اليوم العالمي للسكان.. هل تساهم اللاإنجابية في إنقاذ الأرض؟


سلمى عرفة
الثلاثاء 11 يوليو 2023 | 09:41 صباحاً

ثمانية مليارات نسمة أو يزيد يعيشون على كوكب الأرض، ترافقهم أحلامهم ومخاوفهم من العالم الذي بدأت ملامحه تتغير عن الصورة التي اعتادوها بفعل عوامل عديدة؛ أبرزها التغيرات المناخية، وما خلَّفته من ظواهر لا يمكن التحكم بها.

يوماً تلو الآخر، تطال آثار الاحتباس الحراري المزيد من جوانب الحياة اليومية لساكني الكوكب؛ فمن أزمات الغذاء وندرة المياه إلى صعوبات التعامل مع موجات الطقس المتطرف، باتت الأسئلة تتردد في ذهن كثيرين حول فكرة الإنجاب.

وسط أعاصير تبتلع ما تجده في طريقها، وجفاف يأكل مساحات واسعة من المحاصيل، وموارد مائية تتراجع بمرور الوقت، قد تتحول فكرة انضمام طفل جديد إلى الأسرة إلى قرار خطير مع عدم ضمان الموارد التي توفر له أساسيات الحياة.

التردد في قرار الإنجاب بسبب الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية وصل إلى فئة الشباب في العالم العربي؛ إذ كشف استطلاع لبرنامج U- Report التابع لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، أن 44% من الشباب المستطلعة آراؤهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيدون النظر في فكرة الإنجاب.

النتائج كشفت كذلك أن 31% من الشباب في المنطقة يعانون من تراجع كميات الغذاء بفعل آثار التغيرات المناخية، ولم يتجاوزهم سوى سكان منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 52%.

ارتفع عدد سكان العالم العربي من 375 مليون نسمة في 2011 إلى 450 مليوناً في 2021 ورغم ذلك تقتصر الانبعاثات التي تتسبب فيها المنطقة العربية على أقل من 5.5% من النسبة العالمية

المنطقة العربية تصدرت نتائج الاستطلاع بنسبة 35% عند الحديث عن تزايد صعوبة الحصول على المياه النظيفة، ووصلت إلى 70% من عينة البحث بالنسبة إلى التفكير في قرار الانتقال إلى مدينة أو بلد آخر هرباً من الظواهر الناتجة عن الاحتباس الحراري.

اتهام الزيادة السكانية

على الجانب الآخر، هناك من يُلقي باللوم على الزيادة السكانية في تفاقم أزمة المناخ؛ فكل مولود يأتي إلى عالمنا يحتاج إلى طعام ومياه وبيت يسكنه ومنتجات يستخدمها؛ ما يعني المزيد من استهلاك الطاقة، ومساحات أكبر من اليابسة؛ أي ارتفاعاً بالتبعية في انبعاثات غازات الدفيئة.

في الوقت الذي تضاعف فيه عدد البشر خلال الخمسين عاماً الأخيرة، انخفض عدد الكائنات في الحياة البرية بنسبة 69%، وشهدت 70% من مساحة اليابسة على الكوكب تغيراً في طبيعتها.

في مقال لها بموقع Scientific American، تربط مديرة قسم الاستدامة والسكان في مركز التنوع البيولوجي بالولايات المتحدة ستيفاني فيلدشتاين، بين تغير شكل المجتمع نحو عدد أقل من المواليد، وبين القدرة على مواجهة التغيرات المناخية، ومن ثم تراجع كمية انبعاثات غازات الدفيئة.

إيجاد علاقة بين اللاإنجابية بمواجهة الاحتباس الحراري/ تحول في بعض مناطق العالم إلى كيانات قائمة، منها حركة British Strike في بريطانيا، التي تضم نساءً يرفضن فكرة الإنجاب حتى يتحد العالم في مواجهة أزمة المناخ.

شهادة براءة

لكن الأمر – بحسب خبراء آخرين – ليست بتلك البساطة؛ لأن المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان ليست بالضرورة أكثر مساهمةً في الانبعاثات، ومن ثم فإن العلاقة بين تقليل عدد البشر من أجل إنقاذ الكوكب قد لا تكون طردية كما يروج لها؛ إذ يعتمد الأمر بصورة أكبر على أنماط الاستهلاك، وأسلوب الحياة غير الصديق للبيئة.

على سبيل المثال، ارتفع عدد سكان العالم العربي من 375 مليون نسمة في 2011 إلى ما يزيد على 450 مليون نسمة في 2021. وبحسب آخر البيانات المتاحة، تقتصر الانبعاثات التي تتسبب فيها المنطقة العربية على أقل من 5.5% من النسبة العالمية.

على الجانب الآخر، وصل نصيب الولايات المتحدة، التي يقل عدد سكانها عن 340 مليون نسمة، إلى 14% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي انطلقت في الغلاف الجوي عام 2021، وفقاً لإحصائيات Statista.

الانبعاثات الناتجة عن إنجاب طفل واحد في الدول المتقدمة تقدر بما يقارب 60 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً ما يعني أن تقليل عدد أفراد الأسرة سيُساهم بالفعل في مواجهة الأزمة

المثال ينطبق كذلك على قارة ‘فريقيا؛ فعلى سبيل المثال، يتخطى عدد سكان كينيا 50 مليون نسمة، لتفوق بذلك ولاية وايومنج الأمريكية بأكثر من 90 مرة، لكن الأخيرة تتسبب في قدر أكبر من الانبعاثات الكربونية بفارق 3.7 مرة.

مسؤولية محدودة

العالِمة الكندية كاثرين هايهو – وهي كبيرة علماء مؤسسسة Nature Conservancy – تقول إن 80% من سكان العالم يتسببون في نسبة صغيرة من الانبعاثات، ومن ثم تتحمل البقية المسؤولية الأكبر، حسبما نقل موقع "يورونيوز".

تاريخياً، تقتصر كميات غازات الدفيئة التي تسبب فيها 50% من الفئات الأفقر في العالم على 7% فقط. وهناك فجوة أخرى في تقييم الأزمة رصدها تقرير صادر عن منظمة Founders Pledge، وتشير إلى أن معظم الدراسات التي تحدثت عن أثر التغيرات المناخية في تغيير قرارات الأشخاص، تتجاهل تغيير سياسات الحكومات بشأن البيئة، وهي التغيرات المُتوقَّع أن تزداد صرامةً على مدى الأجيال.

تقدر الانبعاثات الناتجة عن إنجاب طفل واحد في الدول المتقدمة بما يقارب 60 طناً من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ومن ثم فإن تقليل عدد أفراد الأسرة سيُساهِم بالفعل في مواجهة الأزمة، بحسب دراسة سابقة.

التقرير لجأ إلى احتساب الأهداف المناخية والسياسات المتوقعة للدول، ليكشف أن الانبعاثات السنوية التي يمكن منعها بالامتناع عن إنجاب طفل واحد، تتساوى مع التخلي عن رحلتين فحسب من رحلات الطيران العابرة للمحيط الأطلسي.