أضواء ضخمة تقف خلفها آلاف المولدات الكهربائية المستنزفة للطاقة، وأطنان من المخلفات الناجمة عن المشروبات والوجبات السريعة، هي محصلة مفزعة لكنها غير نهائية لما تتركه حفلات الموسيقى خلفها لتصبح أحد العوامل المضرة بالبيئة والمؤثرة في التغيرات المناخية.
الشواطئ واحدة من الأماكن التي يفضل منظمو الحفلات الموسيقية والغنائية إقامة مسارحهم عليها، رغم ما يتركه آلاف المعجبين من مخلفات ومواد تؤذي البيئة البحرية والنهرية خلال حضورهم الصاخب.
الاستعانة بمنظمي الحفلات
جاك جونسون واحد من منظمي الحفلات المرشح لجائزة "جرامي" المعنية بحماية البيئة، بات سفيراً للنوايا الحسنة للأمم المتحدة لحماية كوكب الأرض، ويعد أحد أبرز مشجعي المعجبين على التبرع لمجموعة غير ربحية تحمي الأنهار منذ أكثر من عقدين.
برنامج الأمم المتحدة للبيئة يستغل بدوره مجموعات فنية على غرار "جونسون" كأصوات قوية يمكنها الوصول إلى ملايين المعجبين للترويج بقوة للقضايا البيئية مثل العمل المناخي والحد من النفايات البلاستيكية والأمن الغذائي.
وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة يستهدف، عبر تلك الأصوات، دعم اتفاق باريس المتمثل في الحفاظ على أن يكون معدل ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من 2 درجة مئوية، وأن يكون آمناً بالوصول لـ 1.5 درجة مئوية.
وللقيام بذلك، وضع برنامج الأمم المتحدة للبيئة خارطة طريق للحل، مكون من ستة قطاعات لخفض الانبعاثات عبر القطاعات بما يتماشى مع التزامات اتفاق باريس وسعياً لتحقيق استقرار المناخ، وهي الطاقة والصناعة، والزراعة والغذاء، والغابات واستخدام الأراضي، والنقل والمباني والمدن.
تؤثر صناعة حفلات الموسيقى في قلوب وعقول البشر في جميع أنحاء العالم، فقد كشف تقرير للهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ في عام 2021، أن كل ركن من أركان الأرض تقريباً قد شعر بآثار تغير المناخ.
الحفلات الموسيقية والجولات الفنية تساهم في أزمة المناخ عبر زيادة الانبعاثات الاحترارية من خلال سفر المعجبين والفنانين واستهلاك الطاقة
تقرير آخر لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة توصل إلى أنه حتى إذا أوفت البلدان بتعهداتها للحد من غازات الاحتباس الحراري التي تسبب أزمة المناخ، فإن درجة حرارة الكوكب سترتفع بمقدار 2.7 درجة مئوية، وهو ما يكفي لإثارة موجات الحر والجفاف وارتفاع مستوى سطح البحر على نطاق واسع.
الأرقام العالمية تتوقع وصول إيرادات قطاع الفعاليات الموسيقية حول العالم إلى 31.70 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2027، وفقا لموقع الإحصاءات العالمية statista.
الأثر البيئي للحفلات
يمكن أن تساهم الحفلات الموسيقية والجولات الفنية في أزمة المناخ، مما يؤدي إلى زيادة الانبعاثات من خلال سفر المعجبين والفنانين، واستهلاك الطاقة والإنتاج الضخم للبضائع.
وأمام ذلك أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة حملة تتبنى خطوات يمكن للأفراد اتخاذها للمشاركة في الدعوة البيئية، وهدفها هو تحفيز التغيير المنهجي الذي يقول الخبراء إنه ضروري لتقليل الانبعاثات من صناعة الموسيقى الحية وما وراءها والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
الحملة الأممية تقترح إمكانية تشجيع عشاق الموسيقى، والفنانين ومنظمي الحفلات الموسيقية والمهرجانات على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، عبر مطالبتهم بالتوقف عن السفر على متن طائرات خاصة واستخدام وسائل نقل منخفضة الانبعاثات بدلاً من ذلك.
حملة ريفيرب المدعومة من الأمم المتحدة نجحت منذ تأسيسها في عام 2004 في التخلص من 288 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون كانت تنتجها الحفلات الموسيقية
بجانب وسائل السفر، يمكن أن يتحول منظمو المهرجانات والأماكن المستضيفة لها إلى استخدام الطاقة المتجددة ومرافق أكثر توفيراً للطاقة، ويمكن للمهتمين بالبيئة كذلك مطالبة المنظمين بالشراكة فقط مع الشركات التي وقعت على (Race to Zero)، وهي حملة عالمية تدعمها الأمم المتحدة تحشد المنظمات لاتخاذ "إجراءات صارمة وفورية لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030".
ويمكن للفنانين أنفسهم أن يلعبوا دوراً رئيسياً في تقدم الدعوة البيئية، فمنذ عام 2019، أبرم برنامج الأمم المتحدة للبيئة شراكة مع مؤسسة "ريفيرب" غير الربحية، والتي تعمل مع الموسيقيين والمنظمين ومواقع استضافة الحفلات والمعجبين لتخضير صناعة الموسيقى الحية.
منذ تأسيسها في عام 2004، ساعدت "ريفيرب" في تبديد أكثر من 288 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، وتشمل قائمة المؤدين الخاصة بها بيلي إيليش ولورد وجونسون وسفراء النوايا الحسنة فرقة "ديف ماثيوز".
يقول تانر وات، مدير الشراكة والتطوير في ريفيرب: "رغم أن صناعة الموسيقى لا تتمتع بأكبر بصمة كربونية عند مقارنتها بكثير من الصناعات، إلا أنها قد تتمتع بأكبر تأثير، فإذا غيّر المعجبون طريقة ملابسهم أو قصة شعرهم لأن مطربهم المفضل يفعل ذلك فربما يتبنى المعجبون حلولاً بسيطة للأزمات البيئية".
مهرجان موسيقى "مستدام"
تجربة هولندية أخرى نجح خلالها القائمون على مهرجان (DGTL Amsterdam) في أن يصبح أول مهرجان موسيقى بدون نفايات، حيث حظروا بالفعل الأكواب والزجاجات البلاستيكية، وبدلاً من ذلك باعوا للجمهور أكواباً وزجاجات قابلة لإعادة الاستخدام، وفقا لـ"بي بي سي".
وظل التحدي الأكبر للمهرجانات متمثلا في استبدال البلاستيك وإيجاد بديل آمن وفعال من حيث التكلفة وأفضل للبيئة بشكل عام.
منظمو المهرجان يقولون عبر موقعهم الرسمي: "ندرك جيدًا آثار حفلاتنا البيئية، وبالتالي لدينا هدف واحد واضح هو التحول لأول فريق تنظيم مهرجانات يعتمد الاستدامة في العالم".
وأضافوا: "نبحث عن أحدث التقنيات من أجل الاستدامة، نريد الزوار معنا في الحفلات بدلا من البقاء في المنزل".
ويشجع هذا المهرجان معجبيه وشركائه على الاستدامة، معلنا أنه يعتمد على خمس ركائز مختلفة للاستدامة هي: الموارد والطاقة والتنقل والصرف الصحي والغذاء.