تعد الحلويات جزءاً لا يتجزأ من مظاهر رمضان التقليدية، الكنافة والقطايف والبقلاوة، إضافةً إلى العصائر والمشروبات المحلاة بالسكر، كلها تحمل طعماً ونكهة حلوة المذاق، لكن تأثيرها على الصحة والبيئة ليس بحلاوة طعمها.
لقد تضاعف استهلاك السكر في العالم 4 مرات خلال نصف القرن الماضي، ويشكل السكر الآن حوالي 8% من إجمالي السعرات الحرارية التي يتناولها البشر، حسب موقع The conversation.
إدمان السكر والمخاطر الصحية
تحتوي السعرات الحرارية التي توفرها السكريات المضافة على قيمة غذائية قليلة، حيث تخلو من الفيتامينات والألياف، كما أنها لا تعطي نفس الشعور بالشبع مثل الأطعمة التقليدية، لذا يرتفع إجمالي مدخول الطاقة للجسم ما يسبب السمنة، وتشير تقديرات "World Obesity Atlas" إلى أن نصف سكان العالم قد يعانون من زيادة الوزن والسمنة بحلول عام 2035.
وقد بات من المعروف عالمياً حالة "إدمان السكر"، وهو مصطلح يصف الرغبة المتزايدة في تناول المأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من السكر، ورغم أن احتياج الجسم للسكريات يعد أمراً طبيعياً، لكن تناول السكر بكميات مركّزة، تزيد عن حاجة الجسم الطبيعية، قد يسبب مخاطر صحية منها مقاومة الإنسولين، والاكتئاب، وزيادة نسبة الإصابة ببعض الأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب والشرايين.
المخاطر البيئية
السكر ضمن قائمة المحاصيل الأكثر زراعة حول العالم، لذا فهو مسؤول عن العديد من المشاكل البيئية، منها تلوث المياه والتربة والهواء داخل البيئات المحلية في عدة دول تشمل الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والهند والبرازيل.
وتذكر دراسة جديدة منشورة في دورية "الأكاديمية الوطنية للعلوم "PNAS" أن زراعة السكر تؤدي إلى تفتيت كبير للموائل وفقدان التنوع البيولوجي، نتيجة للتغيرات الهائلة في استخدام الأراضي، وتسرب المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة، وخاصةً قصب السكر، والذي يُنتج كمحصول أحادي الزراعة، من دون تناوب، داخل المناطق الاستوائية الغنية بالأنظمة البيئية المتنوعة والمميزة.
الفوائد البيئية لقليل استهلاك السكر
مع ارتباط الاستهلاك المفرط للسكر بالأمراض، وإثارة المخاوف البيئية المتعلقة بزراعة محاصيل السكر، توصي المجتمعات العلمية بتقييد تناول السكر إلى أقل من 5 إلى 10% من إجمالي السعرات الحرارية الغذائية.
وتطرح دراسة بريطانية-صينية مجموعة من الفوائد، التي تعود على البيئة مع تطبيق سيناريو الاستهلاك المنخفض للسكر وتقليل زراعة المحاصيل السكرية (القصب والبنجر).
أولاً: توفير نحو 9 ملايين هكتار من المساحة الإجمالية العالمية المخصصة لزراعة محاصيل السكر، وتحويل هذه الأراضي إلى استخدامات بيئية أو زراعية مفيدة، على سبيل المثال، زراعة محاصيل غذائية أخرى مهمة تساهم في حل مشكلة انعدام الأمن الغذائي وخاصة الحبوب، التي تتمتع بقيمة غذائية عالية، وتساهم بأكثر من 50% من إجمالي السعرات الحرارية المستهلكة بالعالم.
كما أن تنويع الزراعة واستبدال المحاصيل السكرية بأخرى غير سكرية يمكن أن يدعم صحة التربة الزراعية، ويعمل على تحسين الإنتاجية وزيادة الأرباح الاقتصادية.
ثانياً: بدلاً من تخصيص أراضي المحاصيل السكرية لزراعة محاصيل أخرى، تقترح الدراسة تشجير هذه الأراضي وإعادتها إلى حالتها الأولى كغابات طبيعية، وبذلك تتحول إلى مخازن كربون عملاقة، تمتص وتخزن ما يعادل 99 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً أو حوالي 2 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون على مدار العشرين عاماً الأولى، ما يؤدي إلى إبطاء وتيرة تغير المناخ.
وستساهم هذه الغابات في دعم الأنظمة البيئية وبالتالي التنوع البيولوجي، بجانب تحسين القدرة على الصمود في مواجهة الظروف المناخية المتطرفة مثل الفيضانات بسبب كثافة الغطاء النباتي الطبيعي، الذي يعمل كحاجز أكثر فعالية للمياه.
ثالثاً: تقترح الدراسة، التي أجرتها جامعتي اوكسفورد وبكين؛ سيناريو آخر يتمثل في توجيه فائض إنتاج السكر والكمية المتوفرة من تخفيض الاستهلاك البشري لأغراض أخرى أكثر استدامة منها إنتاج الوقود الحيوي.
يمثل قصب السكر أحد مصادر الوقود الحيوي؛ حيث تستخلص مادة الإيثانول من تخمر السكر الطبيعي، والتي تعتبر طاقة متجددة مصدرها المحاصيل الزراعية، على عكس الوقود الأحفوري.
ومع تطور تكنولوجيا إنتاج الإيثانول خلال العقود الأخيرة، يمكن استغلال محصول السكر في زيادة إنتاج الوقود الحيوي، وتتوقع الدراسة إنتاج ما يقرب من 198 مليون برميل من مادة الإيثانول، يتم استخدامها كبديل للوقود الأحفوري، ما يخفض الانبعاثات الكربونية بنحو 89 مليون طن سنوياً.
تقدم سيناريوهات تخفيض استهلاك السكر حلولاً لتحسين إنتاج الغذاء واستخدام الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه والطاقة، ما يصب في مصلحة تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالعالم، لذلك علينا اعتبار شهر رمضان الكريم فرصة ذهبية لاعتماد نمط حياة "قليل السكر" يحقق فوائد بيئية وصحية كبيرة للجميع.