لا تكاد تخلو مائدة إفطار عربية من الكركديه، فهو من أكثر المشروبات الرمضانية شهرة في العالم العربي، يعرف بنكهته المنعشة ولونه الزاهي، وفوائده الغذائية المضادة للأكسدة، لكن مؤخراً بات زيت بذور الكركديه يتمتع بقيمة إضافية بيئية كونه يعد من مصادر الطاقة البديلة المتوقعة في المستقبل.
الفوائد الصحية للكركديه
يتمتع الكركديه بشعبية خاصة بسبب تعدد استخداماته؛ سواء في الطعام، حيث يدخل في عدة وصفات مثل المربى والجيلي والصلصة والعصائر الباردة والآيس كريم، وقد يتناوله الكثيرون مثلجاً او ساخناً، باعتباره احدى أنواع الشاي بنكهة الكركدية.
وعلى مدى قرون طويلة كان نبات الكركديه جزءاً من وصفات الطب التقليدي، ما أكده بحث جديد منشور على المكتبة الوطنية للطب "NLM"، حيث ثبت أنه يتمتع بخصائص ومواد نباتية تقلل عوامل الخطر المرتبطة بعددٍ من الأمراض؛ منها ارتفاع ضغط الدم وزيادة الوزن والسمنة وارتفاع نسبة الجلوكوز والدهون.
كما يحتوي الكركديه على نسبة عالية من الحديد وفيتامين سي، ومضادات الأكسدة، ما يساعد على علاج فقر الدم والالتهابات ومضاد لجفاف الفم.
الفوائد البيئية للكركديه
يستخدم الكركديه بلونه المميز في صناعة مستحضرات التجميل كمصدر للأصباغ الطبيعية، بدلاً من الألوان الكيماوية، والتي تعتبر من أكثر ملوثات المياه العذبة، كما أن الكركديه يفيد البشرة لأنه يقاوم التجاعيد وآثار الشيخوخة.
وفي عالم العطور، قد تحول الهيبسكس أو "Hibiscus" الاسم العلمي للكركديه، إلى ترند ونوت عطري شهير، أو قلب العطر الذي يشكل رائحته ويحدد هويته الفريدة، وأهم ما يميز عطر الهيبسكس هو أنه صديق للبيئة لأنه طبيعي، ومصنوع من زهرة الكركديه الأرجوانية، والتي يُستخرج منها زيوت عطرية ذات رائحة زهرية مميزة وجذابة.
ولا ننسى أن ثمار الكركديه قد يتم استهلاكها طازجة أو مجففة، ما يجعلها محصول مستدام يمكن تناوله طوال العام ويتميز بسهولة التخزين، فهو لا يتعرض إلى التلف، ولا يحتاج إلى ثلاجات حفظ تستهلك الطاقة وتطلق انبعاثات كربونية.
إنتاج الديزل الحيوي من زيت بذور الكركديه
مؤخراً توصل بحث أجرته جامعة تايلاند إلى أن زيت بذور الكركديه يمكن أن يكون بمثابة مادة خام فعالة لإنتاج الديزل الحيوي، ودعم تطوير مصادر الطاقة المتجددة والمساهمة في الأمن الطاقي العالمي.
يعتبر الديزل الحيوي من أهم أنواع الوقود الحيوي السائل المصنع من مواد خام من أصل حيواني ونباتي، والذي يعمل كمصدر الطاقة المستدامة، وهو معترف به على نطاق واسع على المستوى الدولي.
وتسعى المؤسسات العالمية لزيادة نسبة استخدام الديزل الحيوي كبديل للديزل البترولي، وأحياناً يُخلط الديزل الحيوي مع الديزل البترولي بنسب مختلفة لتحسين خصائص الوقود، ما يساهم في خفض الانبعاثات وبالتالي إطالة عمر المحرك، وتعزيز الاستدامة البيئية، مع تقليل الملوثات الضارة، إذ يتماشى هذا النهج مع الجهود الحالية لتحقيق التوازن بين كفاءة الطاقة والحد من التأثير البيئي.
مشكلة المحاصيل الزيتية
يؤثر الطلب المتزايد على زيت الديزل الحيوي بشكل كبير على استقرار أسعار المحاصيل الزيتية، وخاصة زيت النخيل، والذي يستخدم بشكل أساسي كمادة خام لإنتاج الديزل الحيوي.
اعتبار زيت النخيل من المحاصيل الزيتية الأساسية على مستوى العالم خلق نوعاً من "الطلب المزدوج" على زيت النخيل، ما بين قطاع المنتجات الغذائية وقطاع توليد الطاقة، ما أدى إلى تقلبات أسعار زيت النخيل، وأثر سلباً على القطاع الزراعي والمستهلكين.
أما المحاصيل الزيتية الأخرى مثل فول الصويا، وجوز الهند وعباد الشمس وزيت الزيتون، تتميز بإمكانات إنتاجية عالية، وقيمة غذائية كبيرة، لكن ارتفاع أسعارها السوقية يحد من صلاحيتها لإنتاج وقود الديزل الحيوي.
الكركديه حل مثالي
تبحث العديد من الدراسات عن بذور زيتية غير صالحة للأكل، يمكن استخدامها كمواد خام محتملة لإنتاج الديزل الحيوي، أحد هذه الأبحاث أجرته جامعة (SNRU) التايلاندية، كشف أن الكركديه أحد المرشحين الواعدين لإنجاز هذه المهمة البيئية، حيث يتميز بعدة مزايا، تتضمن:
يزدهر هذا النبات في بيئات متنوعة ويتميز بسهولة زراعته، ونموه السريع، والمرونة القوية في مواجهة الضغوط البيئية، بما في ذلك الجفاف وتحديات الآفات، وهو بذلك يقلل الاعتماد على المحاصيل الزيتية التقليدية.
يمهد زيت بذور الكركديه الطريق لتطبيق حلول الطاقة البديلة بما يفيد المجتمعات المحلية، ويحقق الاستدامة، وبسبب قدرته على التكيف المناخي والمرونة، فإن الكركديه يحمل وعداً كبيراً كمورد للطاقة المتجددة بالمستقبل، وخاصة أنه محصول يُزرع على نطاق واسع؛ في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية، بما في ذلك المنطقة العربية.
وبعد تقييم الخصائص الفيزيائية والكيميائية لزيت بذور الكركديه لإنتاج الديزل الحيوي، كشفت الدراسة عن غنى زيت بذور الكركديه بالأحماض الدهنية غير المشبعة، والتي يمكن تحويلها إلى مصدر للطاقة المتجددة وإنتاج الديزل الحيوي، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والحد من انبعاثات الكربون.
تُستخدم بتلات الكركديه عادةً لصنع مشروب شعبي، ومع نجاح الأبحاث العلمية ستتحول هذه الزهور الأرجوانية، التي ترافقنا طوال شهر الصيام، إلى حل سحري لا تقف فوائده على الحفاظ على صحة البشر، بل الحفاظ على صحة البيئة أيضاً، باعتباره حلاً مستداماً لمشكلة الطاقة التي تعكر صفو كوكب الأرض.
