مع كل سلة مهملات يجري إلقاؤها في مكبات القمامة تواجه الأرض خطراً جديداً بوصول المواد الملوثة إلى الهواء، والمياه والتربة، وانطلاق انبعاثات غازات الدفيئة بعد تفاعلها مع البيئة المحيطة.
كمية النفايات الصلبة التي ينتجها العالم كل عام تتخطى 11 مليار طن، بحسب إحصائيات موقع World Counts.
تقليل الاستهلاك وإعادة تدوير المنتجات واحدة من بين الطرق التي نحاول بها تقليل آثار تلك الكميات الهائلة من المخلفات، لكن هل يعود إعادة التدوير علينا بفوائد شخصية بعيداً عن البيئة، وهل هناك عوامل نفسية تتحكم بعلاقة البشر بتلك الأنشطة؟
فوائد نفسية
هناك أشكال مختلفة من الأنشطة التي يمكن المشاركة بداية من الاستفادة من المنتجات القديمة في أغراض أخرى، أو التبرع بها أو بيعها إلى شركات إعادة التدوير.
في مقال لها، تتحدث الأخصائية النفسية سينثيا ماديسون عن فوائد إعادة التدوير فيما يخص الصحة العقلية.
وفقاً لرأيها، تساعد أنشطة إعادة التدوير على استعادة اليقظة وهي أن يكون ذهن الإنسان حاضرا بكامل طاقته في اللحظة الحالية، من خلال الانتباه إلى عاداتنا الاستهلاكية، والمنتجات التي نلقي بها في سلة المهملات، ومحاولة الاستفادة منها بدل التخلص منها ومعرفة تأثير أنشطتنا على العالم المحيط بنا.
عدم الاستسلام إلى صخب الفوضى المحيطة بنا يساعدنا على مواجهة صعوبات النوم فهناك ارتباط واضح بين الأرق وتراجع جودة النوم والشعور بالتعب وبين البقاء في الغرف المزدحمة.
إزالة الفوضى
دائماً ما تبدأ عملية إعادة التدوير بفرز المقتنيات والمنتجات التي باتت غير صالحة لاستخدامها الأصلي، وفصلها، وترتيبها وهو ما يقودنا إلى التخلص مما نسميه بـ"الكراكيب".
تعود عمليات الترتيب وإزالة الفوضى بالنفع على صحتنا العقلية، ، إذ كشفت دراسة أجرتها جامعة كونيتيكت الأمريكية أن عمليات التنظيم تؤدي إلى مواجهة القلق الذي يفاقمه البقاء في مكان مكدس بالأشياء غير المستخدمة.
اكتشف الباحثون أن التصرفات التكرارية التي نقوم بها خلال عمليات التنظيف والتنظيم تمنحنا الشعور بالسيطرة خلال مرورنا بصعوبات نفسية، وتمنحنا كذلك إحساسا بالتحكم في البيئة المحيطة.
عدم الاستسلام إلى صخب الفوضى المحيطة بنا يساعدنا على مواجهة صعوبات النوم فهناك ارتباط واضح بين الأرق وتراجع جودة النوم والشعور بالتعب وبين البقاء في الغرف المزدحمة.
علاقتنا بالأشياء التي نحبها
هناك جوانب نفسية أخرى تتحكم في ميل الفرد إلى إعادة استخدام المقتنيات أهمها نظرتنا للأشياء مدى ارتباطنا بها.
يقول ريمي ترودل الأستاذ المساعد في جامعة بوسطن الأمريكية إن الناس يميلون إلى إعادة تدوير الأشياء التي ترتبط بهويتهم لأن فكرة التخلص منها تشعرهم بالذنب، مثل إعادة استخدام كوب مطبوع عليه اسم الشخص.
كما يميلون إلى إعادة استخدام المنتجات التي يفضلونها فلو أمامك عبوتين من عبوات من شركتين للمياه الغازية، فغالبا ستعيد استخدام العبوة التابعة للشركة التي تفضلها، وفقا لموقع Harvard Business review.
مفارقة خطيرة
المشاعر الإيجابية البراقة التي ترتبط بفكرة إعادة التدوير، وما تجلبه من فخر لنا بالمساهمة في الحفاظ على البيئة لها جانب نفسي مظلم قد يضيع الهدف الأساسي منها إذا لم يجري التصدي له.
تيم كيورز باحث في كلية علم النفس في جامعة أستراليا الغربية لاحظ سلوكاً جديداً على نفسه، بعدما طبقت السلطات المحلية خطة جديدة لتحويل النفايات إلى وقود حيوي يصلح لتشغيل الحافلات، إذ لم يعد يشعر بالدرجة نفسها من الندم عندما يتخلص من طعام صالح للاستخدام، لأنه في النهاية سيمكن الاستفادة به وبدأ يسأل نفسه هل تدفعنا فكرة إعادة التدوير إلى المزيد من الاستهلاك؟
بمشاركة جيني فان دورن الأستاذ بجامعة جرونينجن الهولندية، شارك "كيورز" في دراسة نقلها موقع Science Direct حاولت الإجابة عن السؤال.
التجربة الأولى شملت مجموعة من الطلاب قُدم إليهم كميات من الكعك ليتناولوها خلال مشاهدة أحد الأفلام، وتُرك لهم حرية الاختيار إما إلقاء ما يتبقى في سلة المهملات الموجودة في غرفتهم أو تركها في المطبخ المشترك ليتناول منها طلاب آخرون.
سلة المهملات الموجودة اختلفت من غرفة لأخرى، فالبعض وجد حاويات تقليدية، وأخرى خضراء مخصصة للمخلفات القابلة للتحلل، وثالثة مخصصة لمشروع تحويل النفايات إلى وقود حيوي.
كما توقع الباحثون، كشفت التجربة أن احتمالية التخلص من الطعام الصالح للأكل ترتفع بفارق اقترب من الضعف في حالة وضع حاويات مخصصة لمشروع الوقود الحيوي، فما يزيد عن 75% ممن وجدوها في الغرفة تخلصوا من الطعام مقابل 39.2% ممن وجدوا سلة المهملات التقليدية.
الدراسة تناولت تجربة أخرى حول استخدام الزجاجات البلاستيكية على مجموعة أخرى من المبحوثين، لترتفع نسبة من اختاروا الزجاجات البلاستيكية بدلا من الأخرى الصديقة للبيئة عندما علموا أنه سيجري التبرع بها إلى شركة أعلنت تحويل البلاستيك إلى قماش.
الباحثان أشاراش إلى أن تقليل الاستهلاك بالأساس هو الخيار الأفضل بيئيا مقارنة بزيادة كميات المواد التي تخضع لإعادة التدوير التي تتطلب استهلاك كميات من الطاقة، ولذلك يجب على الشركات أن تغير سياساتها التي تعتمد حاليا على تعريف الجمهور بفوائد النفايات الناتجة عن أنشطتهم.