يواجه قطاع الصناعات البحرية تحديات التحول إلى الاستدامة؛ حيث كانت القوارب تُبنَى من الخشب قبل ظهور الألياف الزجاجية المُقواة، التي يصعب التخلص منها طبيعياً؛ بسبب مواد تصنيعها.
والألياف الزجاجية المُقواة عبارة عن مركبات من اللدائن، مدعمة بألياف رفيعة من الزجاج، وتحقق القوة والمتانة في القوارب المصنوعة منها، لكنها تجعل تكلفة صيانتها باهظة؛ ما يدفع أصحابها إلى تركها في المراسي البحرية مثل قطع الخردة البالية عند انتهاء عمرها الافتراضي.
ومع ازدهار سياحة اليخوت وصناعة الترفيه البحري، زاد إنتاج قطع جديدة بتصاميم أكثر صداقة للبيئة؛ ما يجعل إدارة القوارب القديمة المنتهية الصلاحية مشكلة كبرى؛ نظراً إلى إضرارها بالحياة البحرية والبيئية والسلامة العامة.
ملايين القوارب المنتهية الصلاحية في المياه الأوروبية
الأكثر قراءة
وتجسد القوارب المنتهية الصلاحية مشهداً شائعاً على العديد من الشواطئ العالمية؛ إذ تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 6.5 مليون قارب يتعدى عمرها 50 عاماً في المياه الأوروبية، ومن المتوقع أن يصل عدد القوارب التي تصل إلى نهاية عمرها الافتراضي بحلول عام 2030 إلى نحو 30 ألف قارب سنوياً داخل الاتحاد الأوروبي فقط، نقلاً عن موقع صناعة القوارب الأوروبية.
النفايات المُركبة تهدد الحياة البحرية
استخدام الألياف الزجاجية في صناعة معظم هياكل القوارب، يجعلها تتميز بطول عمرها الافتراضي واستخدامها على نطاق واسع، لكن لا يمكن إعادة تدويرها بسهولة؛ ما يؤدي إلى آلاف الأطنان من النفايات المركبة سنوياً؛ حيث تشير الجمعية الملكية لليخوت إلى أن الصناعة البحرية ستنتج نحو 10% أو 15% من النفايات المركبة بحلول عام 2025.
وتتجه معظم القوارب المهجورة حالياً إلى مكبات النفايات التي تمثل تهديداً للبيئة؛ حيث يتخلَّص البعض منها في البحر عن طريق إحداث ثقب في هيكلها وتركها لتغرق بعيداً عن الشاطئ؛ ما يشكل خطورة كبيرة على الحياة البحرية؛ إذ تتحلل هذه القوارب بعد سنوات، وتتفكك إلى جسيمات بلاستيكية دقيقة تضر الحياة المائية.
زيادة مستوى التلوث
وما يزيد الأمر تعقيداً أن يُلحِق موسم الأعاصير الدمارَ بالمراسي البحرية في معظم أنحاء العالم؛ حيث تضرَّر 63 ألف قارب بعد إعصارَي إيرما وهارفي في منطقة البحر الكاريبي عام 2017، كما تزيد تلك الهياكل المهجورة للقوارب من مستوى التلوث، الذي من المتوقع أن يزداد زيادة كبيرة في السنوات المقبلة نتيجةَ تقشير الدهانات المستخدمة في طلاء القارب، التي تحتوي على الرصاص والمواد الكيميائية، في المسطحات المائية.
يأتي ذلك بجانب ذوبان الراتنج في الماء، وهو مركب كيميائي عازل شديد الالتصاق، يغطي الألياف الزجاجية المصنوع منها هيكل القارب ليحافظ على ترابطها؛ حيث تساهم تلك الجسيمات الدقيقة الذائبة بالمياه في تدمير التنوع البيولوجي، وتؤثر بشكل خطير على صحة الإنسان.
حلول مستقبلية لتحقيق الاستدامة
الجمعية الملكية البريطانية لليخوت والقوارب الترفيهية (RYA) سلَّطت الضوء على عدة مشروعات بحثية في محاولة لتقليل مخاطر القوارب المهجورة المصنوعة من الألياف الزجاجية، وتحقيقاً للاستدامة، تهدف إلى إعادة استخدام المواد والهياكل القديمة، وتوظيفها في صناعة مكونات وتركيبات داخلية جديدة للقوارب مثل الموتور، بدلاً من دفنها أو حرقها.
وطوَّرت جامعة اسكتلندية تقنية لاستعادة الألياف الزجاجية بعد تنظيفها من مادة الراتنج الكيميائية، باستخدام العمليات الحرارية أو التحلل واستخدامها مرة أخرى، بجانب تجارب أخرى تُعِيد تدوير الألياف، وتُحوِّلها إلى منتجات جديدة، كمواد البناء.
ويعد اعتماد نهج مسؤولية المنتج الموسعة – اقتداءً بالنظام الفرنسي، الذي يفرض على القوارب الجديدة دفع ضريبة صغيرة تدعم صندوقاً يُسمى "التخلص الآمن من الهياكل المهجورة" – مصدراً مباشر للأموال؛ إذ نجحت هذه الآلية في تفكيك أكثر من 5 آلاف قارب منذ تطبيقها.
التأثير البيئي لتصميم القوارب
وعن التأثير البيئي لتصميم القوارب، أوضحت المهندسة "جيلينا دوليشيك" العضوة بإحدى المنظمات غير الربحية التي تهدف إلى تحقيق الاستدامة في صناعة اليخوت، في حديثها مع موقع "Marine Industry News"؛ أن أحد الجوانب الحاسمة في تصميم القوارب واليخوت المستدامة هو التركيز على المكونات بدلاً من المنتج النهائي.
وأكدت "دوليشيك" أن المواد المستخدمة في البناء ضرورية للاستدامة في الصناعة؛ حيث تُطيل دورة حياة المنتجات، وفي الوقت ذاته يمكن إعادة تدويرها؛ ما يجعل من السهل تجديد القوارب وإعادة استخدامها بشكل يقلل من النفايات والتأثير البيئي السلبي.
وقد تمكنت شركة بريطانية ناشئة في مجال التكنولوجيا الخضراء البحرية من صناعة أول قارب في العالم قابل لإعادة التدوير بالكامل، ويتميز بأداء عالٍ؛ ما يمثل طفرة كبيرة في صناعة القوارب؛ حيث استخدمت تقنية تعمل على استبدال المواد المركبة الجديدة القابلة لإعادة التدوير مكانَ الألياف الزجاجية القديمة؛ ما يساعد العالم على الوصول إلى صفر نفايات فيما يتعلق بصناعة القوارب في المستقبل، والحفاظ على البيئة والشواطئ والحياة البحرية.