يحل الموسم الرمضاني 2024 ويعود مع ماراثون المسلسلات، وتظهر اتجاهات صناعة الدراما. والرائج هذا العام مسلسلات الـ15 حلقة التي تسيطر على الأعمال العربية الدرامية؛ إذ تتصدر 19 مسلسلاً المشهد الفني.
ربما يهم عدد حلقات المسلسل وأحداثه جمهورَ الدراما، لكن معياراً آخر يهتم به المناخ، وهو التكلفة البيئية للأعمال الدرامية، هل يمكن أن تكون أقل مع المسلسلات الدرامية القصيرة؟
موضة درامية من الماضي
مسلسلات الـ15 حلقة ليست موضة جديدة، بل هي من تقاليد الدراما المصرية في عصرها الذهبي، خاصةً في سنوات الثمانينيات؛ إذ كانت دائماً خلطة فنية ناجحة تحقق الربح التجاري وتخفف التكلفة الإنتاجية للمسلسل، مع التنوع والثراء الفني، كما أنها تلقى رواجاً بين الجمهور؛ لأنها تبتعد عن التطويل ومط الأحداث. وفي الألفية الثالثة، سوف نضيف لها ميزة جديدة: أنها أعمال صديقة للبيئة أكثر من مسلسلات الثلاثين حلقة، كما أنها بالتأكيد تلائم إيقاع الحياة السريع.
الخسائر المناخية للدراما التلفزيونية
أنت تشاهد المسلسل وتستمتع بأحداثه، لكن هل تخيلت يوماً التكلفة البيئية وراء صناعة هذا السحر الدرامي؟ أو كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي من أجل التصوير وإضفاء الحيوية على هذه القصص؛ بدءاً من استهلاك الطاقة اللازمة لإضاءة مواقع التصوير، وإضافة المؤثرات الخاصة في مرحلة ما بعد الإنتاج، إلى النفايات الناتجة عن الممثلين وطاقم العمل، بجانب انبعاثات التنقل والسفر خلال فترة التصوير؟
حسب تقرير مجلة تايم الأمريكية، فإن السبب الأول وراء انبعاثات غازات الدفيئة في مواقع التصوير هو الوقود المستخدم في النقل، واستهلاك الطاقة لتشغيل الشاحنات والمولدات الكهربائية الضخمة أثناء التصوير، وذلك ما يؤكده تقرير صادر عن Sustainable Production Alliance SPA، وهو تحالف من شركات التلفزيون والسينما والبث المباشر الرائدة في العالم، والملتزمة بجعل الصناعة أكثر استدامةً. إن الوقود الذي يستخدم بشكل رئيسي في المركبات والمولدات هو المسؤول عن نحو 60٪ من الانبعاثات الناتجة عن إنتاج المسلسلات.
يملك الإنتاج الدرامي بصمة كربونية ضخمة، لكن التحدي الذي يواجه المنظمات العالمية هو تحديد حجم أو نسبة هذه البصمة؛ لأنه يصعب الحصول على أرقام دقيقة للانبعاثات الكربونية الصادرة عن إنتاج الدراما.
وهناك محاولات عالمية عديدة لتحديد أرقام الانبعاثات الناتجة عن عمليات الإنتاج، منها دراسة أصدرها تحالف "SPA"، تظهر أن الانبعاثات تختلف اختلافاً كبيراً اعتمادًا على موقع التصوير، وكمية الوقود الأحفوري المستهلك مصدراً للطاقة.
على سبيل المثال، تصدر حلقة درامية مدتها ساعة واحدة 41 طناً مترياً من ثاني أكسيد الكربون عند تصويرها في لوس أنجلوس، مقابل 68 طناً مترياً عند تصويرها في نيويورك، و136 طناً مترياً عند تصويرها في مدينة أتلانتا جنوب شرق الولايات المتحدة. وهذه الأرقام تُعادِل الانبعاثات الصادرة عن نحو 9 إلى 30 سيارة تعمل بالغاز لمدة عام.
وأوضح التقرير أنه بناءً على تحليل البيانات المأخوذة من 159 حلقة تلفزيونية مدتها ساعة واحدة، يمكن القول إن متوسط البصمة الكربونية لكل حلقة درامية يبلغ نحو 77 طناً مترياً، وأكبر المساهمين في هذه الانبعاثات هو الوقود والمرافق والخدمات اللازمة لإنتاج الحلقة.
نفايات مواقع التصوير
ولا يتوقف الأمر عند الانبعاثات الكربونية، لكن إنتاج الدراما التلفزيونية يتسبب في استهلاك الموارد لإنتاج الديكور والملابس، التي غالباً تتحول إلى نفايات لا يجري تدويرها، بجانب هدر الطعام المتبقي من فريق العمل أثناء فترات التصوير الطويلة.
الأثر الإيجابي للدراما القصيرة
مع تخفيض كل الخسائر البيئية الناتجة عن الإنتاج الدرامي، من انبعاثات واستهلاك موارد وهدر طعام، إلى النصف وربما أكثر حسب عدد الحلقات، يمكن اعتبار المسلسلات القصيرة خطوة في الاتجاه الصحيح، كما يمكن أن تزيد الفائدة وتقل البصمة الكربونية للمسلسلات العربية إذا استفاد صناع الدراما العربية من التجارب العالمية التي تسعى في السنوات الأخيرة إلى إنتاج أعمال فنية أكثر وعياً بالبيئة، وتبني بعض السياسات المناخية المفيدة.
وهنا علينا ضرب المثال بما تقوم به العديد من شركات الإنتاج حالياً من توظيف "مستشار بيئي" للتأكد من أن مواد الإنتاج في موقع التصوير صديقة للبيئة ويمكن إعادة تدويرها، مع تقليل الهدر قدر الإمكان.
وتتعاون شركات الإنتاج الكبرى من أجل تطوير حلول الطاقة النظيفة لتحل محل مولدات الديزل، والاعتماد على أفكار مبتكرة، مثل جعل وقود الديزل المتجدد المصنوع من زيوت الطهي المستعملة والدهون وزيت فول الصويا متاحاً لتشغيل شاحنات الإنتاج؛ ما يخفض استهلاك الطاقة إلى أقل قدر ممكن.
وأخيراً، يجب على الجميع البحث عن حلول لتقليل التكلفة البيئية لصناعة الدراما بوجه عام، ونجاح أعمال مثل "أشغال شقة"، و"مسار إجباري"، و"أعلى نسبة مشاهدة" في الموسم الرمضاني، سوف يجعل المسلسلات القصيرة "ترند" في خارج مواسم الدراما المعروفة؛ ما يرفع عن كاهل البيئة الكثير من الأضرار المناخية الناتجة عن المسلسلات الطويلة، التي باتت تصل أحياناً إلى 100 حلقة، على غرار الدراما التركية واللاتينية.