بعد مرور نحو 17 شهراً على الحرب، ووسط صقيع الشتاء والدمار الذي ينتشر في كل مكان، تستقبل غزة شهر رمضان الكريم، وللمرة الثانية بعد الحرب يأتي الشهر الفضيل مفتقداً لكل تقاليده المعتادة من فرح وبهجة وشوارع مليئة بالاحتفالات، لكنه يبقى دائماً ضيفاً مرحباً به رغم الأزمات والقلوب المثقلة بالأحزان.
أطفال غزة
وصفت روس بولين، من منظمة اليونيسيف، حال أطفال غزة، في أثناء حديثها لأخبار الأمم المتحدة؛ قائلة إنه يصعب وصف تأثير هذه الحرب على الأطفال بعد أن تحملوا شهوراً من الرعب الجسدي والنفسي، وحرموا من طفولتهم، والآن كل طفل في غزة أصبح بحاجة ماسة إلى الدعم النفسي والاجتماعي.
ومن المؤكد أنه من الصعب تغيير الواقع في القطاع حالياً لدعم هؤلاء الصغار، لكن ربما يربط شهر رمضان على قلوبهم البريئة، وتستطيع مظاهر الاحتفال بقدومه، رغم الظروف القاسية، أن ترسم البسمة على وجوههم، وقد يشعرهم فانوس رمضان الملون بالسعادة، ويخلق لديهم ذكريات رمضانية جديدة نابضة بألوان الحياة داخل مدينتهم الصامدة، لعلها تنسيهم ويلات الحرب.
المساعدات الإنسانية.. شريان الحياة والسعادة
أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) بأنه تم إرسال آلاف الطرود الغذائية وصناديق المساعدات إلى غزة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار، فهل تمثل هذه المساعدة وسيلة أساسية للغذاء فقط؟
تمكنت ريهان شراب ، وهي إحدى سكان خان يونس بجنوب غزة، من صناعة الفوانيس من كراتين المساعدات، لنشر أجواء السرور بين أهالي القطاع واستقبال شهر الصوم.
تعمل ريهان في مهنة المشغولات اليدوية، وتسوّقها عبر مواقع التواصل الاجتماعي منذ عدة سنوات، وقد بدأت بفساتين الكروشية ثم انتقلت إلى صناعة الفوانيس من الخشب والأقمشة الملونة والمتنوعة.
بعد الحرب وقصف منزلها ونزوحها للخيام، قررت أن تعود إلى ممارسة نشاطها وإعادة العمل في مشروعها من داخل خيمة بخان يونس، لكن كانت تواجهها مشكلة انعدام الإمكانيات، وعدم توفر أدوات ومواد صناعة الفوانيس.
استطاعت ريهان تحويل هذه الخيمة الصغيرة والبدائية إلى مكان لإعادة تدوير كراتين وصناديق المساعدات، فهي المادة الوحيد المتواجده داخل القطاع، واعتماداً على خبرتها شكلت الكرتون على هيئة فوانيس رمضانية باحجام مختلفة.
ومن أجل تزيين الفوانيس، استخرجت ريهان قماش الخيامية وخيوط الصوف والستان القديمة من بين ركام بيتها المهدم ومبانٍ أخرى دمرها الاحتلال، وباستخدام أساليب وأدوات بسيطة لصقت القماش على الفوانيس الورقية حتى تضفي عليها ألواناً زاهية ومبهجة.
كما عملت ريهان على إعادة تدوير خيوط القطن والصوف، وصممت أشكالاً من الهلال والديكورات الرمضانية الصغيرة؛ والتي تعد من أهم المظاهر التقليدية لاستقبال هذا الشهر الكريم في البلاد العربية والإسلامية حول العالم.
وهذه ليست المحاولة الوحيدة لصناعة الفانوس عبر إعادة تدوير النفايات والأشياء القديمة، فقد نجح أطفال مدينة رفح من قبل في ابتكار الفوانيس وزينة رمضان من بقايا الكتب والأدوات المدرسية، التي لم تعد تستخدم بعد توقف المدارس بسبب الحرب، فقرروا قصها وتلوينها لتصبح فوانيس ورقية ملونة وجميلة، تزين الأزقة لإسعاد النازحين قبل دخول شهر رمضان.
يقولون "الحاجة أم الاختراع"، فما بالك إذا كان هذا الاختراع يبعث الفرح في قلوب الأطفال الذين يذوقون مرارة الموت يومياً منذ أكثر من عام ونصف! إنه "فانوس غزة" الصديق للبيئة، الذي يحمل رسالة من أطفالها إلى العالم بأنهم لا يزالون يملكون أحلاماً بالسلام والحياة ومستقبل أفضل.