بين نيران تأكل مساحات واسعة من الغابات، وانهيارات للطرق بسبب الفيضانات والسيول، تقف تعبيرات الوجه عاجزة عن متابعة ما تعرضه شاشات التلفاز أو مواقع التواصل الاجتماعي مع حدوث فوضى مناخية.
على قدم واحدة يقف سكان الكوكب، بينما يجلس قادة العالم يومياً على طاولة الحوار لإيجاد حل سريع للسيطرة على التغيرات المناخية التي أصبحت كالوباء المتفشي، ويمكن أن تقضي على البشرية في لحظات.
في الوقت الذي سجلت فيه درجة الحرارة أعلى معدلاتها في بعض المدن الأوروبية والآسيوية والأمريكية والعربية، هناك مدن أخرى تعاني وتصارع الفيضانات التي تغزو البلاد فجأةً؛ ما أسفر عن انهيار البنية التحتية. ولأن أكثر من 56% من سكان العالم يعيشون في مدن حضرية، لا بد من البدء العاجل والسريع في إعادة التفكير في تأسيس المدن وتغيير تصميمها للتصدي للتغيرات المناخية، وفقاً لموقع "Earth".
زينة الأخضر النظيف
ربما لم نسمع عن استخدام النباتات في العمارة سوى في مصر القديمة؛ إذ كانوا يعتمدون على نبات البردي في تزيين الأعمدة والمباني، ولكن مدينة هامبورج بألمانيا قررت استحضار الفكرة مرة أخرى بشكل أكثر استدامة وملائم لتغير المناخ من خلال إنشاء واجهات المباني من الطحالب لتوليد طاقة متجددة من الكتلة الحيوية لها والطاقة الشمسية الحرارية.
تهدف المدينة الألمانية إلى تقليل الانبعاثات بنسبة 95٪ على الأقل بحلول عام 2030؛ من أجل تحقيق الحياد المناخي، بحسب موقع "Hamburg". وبمجرد أن يعمل هذا النظام الحيوي بشكل متكامل، فإن الحرارة الزائدة من المفاعلات الحيوية الضوئية، تساهم في تدفئة المباني، وتزود السكان أو العاملين فيه بالماء الساخن؛ ما يسهل تخزين الماء لاستخدامه في أي وقت آخر عند الحاجة.
ومن هامبورج إلى المدن الأوروبية مثل بوردو وفرانكفورت وبرشلونة، اعتمدت هذه المدن على تحويل مسارات "الترام" إلى مساحات خضراء للتقليل من حوادث الفيضانات المفاجئة عن طريق امتصاص مياه الأمطار، وخفض درجة حرارة المنطقة المحيطة.
يوفر الغطاء النباتي منطقة صالحة لاستقطاب العديد من الحشرات بدلاً من هلاكها بفعل الفيضانات المستمرة، ويقلل من اهتزازات وضوضاء عجلات الترام؛ لذلك يوفر رحلة آمنة للركاب دون الشعور بالضيق. وبناءً على ذلك، تعد خطوة زراعة مسارات الترام من الخطوات البسيطة الهامة للتقليل من آثار تغير المناخ على المدن الحضرية.
مدينة هامبورج الألمانية تعيد إحياء نظام مصر القديمة عبر استخدام النباتات في العمارة بهدف تقليل الانبعاثات بنسبة 95% على الأقل بحلول عام 2030
كما تسعى باريس إلى التقليل من درجة الحرارة، بعدما سجلت 43 درجة مئوية في عام 2019 من خلال زراعة 160 ألف شجرة؛ لخفض درجة الحرارة وتنقية الهواء في الوقت نفسه.
وفي هذا الصيف، سجلت درجة الحرارة 56 درجة بالشوارع الخالية من الأشجار بالعاصمة باريس، بينما سجلت 28 درجة فقط في الشوارع التي تصطف الأشجار على جانبيها. بناءً على ذلك، باتت زراعة الأشجار هي السلاح الأول لحماية المدن من الارتفاع الهائل للحرارة حول العالم، علاوة على دورها في مكافحة تغير المناخ.
من الحلول الحضرية الأكثر ابتكاراً حول العالم، المباني البيضاء التي تهيمن على المناظر الطبيعية لجزر مثل سانتوريني في اليونان؛ فقد كان يعتقد أن هذه المباني تم تأسيسها على هذه الشاكلة؛ لأغراض جمالية فقط، ولكن يوجد أهداف أخرى.
منذ العديد من السنوات، عرفت البشرية أن اللون الأبيض يعكس أشعة الشمس، والآن أكدت دراسة حديثة للمباني التي تستخدم طلاء كبريتات الباريوم؛ أن الألوان الفاتحة تساعد في الحفاظ على درجات الحرارة الداخلية أقل من درجة حرارة الهواء الخارجي بنحو 4.5 درجة مئوية.
ومن ثم تلقي الدراسة الضوء على أهمية طلاء المباني باللون الأبيض؛ لخفض تكلفة التبريد بشكل كبير من خلال تقليل الاعتماد على تكييف الهواء المُهدر للطاقة.
الأكثر قراءة
موقف المدن العربية
أصبحت التغيرات المناخية هي الشغل الشاغل في البلاد العربية؛ سعياً إلى إيجاد أحدث الطرق والأساليب التكنولوجية لكبح التغير المناخي سريعاً. ومن الدول التي أخذت خطوة سريعة للتحول إلى الأخضر "البحرين".
يصل ارتفاع الأبراج المذهلة بمركز التجارة العالمي في مدينة المنامة عاصمة البحرين إلى 787 قدماً، وهي تشبه المراكب الشراعية العربية؛ لذا تستخدم في توجيه الرياح إلى التوربينات التي توفر نحو 15٪ من كهرباء المباني، كما تساعد حمامات السباحة العاكسة الموجودة في قاعدة الأبراج على التبريد من خلال التبخر، وفقاً لموقع "CNN".
في السعودية تستخدم النوافير وأبراج الرياح والساحات للتبريد والإضاءة ما يقلل استهلاك الطاقة مع خفض استهلاك تكييف الهواء وهدر الطاقة في الإضاءة
تسير مدينة دبي بالإمارات العربية المتحدة على نهج المدن العالمية للسيطرة على تغير المناخ، من خلال وضع معايير لإدارة الطاقة في المباني والممتلكات بهدف الحد من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة 30%، وزيادة حصة الطاقة الشمسية إلى 25% بحلول عام 2030.
عُرفت دبي بمزرعة حضرية تقع في منطقة مستدامة، وتشتمل على 11 قبة حيوية منظمة للحرارة، وتبلغ طاقتها الزراعية الحضرية أكثر من ثلاثة آلاف متر مربع، وتعد من الحلول المستدامة في دبي للتقليل من الانبعاثات، بحسب موقع "Ecomena".
وتمارس السعودية الاستدامة أيضاً في المباني من خلال تأسيس مبانٍ من مواد محلية توفر العزل الحراري خلال فصل الصيف المرتفع الحرارة. وتستخدم النوافير وأبراج الرياح والساحات للتبريد والإضاءة؛ ما يقلل من استهلاك الطاقة، وتم استخدام استراتيجيات الطاقة المنخفضة المستدامة لبناء المباني المحلية حول المملكة، وساعدت بدورها في خفض استهلاك تكييف الهواء وهدر الطاقة في الإضاءة.
ويعد مشروع الرياض من المشاريع الخضراء التي أطلقها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود. ويتضمن المشروع زراعة 7.5 مليون شجرة في جميع أنحاء المدينة داخل المنتزهات والحدائق والمدارس ودور الرعاية الصحية والمرافق العامة لمواجهة الظروف المناخية القاسية وتحسين جودة الهواء.