في باكو عاصمة أذربيجان، انطلق مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)، ورغم آلاف الأميال التي تفصل بين العالميّن القديم والحديث، يلقي فوز دونالد ترامب بظلاله على أكبر قمة عالمية للمناخ، ويفرض تساؤلاً مهماً: هل يستطيع الوفد الأمريكي المشارك في المفاوضات، إلزام إدارته الجديدة بتنفيذ تعهداتها المالية والمناخية؟ أم أن "البطة العرجاء" تقوض المهمة الأمريكية؟
مرحلة "البطة العرجاء"
فترة انتقالية تستغرق نحو 11 أسبوعاً تبدأ من يوم إعلان نتائج الانتخابات وتستمر حتى التنصيب في 20 يناير المقبل، وخلال هذه المدة تنتقل السلطة من الإدارة الحالية للرئاسة الأمريكية إلى القيادة الجديدة المنتخبة.
البطة العرجاء أو الـ"lame duck" تعبير شائع في السياسة الأمريكية، ينطبق هذا الوصف على أي سياسي انتهت ولايته، مثل الرئيس الذين يقضي أشهره الأخيرة في المنصب، وهي المرحلة السياسية التي دخلها حالياً الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة.
وأثناء هذه الفترة يبقى الرئيس الأمريكي دون صلاحيات قوية ويتراجع نفوذه السياسي، لأن التركيز يتحول إلى الإدارة القادمة، ورغم أنه لا يزال يمتلك السلطة المطلقة، لكن قدرته على اتخاذ قرارات مهمة تكون محدودة بسبب وضعه المؤقت سياسياً، ويعي تماماً قادة العالم ومسؤولي ملفات المناخ حالياً وضع إدارة بايدن باعتبارها "بطة عرجاء".
وفي الواقع، هذا الوضع السياسي يحدث بشكل مستمر بعد كل انتخابات أمريكية وتزامناً مع انتقال السلطة في البيت الأبيض، فلماذا يشعر قادة العالم في قمة المناخ بالقلق هذه المرة، ولماذا تصرح الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي كريستيانا فيغيريس، قائلة: "ستُنظر إلى نتيجة هذه الانتخابات على أنها ضربة قوية للعمل المناخي العالمي"؟.
الترامبية وأزمة المناخ
نستطيع أن نجد إجابة السؤال السابق في المصطلح السياسي "Trumpism" أو الأيديولوجيا السياسية التي ينتهجها ترامب منذ ولايته الأولى، والتي ترفع شعار أمريكا أولاً، أو باختصار مصلحة الولايات المتحدة تسبق كل شيء، الشعار الذي يدعو إلى تجاهل الشؤون العالمية والتركيز فقط على السياسات الداخلية، حتى إن ترامب يؤكد على إمكانية انسحاب الولايات المتحدة من المعاهدات والمنظمات الدولية في حال تطلب الأمر ذلك.
وفيما يخص ملف المناخ، فقد وصف دونالد ترامب تغير المناخ بأنه "خدعة" في مقابلة تلفزيونية عام 2022، بعد أن ظل يشكك لسنوات في علم المناخ، ويقول إنه لا يؤمن بشكل كبير في قضية تغير المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية.
ترامب الذي يؤيد صناعة الوقود الأحفوري، وعد خلال حملته الانتخابية بإلغاء قوانين المناخ إذا تبرع رؤساء شركات النفط الأمريكية بمبلغ مليار دولار لحملة ترشحه للرئاسة، حسب قناة MSNBC الأمريكية.
وربما قد بدأ ترامب بالفعل في تنفيذ وعوده، وحسب صحيفة نيويورك تايمز، التي ذكرت أنه بعد يومين فقط من إعلان نتائج الانتخابات، يستعدّ الرئيس الأمريكي الفائز للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، وإلغاء اتفاقيات تقليل التلوث، حيث يعد فريق ترامب في الوقت الحالي عدداً من الأوامر التنفيذية من أجل الخروج من اتفاق باريس والسماح بمزيد من أعمال التعدين.
تأثير ترامب على "كوب 29" وقضية المناخ
كشفت محررة شؤون البيئة في صحيفة "الجارديان"، فيونا هارفي، في تقريرها لتغطية افتتاح المؤتمر أن تفاعل قادة المناخ مع نتيجة الانتخابات الأمريكية يعكس حالة من القلق، حيث قالت: "إن إدارة ترامب تشكل بلا شك كارثة بالنسبة للقمة الدولية وللعمل المناخي العالمي، لأن ترامب يؤيد صناعة الوقود الأحفوري".
وأكملت في تقريرها: "سيؤدي انتخاب ترامب إلى تعقيد التعاون الدولي في مجال المناخ لفترة طويلة، وخاصةً أن الولايات المتحدة تستهدف إعادة تعريف التكتلات الاقتصادية العالمية، والتي تحددت مع توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ عام 1992، وأنشأت حينها قائمة للبلدان المتقدمة وأخرى للدول النامية، وقد تغير الاقتصاد العالمي بشكل كبير منذ ذلك الحين".
ولفتت إلى أن الولايات المتحدة تريد انسحاب الصين من كتلة "الدول النامية"، وتساهم بشكل أكبر في تمويل المناخ، باعتبار أن بكين تُعد أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ولديها ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
في المقابل قالت إن الصين تتهم الولايات المتحدة بعدم تقديم حصة عادلة في تمويل المناخ، وهو المفهوم الذي يرفضه البيت الأبيض، ومن المتوقع أن تصبح الأمور أكثر تعقيداً مستقبلاً في ظل إدارة ترامب، والبشرية هي من ستدفع الثمن.
وحذرت محررة "الجارديان"، من سياسات ترامب المعادية للبيئة وخاصةً إذا انسحبت واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ، لوجود خطر يتمثل في الدول التي قد تختبئ وراء "مقاومة ترامب ورفضه لقضية المناخ"، ما يوفر غطاءً سياسياً لإدارات تلك الدول التي تتجاهل العمل المناخي.
بينما أمضت إدارة بايدن سنوات في العمل على سد الفجوة مع الصين ودول أخرى بشأن المناخ، وتعزيز التعاون، رغم العداء السياسي أو الاقتصادي، لكن يبدو أن هذا الجهد الدبلوماسي لن ينجو في ظل رئاسة ترامب، وفقاً للتقرير.
توقعات قمة المناخ
أما عن توقعات نتائج المؤتمر، فقد قالت مراسلة الجارديان في باكو أن احتمالات التوصل لنتائج قوية في الدورة 29 تبدو "ضئيلة"، في ظل تصاعد الأصوات اليمينية المتطرفة - حسب وصفها- المناهضة لهدف صفر انبعاثات كربونية، سواء في الولايات المتحدة أو أوروبا وأماكن أخرى.
وفي ختام تقريرها أشارت إلى وجود أمل أن تقدم قمة المناخ الحالية، حلولاً للقضية الملحة المتمثلة في تمويل المناخ، بحيث يكون "كوب 29" هو أول مؤتمر دولي ينصب فيه الاهتمام على التمويل؛ إذ يتطلب اتفاق باريس لعام 2015 من الموقعين عليه تحديد هدف جديد لتمويل المناخ بحلول عام 2025، لمساعدة الدول الأكثر فقراً على إدارة آثار أزمة المناخ والحد من انبعاثات المسببة للاحتباس الحراري العالمي.
وأكدت أنه دون استثمار كبير في تمويل المناخ سيكون من المستحيل تقليل الانبعاثات ومعالجة أزمة المناخ والتحول إلى الطاقة النظيفة.