البيض رمز أصيل للحياة ونشأتها، إذ تحتضن الجنين حتى يكتمل نموه ويخرج للنور، ولقد تطورت البيضة بشكل كبير عبر ملايين السنين الماضية، وتغيرت مع مرور العصور الجيولوجية وتغير المناخ والكوارث البيئية، واليوم تخوض معركة جديدة مع أزمة التغير المناخي.
البيض أو هذه الأوعية الحية التي تتمتع بقدرة مذهلة على التكيف، كيف تأثرت بالتغيرات المناخية التي يعاني منها الكوكب حالياً، وما هي تداعيات ذلك على دورات حياة الحيوانات؟
الوضع المبكر للبيض
موجات الاحترار تعمل على قلب عادات وأنماط الحياة البرية، ودفعت العديد من أنواع الطيور إلى وضع بيضها مبكراً قبل الأوان المعتاد.
وجد الباحثون في أمريكا الشمالية أن نحو ثلث أعداد الطيور أصبحت تبيض مبكراً بنحو 25 يوماً، مقارنة بما كانت عليه منذ قرن تقريباً، كما أنها باتت تبني أعشاشها في وقت مبكر خلال فصل الربيع أو ربما قبل حلوله بعدة أيام.
كيف يتأثر البيض بتداعيات التغير المناخي؟
أرجع الباحثون السبب إلى أن هذه الطيور تتغذى على الحشرات التي تغير سلوكها بفعل تغير المناخ؛ لأن الأشجار والنباتات أصبحت تزهر في وقت مبكر بفصل الربيع، ويصاحب ذلك ظهور الحشرات، الطعام المفضل للطيور، وبالتالي باتت الأخيرة مجبرة على أن تبيض مبكراً لضمان توافر الغذاء الموسمي لها ولصغارها.
ويعتقد العلماء أن هذه التغيرات السلوكية للطيور من ضمن الأسباب وراء انخفاض عددها في قارة أمريكا الشمالية، حيث فقدت الولايات المتحدة وكندا 29% من أعداد الطيور لديهما على مدار نصف القرن الماضي، وهو ما يبلغ 3 مليارات طائر، وفقاً لتقرير شبكة CBS NEWS.
وبسبب تغير المناخ، فإن عملية تفقيس بيض الحشرات باتت أسرع، ويشير موقع "Time" الى أن بيض الفراشات والعث في المملكة المتحدة يفقس مبكراً بنحو ستة أيام مقارنة بما كانت عليه قبل عشر سنوات فقط.
كيف يتأثر البيض بتداعيات التغير المناخي؟
وفي الولايات المتحدة، يفقس بيض العديد من حشرات المن، التي تعتبر آفة على الأشجار والنباتات الأخرى، قبل شهر كامل من موعده المعتاد منذ 50 عاماً.
كما أن ارتفاع درجات الحرارة لا يسمح للكثير من بيض السلاحف البحرية باستكمال دورته ويعرضه للتشوه، علاوة على دور الاحترار في تغيير طبيعة البيض، حيث يرتبط تحديد جنس أجنة السلاحف بدرجة الحرارة، ومع ارتفاع الحرارة يتحول المزيد من الاجنة إلى إناث بينما يتناقص عدد الذكور.
كيف يتأثر البيض بتداعيات التغير المناخي؟
تأثير العواصف
لعل الخطر الأكثر ضرراً على بيض الفقاريات وخاصة السلاحف البحرية نتيجة أحداث الطقس المتطرفة، هو ما تفرضه العواصف غير المتوقعة على أعشاش السلاحف على الشاطئ، حيث لا يملك البيض وقتاً للتكيف مع التغيرات المناخية في هذه الحالة المفاجئة.
على سبيل المثال، شهد إعصار إيرما في عام 2017 تدمير 56% من أعشاش السلاحف الخضراء و24% من أعشاش السلاحف ضخمة الرأس على ساحل فلوريدا، وفي عام 2019، قتل إعصار فلوريدا نحو 100 ألف من صغار السلاحف في مرة واحدة.
كيف يتأثر البيض بتداعيات التغير المناخي؟
تأثير التلوث
ربطت عدة دراسات بين التغيرات البيئية وترقق قشرة البيض، ووجود صلة بين "المطر الحمضي" وزيادة تشوهات قشرة بيض الطيور وتقليل سمكها بشكل مستمر، مما يجعلها رقيقة وسهلة الكسر، ويتسبب ذلك في انخفاض الأعداد البرية.
الفائزون من أزمة المناخ
هناك العديد من الخاسرين لكن يوجد أيضاً القليل من الفائزين، بيض بعض الأنواع قد يستفيد أحياناً من تغير المناخ.
من المعروف أن فصول الشتاء الباردة كانت تقضي على بيض الحشرات الذي لا يتحمل البرودة، أي أنها كانت بمثابة حاجزاً طبيعياً يحد من تكاثر وانتشار الأنواع الغازية، لكن الوضع تغير بسبب فصول الشتاء الأكثر اعتدالاُ وحرارة، التي تشهدها معظم بلدان العالم، ونتيجة ذلك زادت أعداد الحشرات بوتيرة سريعة.
كيف يتأثر البيض بتداعيات التغير المناخي؟
ويعتقد علماء الحيوان أن هذه الزيادة كانت السبب وراء تغير توزيع الحشرات الجغرافي وانتشارها في أماكن جديدة، على سبيل المثال، قد جلب البعوض أمراضاً جديدة إلى القارة الأوروبية في العقد الماضي، بما في ذلك حمى الضنك إلى فرنسا وكرواتيا، وحمى شيكونغونيا في إيطاليا والملاريا في اليونان.
قد يساعدنا بيض الحيوانات جزئياً في فهم التغيرات البيئية بشكل أفضل، وإذا راقبه البشر عن كثب، فسوف يكون لدينا الكثير من البيانات التي تجعلنا قادرين على الحد من تأثيرات تغير المناخ، ومواجهة أزمة انقراض الحيوانات والحفاظ على التنوع الاحيائي.