"الحاجة أم الاختراع".. ذلك القول الشهير ربما تتبدل حروفه في ظل تغير مناخي قاسٍ واحترار لا يرحم؛ إذ حفزت الحرارة المتطرفة البشر على الخروج كل موسم صيفي بأفكار تبريد جديدة.
لتحقيق المعادلة والحفاظ على المستقبل من مغبة التغير المناخي، لا بد من أفكار مستدامة تُبرِّد المنزل، لكن لا تزيد من استهلاك الطاقة، فتمنع انبعاثات غازات الدفيئة المسؤولة عن التغير المناخي وارتفاع الحرارة؛ حتى لا ندخل في دائرة مغلقة لا نستطيع الخروج منها.
يجب أن نعتمد على أفكار سهلة التنفيذ وغير مكلفة، يمكن تطبيقها في المجتمعات الهشة والدول الفقيرة والنامية؛ حيث تتحول البيوت هناك إلى أفران من الصعب العيش بها؛ لأن هذه البيئات هي الأكثر تضرراً بتداعيات الأزمة المناخية، رغم أنها الأقل إسهاماً في الانبعاثات الكربونية العالمية.
"جرين بالعربي" سوف تقدم لكم مجموعة من التجارب العالمية والعربية الفعالة لمحاربة الاحترار:
المرايا أو الألواح العاكسة
منظمة MEER مؤسسة غير ربحية تعمل على تطوير عاكسات سطحية غير سامة يمكنها إعادة توجيه أشعة الشمس؛ للتخفيف من ارتفاع درجات الحرارة والحفاظ على الحياة على الأرض. وتتعاون المنظمة مع المجتمعات والمجالس المحلية في مشاريع مشتركة، منها مشروع في إحدى المستوطنات بعاصمة سيراليون التي تقع في غرب إفريقيا؛ حيث شهدت معظم هذه المنطقة مؤخراً موسماً جافاً حاراً بشكل استثنائي؛ ما أدى إلى زيادة المخاطر الصحية وتقليل جودة الحياة في المنطقة.
ويعيش نحو نصف مليون شخص في العاصمة داخل مستوطنات غير رسمية مكتظة بالسكان، أو ما تعرف بمدن الصفيح؛ حيث تم بناء معظم المنازل باستخدام صفائح معدنية مموجة مطلية بالزنك، وهي الصفائح التي تصدأ وتتآكل وتحبس حرارة الشمس؛ ما يجعل موجات الحر خطيرة بشكل متزايد على السكان.
ويعمل مشروع المنظمة على تركيب ألواح عاكسة، مصنوعة من مواد معادٍ تدويرُها، فوق سطح البيوت بهدف خفض درجات الحرارة الداخلية بما يزيد عن 6 درجات مئوية.
وأشار بيتر دينز المدير الإداري للمنظمة، في تقريرٍ نشره موقع "بي بي سي"، إلى أن هناك حاجة ملحة إلى اعتماد حلول قابلة للتطوير وبأسعار معقولة لمكافحة التهديد المتزايد للحرارة والطقس القاسي.
وعلَّق "دينز" بأن استخدام الأسطح العاكسة وسيلةً للتبريد ليست فكرة جديدة، لكنها أثبتت فاعليتها في تقليل تأثير الحرارة على الأفراد والعائلات داخل سيراليون.
الأسطح البيضاء
تعاني الأحياء الفقيرة في جميع أنحاء الهند من الحرارة الشديدة، التي من المتوقع أن تتفاقم سريعاً، وخاصةً داخل المنازل المصنوعة من مواد تحبس الحرارة، مثل الطوب والخرسانة؛ ولذلك نقل المركز الأوروبي للصحافة تجربة إحدى المنظمات المحلية بغرب الهند، التي حاولت تنفيذ مجموعة من حلول التبريد المستدام، ووجدت أن الطلاء الأبيض العاكس لأشعة الشمس هو الأسهل والأقل تكلفةً.
وساعدت المنظمة السكان على طلاء أسطح منازلهم بطلاء أبيض عاكس، وهو ما يمنع الحرارة المرتفعة من اختراق المباني فيخفض درجات الحرارة الداخلية؛ ما ساعد النساء والأطفال الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة على الراحة خلال فصل الصيف، وتحسين صحتهم؛ ما يسمح لهم بالعمل والدراسة في المنزل.
وأجرت جامعة شيكاغو تقييماً حول تأثير الأسطح البيضاء على درجات الحرارة في أحد الأحياء الفقيرة في دلهي. وتوصلت الدراسة إلى انخفاض درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة بعد تطبيق الطلاء الأبيض، لكنها كشفت عن فائدة أخرى؛ حيث أكد السكان عدم حاجتهم إلى استخدام الكثير من المياه لتبريد الأرض كما اعتادوا من قبل، ومن ثم أدى الطلاء الأبيض إلى توفير المياه.
بينما وجدت دراسات أخرى حول تأثير الأسطح البيضاء الباردة داخل المدارس في المناطق الريفية في الهند، أن درجات الحرارة الداخلية انخفضت بمقدار 1.5 إلى 2 درجة مئوية.
هذه التجارب، رغم بساطتها، استطاعت تحقيق الراحة للكثيرين، لكن الأمر يتوقف على البيئة المناسبة لكل فكرة. على سبيل المثال، فإن مشكلة استخدام الدهانات والطلاء الأبيض، خاصةً في المناطق الاستوائية، هي أنها تتسخ بسرعة كبيرة وبسهولة شديدة بسبب الرطوبة والغبار.
وكان الحل هو اعتماد شيء أكثر متانةً وفاعليةً، ويدوم لفترة أطول مثل الألواح العاكسة التي أثبتت فاعلية استخدامها في البيئة الزراعية؛ حيث تساعد في تقليل تبخر المياه الجوفية والحماية من الجفاف؛ ما يجعلها فكرة تناسب المنطقة العربية التي تعاني من ندرة المياه.
حلول لمواجهة الحرارة
حلول عربية
ربما تمثل هذه الأفكار حالياً حلولاً مناخيةً لمواجهة الاحترار، لكن بعض المناطق العربية عرفت بعض هذه الأفكار وطبَّقتها منذ قرون كجزء من طرازها المعماري.
مدينة أسوان المصرية
على سبيل المثال، التراث النوبي المصري بقرية غرب سهيل النوبية، على ضفة نهر النيل بالقرب من مدينة أسوان، جنوب مصر؛ حيث يبني السكان بيوتهم على شكل قباب، وتُدهَن عادةً باللون الأبيض العاكس لأشعة الشمس الذي يحميهم من الحرارة.
حلول لمواجهة الحرارة
كما يُزيِّنونها بكلمات من اللغة النوبية، ويرسمون على جدران البيوت بألوان مبهجة، مثل الأحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر، التي تعكس الضوء وموجات الحرارة.
تتلألأ هذه البيوت على ضفاف النيل بمعمارها المميز وألوانها الجذابة؛ ما حوَّلها إلى مزار سياحي شهير يجتذب السائحين من كل أنحاء العالم، كما أنها تقدم حلاً مناخياً عملياً لمكافحة الاحترار مع الحفاظ على هوية المجتمع المحلي، ونستطيع أن نعمم هذه التجربة في جميع قرى مدينة أسوان التي سجلت أعلى درجة حرارة في العالم، وبلغت 49.6 درجة مئوية في الظل يوم ٦ يونيو الماضي.
حلول لمواجهة الحرارة
مدينة العلا السعودية
ومن أسوان المصرية إلى مدينة العلا السعودية، المعروفة بطقسها الحار، لكنها تُقدِّم نموذجاً معمارياً حديثاً وسط رمال الصحراء الذهبية، وهو قاعة مرايا؛ أكبر مبنى عاكس في العالم، وفقاً لتصنيف موسوعة غينيس للأرقام القياسية.
حلول لمواجهة الحرارة
9 آلاف و740 لوحاً عاكساً تغطي هيكل المبنى، وتعكس جمال التضاريس الصحراوية والجيولوجية؛ هي لوحة فنية معاصرة تلائم عصر الاحترار، وتستطيع مواجهة درجات الحرارة في قلب الصحراء وفي الوقت نفسه تمثل تجربة سياحية من الممكن تطبيقها في المناطق الصحراوية والجبلية العربية.