"البربوني" وسمك موسى في خطر.. أسماك المتوسط تبتلع أطناناً من البلاستيك


مروة بدوي
الاثنين 24 فبراير 2025 | 08:17 مساءً

منذ بداية الألفية الثالثة، تضاعفت كمية النفايات البلاستيكية نحو 3 مرات، حيث تستقبل المحيطات حوالي 8 ملايين طن من البلاستيك سنوياً، وإذا استمرت البشرية في تبني هذه السلوكيات الحالية من استخدام البلاستيك وإلقاء مخلفاته في المياه، فقد تحتوي المحيطات على كمية من النفايات البلاستيكية تفوق كمية الأسماك بحلول عام 2050، وفقاً لتقرير الأمم المتحدة للبيئة.

وتمثل المواد البلاستيكية الدقيقة المعروفة بـ(MPs) خطراً على صحة الإنسان، حيث اعتبرت الدراسات أن تلوث المأكولات البحرية بهذه المواد بمثابة مصدر قلق يهدد الأمن الغذائي العالمي.

ما هي الـ"MPs"؟

تتعرض المواد البلاستيكية بعد وصولها لمصادر المياه إلى التحلل بفعل الأشعة فوق البنفسجية ودرجات الحرارة المرتفعة والأكسدة الضوئية والأمواج البحرية، وتتحول إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة تسمى "MPs" .

وتعد هذه الجسيمات بمثابة ملوثات بيئية تنتشر في جميع البيئات المائية، وهي عبارة عن شظايا بلاستيكية يقل حجمها عن 5 مم، بما في ذلك الحطام البلاستيكي الذي يمكن أن يصل إلى جزيئات دقيقة جداً.

ويمكن أن يتعرض البشر لهذه المواد من خلال استهلاك الأطعمة الملوثة سواء المأكولات البحرية، أو ملح الطعام، أو مياه الشرب، وأيضاً الأطعمة الزراعية مثل الفواكه والخضراوات التي تتعرض لمياة ملوثة بالمواد البلاستيكية الدقيقة.

وتُصنع الـMPs من مجموعة من المواد الكيميائية، وقد يؤدي نقل هذه المواد الكيميائية إلى أنسجة الجسم، بعد الابتلاع، إلى تلف الأمعاء أو التسمم.

ولا توجد حتى الآن بيانات كاملة عن وجود المواد البلاستيكية الدقيقة في أنسجة الأسماك وكمياتها وطرق انتقالها إلى البشر، لذلك تهدف الدراسات الحديثة إلى الكشف وتحديد كمية المواد البلاستيكية الدقيقة الموجودة في المأكولات البحرية التي يتناولها الإنسان.

دراسة شمال غرب المحيط الهادئ

وتوصلت أحدث دراسة أجرتها جامعة بورتلاند في ولاية أوريغون بالساحل الغربي للولايات المتحدة، إلى انتشار المواد البلاستيكية الدقيقة على نطاق واسع في الأسماك والمأكولات البحرية الشهيرة في منطقة شمال غرب المحيط الهادئ.

تفتخر ولاية أوريغون بوجود العديد من مصائد الأسماك، التي تعد جزءاً مهماً من الاقتصاد الساحلي وثقافة الصيد في الولاية، لذلك هناك اهتمام متزايد بالأبحاث العلمية المتعلقة بالمأكولات البحرية، والتي كشفت مؤخراً عن وجود جزيئات من البلاستيك داخل أنسجة 6 أنواع من الأسماك ذات الأهمية الاقتصادية والثقافية، منها سمك السلمون، واحد من أصح الأطعمة البرية الطبيعية والمتجذر في النظام الغذائي للسكان الأصليين في المنطقة.

وقد قام فريق البحث بجمع 182 عينة من الأسماك، تشمل 122 سمكة زعنفية، و60 من القشريات والرخويات من ساحل الولاية وأسواق التجزئة، وبعد البحث المجهري، عثر الفريق على الجسيمات البلاستيكية في أنسجة عضلات 180 سمكة، أي ما يعادل نحو 99% من العينة الإجمالية.

ووفقاً للدراسة، احتوى الروبيان الوردي على أعلى نسبة من تركيزات النفايات البلاستيكية المتراكمة داخل الأنسجة، بسبب وجوده بالقرب من سطح الماء، حيث تتركز تلك النفايات العائمة.

وعند مقارنة الروبيان الطازج بعينات المتاجر، وجد الباحثون أن الجمبرى المُشترى من المتجر يحتوي على المزيد من الألياف والأغشية البلاستيكية، مرجعين السبب في ذلك إلى الغلاف البلاستيكي حول الأسماك.

وقد سلطت الدراسة الأمريكية المنشورة في مجلة Frontiers in Toxicology، الضوء على ألوان الشظايا البلاستيكية الموجودة داخل عينة الأسماك، حيث كانت الألوان الأكثر شيوعاً، هي: الأزرق ثم الأسود ويليهما البلاستيك الشفاف والأبيض، مؤكدةً أن تنوع الأحجام والألوان يدل على اختلاف مصادر التلوث في البيئات المائية وصعوبة تحديدها.

وتقول العالمة البيئية سوزان براندر من جامعة بورتلاند، إنه من المثير للقلق أن الألياف البلاستيكية الدقيقة تنتقل من الأمعاء إلى أنسجة أخرى مثل العضلات، وهذا له آثار واسعة النطاق على الكائنات الحية الأخرى، بما في ذلك البشر أيضاً.

وقد لاحظ العلماء مؤخراً أن البشر الذين يتناولون كميات أكبر من المأكولات البحرية تحتوي أجسامهم على المزيد من المواد البلاستيكية الدقيقة، وخاصةً أولئك الذين يستهلكون المحاريات مثل المحار أو بلح البحر، لكن لا تزال الآثار الصحية لهذه المواد البلاستيكية على الجسم ومدة بقائها داخل الأعضاء الحية غير معروفة، وتتطلب إجراء أبحاث عاجلة.

ويعد التحليل الذي أجري في ولاية أوريغون الأول من نوعه في منطقة شمال غرب المحيط الهادئ، لكنه ينضم إلى دراسات أخرى عثرت على الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في شرائح المأكولات البحرية في أجزاءٍ مختلفة حول العالم، ومنها حوض البحر المتوسط، والذي تطل عليه عدد من الدول العربية.

البحر الأبيض المتوسط

تعاون بحثي بين جامعة كاتانيا الإيطالية وجامعتي سوسة والمنستير في تونس، كشف عن وجود الجزيئات البلاستيكية الدقيقة "MPs" في عضلات الأسماك الصالحة للأكل لـ5 أنواع من أسماك الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط.

بدأ الفريق التونسي الإيطالي جمع العينات من الساحل التونسي وأسواق مدينة سوسة المحلية، وكانت الأنواع الخاضعة للبحث، هي:

-سردين البلشار الأوروبي

-سمك الدنيس

-بربوني أحمر مخطط

-بلح البحر المتوسط

-سمك موسى

وأظهر التحليل وجود الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بكميات وفيرة في جميع عينات لحوم الأسماك الـ5 التي تعيش في الساحل الجنوبي للبحر المتوسط، مع اختلاف أحجام الجسيمات، حيث تميل شظايا البلاستيك إلى التراكم البيولوجي في الكائنات الحية وداخل أنسجة العضلات.

وقد عثر فريق البحث على أعلى مستوى من الجزيئات الدقيقة "MPs" في السمك البربوني الأحمر، باعتباره أكثر تعرضاً للنفايات البلاستيكية كونه يعيش في المياه الضحلة، ويليه سمك موسى.

لا يزعم العلماء أنه على البشر التوقف عن تناول المأكولات البحرية تماماً، ولكن من المهم أن يفهم المستهلكون والعلماء مستوى التعرض للجسيمات الدقيقة، لأن هذه الملوثات باتت منتشرة في كل مكان، في الهواء والماء وفي العديد من الوجبات الأخرى غير المأكولات البحرية، لأن ما يخرجه الإنسان إلى البيئة يعود مرة أخرى إليه.

ويعمل بعض الباحثين حالياً على إيجاد طرق لوقف تصريف النفايات البلاستيكية إلى البحر، ولكن تبقى الطريقة الفعالة الوحيدة لوقف التدفق البلاستيكي هي عدم استخدام البلاستيك.