دائماً ما يأتي تناول اللحوم ضمن قائمة أبرز الأسباب المؤدية إلى تفاقم أزمة التغير المناخي؛ بسبب الكميات الهائلة من غاز الميثان التي تطلقها الماشية التي نعتمد عليها، لا سيما الأبقار.
السبب الرئيسي في انطلاق غاز الميثان هو الطريقة التي تعمل بها أمعاء تلك الحيوانات؛ إذ تنتج ميكروبات المعدة هذا الغاز عند هضم العلف الذي تتناوله.
ووفقاً لدراسة نشرتها دورية "Nature"، يتسبب إنتاج اللحوم فيما يزيد عن 50% من الانبعاثات التي يسببها قطاع الأغذية العالمي.
وتصل كميات الميثان التي تُطلِقها البقرة الواحدة إلى ما يصل إلى 250 رطلاً سنوياً، في وقت يُقدَّر فيه عدد أبقار العالم بما يزيد عن مليار بقرة.
الصورة ليست كاملة
هناك من يرى أن الأزمة لا تكمن في الماشية نفسها، بل في الطريقة التي نُدِير بها هذا القطاع الذي يمكن – في نظر البعض – أن يساعدنا على مواجهة أزمة المناخ.
أحد من يعتقدون بهذا الرأي هو بيتر بيك العالم في كلية الاستدامة بجامعة ولاية أريزونا الأمريكية، الذي قال، في تصريحات لمجلة تايم: "بالتأكيد، تُطلق الأبقار غاز الميثان، لكن هذه ليست القصة كاملةً".
يرى "بيك" أن تربية الأبقار على نطاق واسع بالصورة التي هي عليها حالياً هو ما مثَّل ضغطاً على البيئة.
ويقود العالِم فريقاً من الباحثين من مناطق مختلفة بالولايات المتحدة، لمقارنة الأثر البيئي لنوع غير تقليدي من الرعي يطلق عليه "الرعي التكيفي المتعدد المراعي"، الذي يشمل تنقل الماشية بشكل دوري بين مساحات مختلفة من الأراضي التي ستتحوَّل تدريجياً إلى أحواض لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.
تلك الطريقة تمنح النباتات المزيد من الوقت للنمو، وتفسح المجال لوجود المزيد من الطيور والحشرات التي تساعد في مكافحة الآفات، كما تسمح لميكروبات التربة بالقيام بمهمتها في تخزين الكربون.
النتائج التي نقلتها مجلة "تايم" الأمريكية تشير إلى أن اتباع تلك الطريقة تساهم في تخزين ما يزيد عن 12 طناً من ثاني أكسيد الكربون لكل هكتار سنوياً، وهو ما يعادل الاستخدام السنوي من الكهرباء لمنزلين في الولايات المتحدة، مقابل أقل من 3 أطنان سنوياً عندما يجري الرعي بالطرق التقليدية السائدة.
وبجانب الرعي التناوبي، تشمل الممارسات التجديدية صناعة السماد الطبيعي من مواد طبيعية مختلفة، كفضلات الأبقار، أو قشور البيض، أو مخلفات الأسماك، ونشارة الخشب.
أحد أصحاب المزارع الذين حاورتهم الصحيفة يقول: "يساهم استخدام الأبقار لقطع النباتات وتسميدها، بجانب عدم الإضرار بالجذور عبر الحرث؛ في خلق دورة من عزل الكربون".
علف مختلف
هناك طرق أخرى يحاول بها العلماء تقليل كميات انبعاثات الميثان التي تُطلِقها الأبقار، عبر تغيير نوع العلف الذي تتناوله.
في عام 2022، أجاز الاتحاد الأوروبي استخدام مركب "نترو أوكسي بروبانول-3" في أعلاف الماشية، بعدما ثبتت فاعليته في تقليل كميات الميثان التي تُطلِقها الماشية التي يجري تربيتها للحصول على اللحوم بنسبة تتخطى 40%.
الطحالب البحرية ظهرت كذلك بصفتها مُكوِّناً يمكن إضافته إلى العلف للقيام بالمهمة، بعد تجربته للمرة الأولى في أستراليا، قبل أن تنتقل التجارب إلى مناطق أخرى، ويعمل عن طريق منع الميكروبات الدقيقة في معدة الأبقار من إنتاج الميثان، حسبما نقلت صحيفة "الجارديان" البريطانية.
التجارب التي شهدتها السويد كشفت أن استخدام الطحالب الحمراء في أعلاف الأبقار يمكن أن يساهم في تقليل نِسَب الميثان بنسبة 90%، لكن وكالة حماية البيئة السويدية أشارت في تقرير لها إلى أن الأمر بحاجة إلى المزيد من المعرفة.
أزهار النرجس
هناك حل آخر غير متوقع توصَّل إليه العلماء، وهو أنه يمكن الاستعانة بأزهار النرجس البري في تقليل انبعاثات الميثان التي تُطلِقها الماشية، لكن الأمر لا يزال قيد التجربة المقرر أن تصل مدتها إلى 4 سنوات كاملة.
باحثون من كلية اسكتلندا الريفية استخلصوا مركباً كيميائياً من الزهرة البرية يُطلَق عليه Haemanthamine، وهو المركب الذي نجح في تقليل نسب الميثان عند تجربته على نموذج اصطناعي لمعدة البقرة داخل المختبر بنسبة تتجاوز 90%، لكنها انخفضت بشدة عندما جرى استخدامها على أرض الواقع إلى 30% بالنسبة إلى الأبقار الحلوب.
هناك طرق أخرى يجري الاستعانة بها، وهي التربية الانتقائية لأنواع الأبقار التي تنمو بسرعة، ومن ثم الحاجة إلى كميات أقل من العلف.