جدل لا ينتهي.. هل يساعد التوقيت الصيفي البيئة؟


مروة بدوي
الخميس 27 ابريل 2023 | 06:13 مساءً
التوقيت الصيفي له مزايا وعيوب للبشر والبيئة أيضا - مشاع إبداعي
التوقيت الصيفي له مزايا وعيوب للبشر والبيئة أيضا - مشاع إبداعي

مع دقات عقارب الساعة معلنة منتصف ليل الجمعة الأخيرة من شهر إبريل 2023، يدفع المصريون عقارب الساعة إلى الأمام بمقدار 60 دقيقة، لتستأنف البلاد العمل وفق التوقيت الصيفي بعد توقف دام لأكثر من 7 سنوات.

القرار الحكومي الرسمي، أعاد السجال بين المؤيدين والمعارضين لتطبيق النظام الصيفي، حول مميزات وفوائد هذا التوقيت وعيوبه لكن المؤكد هو عدم جدوى أي تغيير إذا لم تتبدل عادات الناس وأنماط حياتهم.

والسؤال هنا.. الفوائد لصالح من والأضرار ضد مصلحة من؟

الإجابة طبعا هي الإنسان، وقد يبدو ذلك منطقياً ومشروعاً، لكن ماذا عن مصلحة البيئة التي يعيش فيها هذا الإنسان، حتى تستطيع أن تصمد أمام استنفاد الموارد والتلوث، وبناءً عليه يجد البشر مكاناً مناسباً للحياة حتى يتمكنون من العيش سواء بالتوقيت الصيفي أو الشتوي.

تباين ساعات النهار

في البداية، لماذا تحدث ظاهرة تباين طول ساعات النهار خلال فصول السنة؟ حيث تزداد في الصيف وتتقلص في الشتاء.

نظراً لميل محور الكرة الأرضية بمقدار 23.5 درجة، عندما تدور الأرض حول الشمس يميل أو يقترب أحد نصفيّ الكرة "الشمالي أو الجنوبي" باتجاه الشمس يأتي فصل الصيف في هذا النصف، ويصبح النهار أطول بكثير من الليل لأنه يتمتع بضوء الشمس لفترة طويلة، ومع الدوران ينعكس هذا الوضع ويقع فصل الشتاء.

يتم اعتماد التوقيت الصيفي أو إلغائه تبعاً لحاجة كل بلد، لا سيما منذ أزمة الطاقة في سنوات السبعينيات من القرن العشرين

كيف بدأ نظام التوقيت الصيفي وأسبابه؟

بدأت الفكرة عام 1784 مع الأمريكي بنيامين فرانكلين الذي دعا إلى استيقاظ الأفراد مبكراً من أجل استغلال ضوء الشمس في فصل الصيف، وبالتالي توفير الطاقة لكنها ظلت نظرية مجردة ولم تدخل حيز التنفيذ إلا خلال الحرب العالمية الأولى، عندما قررت ألمانيا تقديم الساعة لأول مرة في فصل الصيف بهدف حفظ الطاقة حتى يمكن استخدامها في مصانع الأسلحة، ثم لحقت بها بريطانيا وكثير من الدول الأوروبية.

ومنذ ذلك الوقت يتم اعتماد التوقيت الصيفي أو إلغائه تبعاً لحاجة كل بلد، لا سيما منذ أزمة الطاقة في سنوات السبعينيات من القرن العشرين؛ حيث واجهت الدول الصناعية الكبرى نقصاً حاداً في البترول، بجانب ارتفاع أسعاره، فكان الحل هو تقليل استهلاك الطاقة عبر النظام الصيفي.

اعتمدت الولايات المتحدة التوقيت الصيفي المعروف بــــــــdaylight saving time في 1966، ويبدأ كل سنة من يوم الأحد الثاني في شهر مارس وينتهي في يوم الأحد الأول من نوفمبر، أي أنه يدوم 34 أسبوعا، حوالي ثلثي العام.

وفي عام 1996 اتفقت جميع دول الاتحاد الأوروبي على التناوب بين التوقيت الشتوي والصيفي بشكل متزامن وفي نفس الفترة، بدءاً من يوم الأحد الأخير في شهر مارس حتى يوم الأحد الأخير في أكتوبر.

ومع اعتماد التوقيت الصيفي في عدد من دول العالم، يدفعنا ذلك إلى السؤال الأساسي؛ هل يعتبر النظام الصيفي "توقيت مستدام بيئياً" ويوفر استهلاك الطاقة؟

الغرض من تقديم الساعة، هو تبكير أوقات العمل والحياة الاجتماعية من أجل الاستغلال الأمثل لوقت النهار الذي يزداد تدريجياً في بداية فصل الربيع حتى ذروة الصيف، وبالتالي تنخفض متطلبات الإضاءة الصناعية والتدفئة والإنتاج الصناعي وبالطبع استغلال الطاقة، كما أن زيادة ساعات النهار يساعد في تخفيف حركة السير والنقل وبالتالي الانبعاثات الكربونية لأن الضغط يوزع على عدد أكبر من الساعات خلال النهار.

توفر إيطاليا أكثر من 190 مليون يورو خلال الأشهر السبعة التي يسري فيها النظام الصيفي، وذلك بفضل تقليل استخدام الكهرباء بما يعادل تقريبا 420 مليون كيلوواط في الساعة

التوقيت الصيفي بلغة الأرقام

عام 2019، وافق البرلمان الأوروبي على مقترح بإلغاء تغيير التوقيت الصيفي، رفضت إيطاليا قرار الاتحاد الأوروبي، وأصرت على إبقاء النظام الصيفي ساري المفعول لمدة 7 أشهر في السنة كما اعتاد الطليان منذ حوالي 60 عاماً.

وتناولت وسائل الإعلام الإيطالية فوائد التوقيت الصيفي الكهربائية والبيئية والاقتصادية والتي ترجمت إلى أرقام مع تقرير هيئة "Terna" المسئولة عن إدارة شبكة نقل الكهرباء الوطنية في البلاد.

أعلنت الهيئة أن استهلاك الكهرباء من عام 2004 إلى عام 2021 انخفض حوالي 10.5 مليار كيلوواط في الساعة بسبب التوقيت الصيفي، بما يوازي أكثر من 1.8 مليار يورو من الناحية الاقتصادية.

ووفقاً لتقديرات الهيئة، توفر إيطاليا أكثر من 190 مليون يورو خلال الأشهر السبعة التي يسري فيها النظام الصيفي، وذلك بفضل تقليل استخدام الكهرباء بما يعادل تقريبا 420 مليون كيلوواط في الساعة، وهو ما يكفي متوسط ​​الاحتياجات السنوية لحوالي 150 ألف عائلة.

وتعليقا على التقرير السابق، قال رئيس الجمعية الإيطالية للطب البيئي، أليساندرو مياني، في تصريحات مع جريدة "il sole 24 ore" الإيطالية، أن توفير الطاقة الناتج عن اعتماد التوقيت الصيفي، يخفض حوالي 200 ألف طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي سنوياً، بما يساوي نفس الفائدة التي نحصل عليها من زراعة مليونيّ شجرة.

وطالب "مياني" بتطبيق التوقيت الصيفي بشكل دائم لأن الحصول على ساعة زائدة من الضوء والحرارة الشمسية يومياً يمكن العالم من مواجهة أزمة الطاقة والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، حيث لا يزال يعتمد جزء كبير من العالم على المصادر الأحفورية لإنتاج الطاقة.

إذا كانت هذه فوائده، فلماذا يريد بعض الأوروبيين إلغاء التوقيت الصيفي؟

ذكرت تقارير إيطالية أن من يرفضون النظام الصيفي هم مواطني دول الشمال مثل فنلندا الذين لا يستفيدون من تغيير التوقيت ولا ينتج عنه أي ميزة بالنسبة لهم.

نتيجة ميل محور الأرض، نجد أن كمية الأشعة الشمسية التي تنفذ إلى أي مكان على الكرة الارضية تختلف تبعا للتوقيت أو الفصل الموسمي والموقع الجغرافي.

يتباين بالتالي تأثير التوقيت الصيفي من منطقة إلى أخرى بشكل كبير تبعاً لخطوط العرض، كمثال لذلك، قد لا تحتاج للنظام الصيفي في المواقع النائية شمالاً وجنوباً بالكرة الأرضية، لأن النهار يكون طويل جداً أو العكس.

وفي دول الشمال الأوروبي، تقديم الساعة لمدة 60 دقيقة، لن يترك أثراً ملحوظاً على طول ساعات النهار، لأنها بالفعل تتمتع بساعات طويلة للغاية من الضوء في الصيف بحكم موقعها ولا تحتاج إلى وقت إضافي.

أما في بلدان الجنوب، مثل إيطاليا، فإن التوقيت الصيفي يطيل النهار فعلياً، حتى أن توقيت غروب الشمس في روما خلال شهر يونيو يصل إلى حوالي التاسعة مساءً.

ذلك ما حدث في إيطاليا، واحدة من أقرب الدول الأوروبية إلى منطقة شمال إفريقيا جغرافيا، ويبدو أن ما أعلنته عن التأثير الاقتصادي الإيجابي للتوقيت الصيفي يتماشى مع ما ذكرته الدراسات الفنية والعلمية التي قدمتها وزارة الكهرباء المصرية لمجلس النواب من أجل تقرير مشروع القانون، والتي ذكرت أن مقدار التوفير الناتج عن تطبيق الساعة القانونية في مصر حوالي 147.21 ‬مليون جنيه، مما يعني بالتبعية ترشيد الاستخدام.

يستطيع التوقيت الصيفي تحقيق الاستدامة البيئية عبر خفض الاستهلاك والحفاظ على موارد الطاقة وتقليل الانبعاثات الناتجة عن احتراق الوقود الأحفوري الذي يلوث رئة البيئة، وبالتالي فهي ليست مجرد ساعة إضافية للنهار.