خزان الكربون العملاق يختنق.. ماذا يعني نقص الحديد بمنطقة الشفق المحيطي؟


مروة بدوي
الاربعاء 16 أكتوبر 2024 | 06:24 صباحاً

نقص الحديد في الجسم البشري يؤدي لأزمات صحية أبرزها فقر الدم، ماذا لو علمت إن نقص الحديد أيضاً في البيئة يسبب أزمة عالمية تفاقم التغيرات المناخية.

يحمل المحيط العديد من الأسرار، ومنها منطقة الشفق المحيطي، ذلك العالم الذي يسوده الظلام، ويلعب دوراً حيوياً في تنظيم مناخ الأرض ودعم الحياة البحرية، لكنه بات يعاني من انخفاض نسبة الحديد بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى سلسلة من التداعيات تؤثر على أنماط المناخ العالمي والنظم البيئية المائية.

منطقة الشفق المحيطي

طبقة أفقية معتمة من المحيط تمتد حول العالم، تقع على عمق يتراوح ما بين 200 و1000 متر تحت سطح الماء، وهي باردة وضوؤها خافت، لكنها طبقة بالغة الأهمية يطلق عليها نطاق الشفق أو Twilight zone، لضآلة كمية الضوء وأشعة الشمس التي تصل إليها، فتبدو كالشفق عند الغروب

منطقة الشفق بالوعة ضخمة للكربون

تمتص المحيطات نحو ربع كمية ثاني أكسيد الكربون الذي تطلقه الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي، وفقاً لمعهد "وودز هول" لدراسة المحيطات "WHOI"، وتلعب منطقة الشفق دوراً مهماً في نقل الكربون من المياه السطحية إلى أعماق المحيطات، ومنعه من العودة إلى الهواء كغاز دافيء يحبس الحرارة، وكثيراً ما يطلق على هذه العملية "المضخة البيولوجية" للمحيطات.

وتبدأ هذه العملية متعددة الخطوات، في المياه السطحية، مع وجود الكثير من الضوء؛ حيث تستخدم الكائنات الحية الدقيقة الشبيهة بالنباتات، والتي تسمى العوالق النباتية، ضوء الشمس لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى طاقة ومادة غذائية تسمح لها بالنمو، وبدورها، تصبح هذه العوالق النباتية غذاءً للحيوانات الصغيرة، المعروفة باسم العوالق الحيوانية، التي توفر الغذاء للأسماك  والحيوانات الأخرى التي تعيش في منطقة الشفق.

وهكذا ينتقل الكربون إلى المياه العميقة؛ عبر حيوانات منطقة الشفق التي تهاجر يومياً إلى سطح البحر حتى تتغذى على العوالق الحيوانية، وتحمل معها الكربون الموجود في طعامها إلى منطقة الشفق بعد عودتها.

وعبر هذه السلسلة الغذائية يصل نحو 90% من الكربون إلى منطقة الشفق، ويظل معزولاً عن الغلاف الجوي لمئات أو حتى آلاف السنين، ثم يغوص إلى أعماق المحيط عندما تموت حيوانات منطقة الشفق أو عند إخراج فضلاتها الغنية بالكربون.

دراسة حديثة

تكشف دراسة حديثة، قادها علماء من جامعة جنوب فلوريدا ومعهد وودز هول لدراسة المحيطات"WHOI"، أكبر معهد مستقل لأبحاث المحيطات في الولايات المتحدة، أن الميكروبات أو الأحياء الدقيقة التي تعيش بمنطقة الشفق، في معظم أنحاء شرق المحيط الهادئ، تعاني من نقص مرتفع في الحديد، وهذه الميكروبات مسؤولة عن تفتيت وتحليل المواد العضوية أثناء غرقها عبر منطقة الشفق، وتحديد كمية الكربون المخزنة في أعماق المحيط.

ويشير ذلك إلى أن عملية "مضخة الكربون البيولوجية"، التي تساعد في تنظيم مناخ الأرض عن طريق نقل الكربون من الغلاف الجوي إلى أعماق البحار، قد تحدث بشكل أقل كفاءة من الطبيعي، لأن الميكروبات التي تعاني من نقص الحديد قد تعالج المواد العضوية الغارقة بطريقة مختلفة وغير معتادة، مما قد يؤثر على قدرة المحيط على امتصاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

يوضح تيم كونواي، الأستاذ بكلية علوم البحار بجامعة جنوب فلوريدا والمؤلف المشارك بالدراسة، إن فهم الكائنات الحية التي تسهل امتصاص الكربون في المحيط أمر مهم لفهم تأثيرات تغير المناخ، فعندما تنزل المادة العضوية من سطح المحيط إلى أعماقه، فإنها تعمل كمضخة بيولوجية تزيل الكربون من الغلاف الجوي وتخزنه في مياه البحر، وقياس العمليات التي تؤثر على هذه المضخة يمنح العالم رؤية كاملة حول كيفية ومكان تخزين المحيط للكربون.

ويضيف "كونواي" أن هذا الاكتشاف، يغير فهمنا لكيفية تحرك الكربون عبر المحيط، وأهمية منطقة الشفق في مضخة الكربون البيولوجية المحيطية.

ويقترح "كونواي" أن نقص الحديد قد يكون سمة مشتركة في أحواض المحيطات الأخرى مما يؤثر على المناخ في جميع أنحاء العالم.

دعم شبكات الغذاء المحيطية

وتقدم منطقة الشفق خدمات بيئية مهمة، بجانب تخزين الكربون، منها دعم شبكات الغذاء المحيطية، حيث تزخر المنطقة بالحياة، وتشير الدراسات الحديثة إلى أن الكتلة الحيوية للأسماك في منطقة الشفق قد تكون أكبر من الكتلة الحيوية للأسماك في بقية المحيط مجتمعة.

كيف تدعم منطقة الشفق شبكات الغذاء المحيطية؟

وفرة الكائنات الحية في منطقة الشفق يدعم شبكة غذائية معقدة، ترتبط بكل من أعماق المحيط وسطحه، فالحيوانات الميتة وكتل العوالق الميتة والبكتيريا والفضلات والجسيمات الأخرى الغنية بالكربون العضوي تغوص كلها من المياه السطحية عبر منطقة الشفق إلى أعماق المحيط، مما يوفر الغذاء لحيوانات منطقة الشفق.

كما أن بعض سكان منطقة الشفق يرحلون  ليلا إلى السطح للتغذية، ثم يعودون إلى المياه العميقة أثناء النهار، وعلى العكس من ذلك، سكان سطح المحيط مثل الحيتان والتونة وأسماك القرش وغيرها من الحيوانات المفترسة تغوص في أعماق منطقة الشفق للتغذية.

اكتشاف نقص الحديد في منطقة الشفق يفتح الباب أمام أسئلة جديدة حول تأثير تغير المناخ على توفر الحديد في المحيط، وبالتالي على دور المحيطات في تخزين الكربون، ومع ارتفاع درجات حرارة المسطحات المائية وتغير أنماط دورة الكربون، قد يختل توازن العناصر الغذائية مع تأثيرات متتالية على النظم البيئية البحرية والمناخ العالمي، وسوف تحتاج البحوث المستقبلية إلى التركيز على حيوانات منطقة الشفق للتنبؤ بدقة باستجابة المحيطات للتغيرات المناخية.