، لكنه لم يَعُد كما كان؛ فأشجار النخيل تحديداً عانت من الضرر، وشقوق التربة وتقلص دائرة التشجير بالواحة بدت ظاهرة.

المغربيات اللاتي يعشن في الجبال والواحات يتأثرن بالتغيرات المناخية بشكل أكبر لأنها غالباً ما تقع في المناطق القاحلة أو شبه القاحلة حيث تندر المياه وتصبح درجات الحرارة مرتفعة

"منذ بداية القرن الـ21، ارتفعت هجرات سكان الواحة نتيجة انخفاض مصدر رزقهم بعد مواجهة التغيرات المناخية القاسية".. تعليق من رئيس جمعية البيئة في سكورة عبد الكبير هوكاري، لخَّص به الوضع في الواحة عبر موقع "أفريكا نيوز".

يقول هوكاري إن المغرب كان يتمتع بما يقدر بـ14 مليون نخلة، فقد ثلثَيْها خلال القرن الماضي، مضيفاً أن الحلول السريعة تُوقِف التصحر والمزيد من الهجرة لخارج الواحة.

آلام الريفيات

تقف الريفيات المغربيات في الخطوط الأمامية لمعركة التغيرات المناخية بقطاع الزراعة؛ حيث يمثلن على الأقل 45% ، وفقاً لموقع "International Politics and Society"، ومن ثم يتحملن وطأة انخفاض غلة المحاصيل.

السبب الحقيقي وراء زيادة أعداد النساء بقطاع الزراعة في الريف هو هجرة الذكور إلى المناطق الحضرية نتيجة انخفاض الإنتاجية الزراعية وتدهور الأراضي والرغبة في العمل والحصول على مصدر دخل ثابت وكافٍ، حتى تحوَّلت بعض النساء إلى مُعِيلات لأسرهن.

ما يزيد الوضع صعوبةً بالنسبة إلى الريفيات هو عدم المساواة بين الجنسين؛ حيث تُمنَع النساء من امتلاك الأراضي بمفردهن وقيادة الأنشطة الزراعية كما يفعل الرجال، وغالباً ما تكون فرص حصول النساء على القروض وبرامج بناء القدرات والخدمات الإرشادية نادرةً.

المغربيات اللاتي يعشن في الجبال والواحات يتأثرن بالتغيرات المناخية بشكل أكبر؛ لأنه غالباً ما تقع الواحات في المناطق القاحلة أو شبه القاحلة؛ حيث تندر المياه وتصبح درجات الحرارة مرتفعة، وتتأثر الزراعة؛ ما يؤدي إلى زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي والصراع الاجتماعي والهجرة.

ولكون النساء أول من يختبر آثار التدهور البيئي وتغيُّر استخدام الأراضي والقضايا الأخرى المتعلقة بالمناخ، فإن الاستراتيجيات المبتكرة بالمغرب أخذت موضعها من خلال إنشاء مجموعات ريفية لإنتاج الفطر والزعفران والقمح، بالإضافة إلى المحافظة على النباتات العطرية المُساهِمة في تقليل استهلاك المياه.

ويمكن أن تلعب برامج بناء القدرات والمعونة المالية دوراً رئيسياً في تمكين المرأة الريفية وتعزيز مشاركتها في جهود التكيف؛ إذ يجرى تطوير برامج لتزويد النساء بتدريب وتكنولوجيا لمساعدتهن على تحسين إنتاجيتهن الزراعية وتطوير سبل عيش بديلة.

تحولات إيجابية

رغم هذه الصورة السيئة، هناك بعض الاستراتيجيات المُبشِّرة، مثل مخطط المغرب الأخضر واستراتيجية الجيل الأخضر، والهدف منها الدعم المباشر للمزارعين المغاربة من أجل التحول من الري السطحي إلى الري بالتنقيط الذي يتمتع بكفاءة عالية، ومن ثم يتحقق توفير المياه وحفظها وإدارتها بشكل فعَّال.

أنس المنصوري كشف أن الدولة المغربية وضعت خططاً للتعامل مع الكوارث الطبيعية المرتبطة بالتغير المناخي، مثل الفيضانات والجفاف والعواصف الشديدة، شمل ذلك تعزيز البنية التحتية، وتنفيذ إجراءات الإخلاء السريع، والتوعية العامة كذلك.

على الأرض، يسابق المغرب الزمن من أجل إنجاح مخطط إدارة الموارد الطبيعية وسط التغيرات المناخية، على أمل مواكبة التغيرات السريعة للمناخ، ووقف الأزمات في قطاع الزراعة على وجه التحديد.