يتنامى عدد القراء الذين يتحولون من الكتب الورقية إلى نظيرتها الرقمية كل عام، لكن لا تزال الكتب التقليدية أكثر شعبيةً، ويصدر سنوياً نحو 4 ملايين كتاب جديد.
ومن المتوقع أن ينفق قراء الكتب الورقية والإلكترونية نحو 174 مليار دولار على الإصدارات المفضلة لديهم بحلول عام 2030، بحسب "موقع دويتشه فيله".
كل هذه الأعداد من الكتب تفرض سؤالاً: ما الاختيار الأكثر صداقةً للبيئة من بين الكتاب الورقي والإلكتروني؟
في الواقع، قد تنقذ الكتب الرقمية أشجار الغابات، لكنها تنتج أيضاً نفايات إلكترونية سامة. ورغم البصمة الكربونية المرتفعة لإنتاج مليارات الكتب المطبوعة، فما زال الورق يمثل مورداً مستداماً إذا أعيد تدويره؛ لذلك لا توجد إجابة محددة على السؤال السابق؛ لأن التأثير البيئي لكل من الكتب الورقية والإلكترونية معقد، ويعتمد على عدة نواحٍ أو مراحل:
عملية الإنتاج
لنبدأ من مرحلة ما وراء الكواليس، أو ما يتطلبه إنتاج كتاب ورقي أو رقمي.
تعد الكتب والقصص الورقية بمنزلة نعمة عرفتها الإنسانية منذ قرون، لكن إنتاج هذه النعم يلتهم الكثير من أشجار الغابات التي تدعم الحياة البرية، وتطلق هواءً نظيفاً، وتساعد على تخزين الكربون.
كما أن عملية تصنيع الورق والطباعة تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والمياه، وأيضاً عمليات الشحن والتوزيع للكتب ينتج عنها كمية من الانبعاثات الكربونية تعتمد على طول المسافة ووسيلة النقل.
لذلك قد تبدو الفائدة البيئية المباشرة للكتب الرقمية هي إنتاج آلاف الكتب دون استخدام الورق أو استهلاك المياه والطاقة في عملية التصنيع، لكن كما هو الحال مع الكتب الورقية، فإن مرحلة إنتاج الأجهزة التي تعرض الكتب الرقمية مسؤولة عن التأثير الأكبر على المناخ.
إنتاج الأجهزة الرقمية يمثل عملية كثيفة الاستخدام للمياه والطاقة، ويمكن أن يتضمن تصنيعُ البطارية استخراجَ المعادن النادرة مثل النحاس والليثيوم، وغالباً ما يكون الجهاز نفسه مصنوعاً من البلاستيك.
مرحلة القراءة
يستخدم قراء الكتب الإلكترونية الكهرباء لشحن الأجهزة مراراً وتكراراً، ويعتمدون على البنية التحتية لمركز البيانات لتخزين وإرسال ملفات الكتب الإلكترونية. ويختلف استهلاك الطاقة بشكل كبير تبعاً لنوع الأجهزة، سواء شاشات الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية.
أما مع الكتاب الورقي، فلا يتطلب الأمر اتصالاً بالإنترنت أو شحناً، يمكن أن تستمر النسخ الورقية لعقود من الزمن، ويمكن أن يتشاركها عدة أشخاص، أما استخدام القارئ الإلكتروني للكتاب فيستمر عادةً من ثلاث إلى خمس سنوات.
مرحلة إعادة التدوير
إن الطريقة التي تتم بها إعادة تدوير الكتب الورقية أو أجهزة القراءة الإلكترونية لها تأثير مهم على البصمة البيئية الإجمالية.
في العموم، لا يُعَد التخلص من الكتب الورقية أو إعادة تدويرها أمراً معقداً، ويمكن إطالة عمرها عبر مشاركتها وإعارتها إلى عدة أشخاص. أما أجهزتك الرقمية فعليك إعادة تدويرها أو بيعها مستعملةً حتى تخفض البصمة البيئية للكتاب الرقمي.
أيهما أفضل لكوكب الأرض
؟
في دراسة أجرتها جامعة طوكيو عام 2017، للمقارنة بين انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن قراءة الكتب العادية والقراءة الإلكترونية، وجدت الدراسة أن الكتب الرقمية أكثر ملاءمةً للمناخ.
قد تكون البصمة الكربونية للكتب الورقية مرتفعة؛ حيث تُولِّد دورة الحياة الكاملة للكتاب من مرحلة الإنتاج حتى النقل من الطابعة إلى المستودعات ثم العميل، نحو 0.33 كيلوجرام من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، حسب دار النشر العالمية "بنغوين راندوم هاوس".
وإذا كانت التقديرات العالمية تشير إلى أن هناك ما يقرب من 2.2 مليار كتاب ورقي يتم بيعها عالمياً كل عام، فإن المجموع الكلي للبصمة الكربونية للكتب المباعة عالمياً يقدر بـ726 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل تقريباً توفير الكهرباء لـ141 ألف منزل سنوياً.
لكن هناك نقطة قوة تمتلكها الكتب الورقية، وهي النقطة التي تكمن في تخزين الكربون وتأخير الانبعاثات؛ لأن تحول الأشجار إلى ورق يعني تخزين الكربون، وكلما طال عمر الكتب يظل الكربون حبيسها بدلاً من إطلاقه في الغلاف الجوي.
ولذلك تحاول الشركات جعل صناعة الورق إيجابيةً مناخياً عبر زيادة سعة تخزين الكربون، عن طريق إعادة زراعة الأشجار بدلاً من التي تم قطعها لاستخراج الورق؛ ما يزيد الموارد الطبيعية، وربما يجعل ذلك دورة حياة الكتب الورقية مناسبةً أكثر للبيئة.
في كل الأحوال، تبقى الكتب، سواء ورقية أو الإلكترونية، ذات متعة وفائدة كبيرة، فما النوع المُفضَّل لديك أكثر؟