ثمار تفسد على الشجر.. المناخ يضرب المانجو المصري وحمضيات تونس


مروة بدوي
الخميس 13 يوليو 2023 | 12:04 صباحاً

مصدر قلق كبير فرضه تغير المناخ على قطاع الزراعة عامةً، لكن أشجار الفاكهة كان لها نصيب لا يستهان به من الضرر، رغم أنها تمثل شريحة مهمة في الإنتاج الزراعي، وتوفر للمستهلكين في جميع أنحاء العالم منتجات مهمة ذات قيمة غذائية عالية.

الظواهر المناخية المتطرفة تمثل تهديداً واضحاً لأشجار الفاكهة، التي تحتاج بدورها إلى خدمة مستمرة، مثل التسميد ومكافحة الآفات والري، حتى لو لم تطرح ثماراً. وقد أدت عدة سنوات متتالية من الطقس المتطرف والمتقلب من درجات الحرارة المرتفعة، وغياب إمدادات المياه الكافية، إلى قلة المحاصيل وخسائر مالية كبيرة وفقدان مجهود موسم كامل.

وكالة البيئة الأوروبية أصدرت بدورها تقريراً عن تأثير تغير المناخ على الأعمال الزراعية، متوقعاً انخفاض إنتاجية المحاصيل في دول البحر الأبيض المتوسط بنسبة تزيد على 80٪ بحلول عام 2100.

منذ بضع سنوات، يشهد قطاع الفاكهة في دول البحر المتوسط خسائر بسبب المناخ؛ حيث سجلت اليونان برداً وعواصفَ رعديةً استثنائيةً ضربت بشدة محاصيل الخوخ والمشمش مع تضرر نحو 20٪ من المناطق بجانب محاصيل الفراولة والكرز والتوت والخوخ أيضاً.

تونس.. الحمضيات والخوخ

تتمتع تونس بإمكانات جيدة بفضل جودة ثمارها وأساليب الزراعة الطبيعية التي يستخدمها المزارعون. وتنتج تشكيلة كبيرة ومتنوعة من الفواكه، مثل الحمضيات والبطيخ والعنب والتفاح والكمثرى والدراق، وتُصدِّر إلى أسواق مختلفة في أوروبا، بما في ذلك إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وكذلك إلى دول في الشرق الأوسط.

في العام الماضي، زادت صادرات الفاكهة التونسية 32% مقارنةً بعام 2021؛ أي ارتفعت من 40 مليون يورو إلى 53 مليوناً، وهذا الوضع في تونس كان يبدو جيداً ويعكس تحسناً في صادرات الفاكهة.

لكن في نوفمبر 2022، توقَّعت المنظمة العالمية للجمارك انخفاضاً كبيراً في محصول الحمضيات بالعالم بسبب القضايا المناخية، مشيرةً إلى أن من المتوقع أن يقل إنتاج الحمضيات 17.12% في تونس.

أرقام المنظمة العالمية للجمارك بدت واقعية إلى حد بعيد مع انخفاض حجم محصول البرتقال التونسي هذا العام؛ بسبب تداعيات التغيرات المناخية، وموجة الجفاف القاسية التي تعيشها البلاد، وأدت الى إعلان السلطات حالة الطوارئ المائية، مع توزيع الماء الصالح للشرب بنظام الحصص، وحظر استخدامه في الزراعة وأي أغراض أخرى؛ ما هدد قطاع الزراعة وأثَّر سلباً على المحاصيل.

المنظمة العالمية للجمارك توقَّعت انخفاض محصول الحمضيات 17.12% في تونس بسبب القضايا المناخية ضمن أزمة تشمل العالم بأسره

حسب دراسة أجرتها جامعة فالينسيا الإسبانية عن "مستقبل الحمضيات وتأثير تغير المناخ على الزراعة"، فإن الحمضيات من أهم أنواع المحاصيل في دول البحر الأبيض المتوسط، مثل تونس، لكنها تتعرَّض لضغوط مناخية بسبب الظواهر الجوية المتطرفة من الاحترار وأحداث الجفاف الشديدة أو الفيضانات، وسيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدل التبخُّر، وانخفاض هطول الأمطار.

في المقابل، سوف تزيد احتياجات مياه الري؛ ما يعني الضغط الشديد على طبقات المياه الجوفية، ومن ثم زيادة ملوحة التربة وتدهورها مع الوقت. وكل هذه العوامل لها عواقب سلبية على زراعة الحمضيات، ويُعرِّض إنتاج المحاصيل للخطر من حيث الكمية والجودة وحجم الثمار.

رغم أن الخوخ يحتل مركزاً متقدماً في قائمة الصادرات التونسية عام 2022 بواقع 12 ألف طن، لكن مزارعيه في هذا البلد العربي، يعانون من تضرُّر المحصول لأسباب مرتبطة بالمناخ، تحديداً خلال العقد الأخير من الألفية الثالثة، وفقاً لدراسة استقصائية أجراها مجموعة من الباحثين بالجامعة الألمانية في ميونخ.

وتمثلت المشاكل الرئيسية في فصول الصيف الأكثر حرارةً، والتغيرات في كمية وأنماط هطول الأمطار، علاوةً على الظواهر الجوية الشديدة وغير المتوقعة، وندرة المياه بجانب أضرار الرياح والبرد؛ ففي بلد مثل تونس، يعاني أساساً من موارد مائية محدودة وتمثل المياه الجوفية 45% منها، سوف يزداد الوضع سوءاً. ويمثل خطر الجفاف ونقص المياه اللازمة للري تحدياً لقطاع الزراعة، كما يؤدي الاستخدام المفرط للمياه الجوفية إلى زيادة ملوحة الماء؛ ما يخلق مشاكل خطيرة محتملة لأشجار الفاكهة الحساسة، ويؤثر سلباً على إنتاجية المحاصيل وجودتها والعائد المادي.

المانجو المصري

تعرف المانجو باسم "ملك الفواكه"؛ نظراً إلى نكهتها الفريدة ومذاقها الذي جعلها تحظى بشعبية في جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى قيمتها الغذائية؛ فهي غنية بالعناصر المهمة، خاصة فيتامين C، الذي يساعد على تقوية المناعة وامتصاص الحديد ونمو الخلايا وإصلاحها.

وتعتبر المانجو أيضاً مصدراً جيداً لمعدن النحاس وحمض الفوليك، وتحتوي على الألياف والبروتين والدهون والكربوهيدرات والسكر؛ ما يجعلها جزءاً من نظام غذائي صحي يحسن المناعة وصحة القلب والجهاز الهضمي والعين، وقد يقلل من مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.

مميزات أشجار المانجو تمتد إلى كونها مكوناً أساسياً لبيئة صحية ومستدامة، ويمكنها المساهمة في التخفيف من تداعيات تغير المناخ وتعزيز الاستدامة البيئية؛ لعدة أسباب، فأثناء النمو تقوم أشجار المانجو بعملية تسمى عزل الكربون، فتمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي خلال عملية التمثيل الضوئي، وتخزنه في جذعها وأغصانها وأوراقها. وتساعد هذه العملية في الحد من تغير المناخ عن طريق تقليل كمية غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي.

يحمي المانجو كذلك التربة ويمنع تآكلها، وتُوفِّر الأوراق والثمار المتساقطة من الأشجار مادة عضوية تغذي التربة وتُعزِّز النمو الصحي للنبات، وتتكيَّف جيداً مع البيئات الجافة والقاحلة وتتحمل الجفاف؛ حيث يمكنها البقاء على قيد الحياة بموارد مائية محدودة. وهذا يجعلها مناسبة للزراعة في المناطق ذات الأمطار المنخفضة، ومن ثم مناسبة للتعامل مع تغير المناخ.

أما التنوع البيولوجي الخاص بأشجار المانجو فيتحدَّث عنها باعتبارها موطناً لمختلف الحيوانات، بما في ذلك الطيور والحشرات والثدييات الصغيرة؛ ما يساهم في التنوع البيولوجي الشامل للنظام البيئي ويدعم شبكة الغذاء.

أشجار المانجو مكون أساسي لبيئة صحية ومستدامة وتحقق العزل الكربوني فتمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي خلال عملية التمثيل الضوئي وتخزنه في جذعها وأغصانها وأوراقها

تحتل المانجو مكانة كبيرة في قلوب المصريين، وتكتسب سمعة عالمية في الأسواق الخارجية؛ بسبب الجودة العالية والمذاق الرائع، وتأتي في المركز الثامن ضمن أبرز 10 محاصيل زراعية صدَّرتها مصر إلى الخارج عام ٢٠٢٢، بواقع 76 ألف طن، حسب تقرير وزارة الزراعة النهائي لصادرات مصر الزراعية خلال العام الماضي.

يمتلك هذا المحصول الكثير من الحكايات؛ بدءاً من طريقة دخوله أرض مصر وصولاً إلى أصول أسماء أصنافها المتعددة، لكن آخر هذه القصص هي معركة شجرة المانجو المصرية مع التغير المناخي.

يعاني المانجو من الظواهر المناخية المتطرفة، خصوصاً محافظة الإسماعيلية الواقعة شمال شرق مصر، معقل زراعة المانجو في البلاد، وتشتهر بإنتاج عالي الجودة؛ بسبب التربة والمناخ الملائمَين.

يبدأ موسم الحصاد في أواخر يوليو، ويستمر حتى أواخر سبتمبر، وأنتجت المحافظة عام 2022 ثلث إنتاج المانجو في البلاد بمساحة مزروعة تزيد على 35 ألف هكتار.

في أوائل موسم شتاء 2021، اجتاحت موجة حر مفاجئة الإسماعيلية، وأدَّت تقلبات درجات الحرارة، ومستويات الرطوبة المتزايدة، بجانب الآفات الخطيرة التي تزدهر في الجو الدافئ، إلى تقليل الإنتاج بنسبة 50٪ إلى 80٪ من المحصول.

وفقد المزارعون العمل بسبب تراجع النشاط الزراعي، وارتفعت الأسعار نتيجة قلة المعروض؛ ما أضرَّ بالمستهلك العادي وأصحاب محلات العصائر والفاكهة.

ثم في موسم 2022، نجح المزارعون في تفادي الخسارة وإنقاذ المحصول؛ حيث عاد الإنتاج تقريباً إلى مستواه الطبيعي؛ لعدة أسباب؛ منها انضباط المناخ نسبياً، وعدم حدوث تقلبات جوية مفاجئة مثل المواسم السابقة، بجانب تكيُّف الفلاحين إلى حد كبير مع التغيرات المناخية، عبر اعتماد تقنيات وطرق تهوية وتسميد مناسبة.

في محاولة لمقاومة تغير مناخ، بدأ المزارعون يتحولون إلى زراعة السلالات الأجنبية؛ لأنها تتحمل الحرارة والبرودة الشديدتين، وتمتاز بعدم الارتفاع؛ ما يسهل عملية تغطيتها بالصوب لحمايتها من الرياح والأتربة، خصوصاً أن الأصناف المحلية القديمة لم تعد تُطرَح كما كانت في السابق؛ بسبب المناخ، ومع زيادة المحصول انخفضت أسعار المانجو في الأسواق المصرية العام الماضي، وكانت في متناول الجميع.

ويمكن قراءة الوضع بوضوح عند مقارنة صادرات مصر من المانجو التي قُدِّرت بنحو 36 ألف طن عام 2019 قبل أن تصل عام 2022 إلى 76 ألف طن.

لكن هذه الانتعاشة التي شهدها موسم المانجو العام الماضي من المتوقع أن تنتهي هذا العام، والسبب مرةً أخرى التغير المناخي؛ فبعد محاولات المزارعين التكيف مع تقلبات درجات الحرارة، جاءت الضربة هذا العام من العاصفة الترابية الشديدة المصحوبة بالبرق والمطر في نهاية شهر مايو الماضي، التي تركت الشجر بلا ثمار، بعد أن سقط المحصول على الأرض أثناء مرحلة تكوين الثمار قبل النضج؛ لذلك كانت الخسائر كبيرة، وسط توقعات بتراجع الإنتاج 50٪ عن العام الماضي وزيادة الأسعار.

باتت الكثير من أشجار الفاكهة شبه قاحلة، بعد أن كانت ذات يوم خضراء مثمرة، لكن التغيرات المناخية التي تضرب العالم تصر على الإضرار بسبل عيش المزارعين، وأن تحرمنا حتى من أبسط متع الحياة: ثمرة فاكهة حلوة المذاق.