هل تخيلت يوما أنك المتحكم في درجات الحرارة غداً.. لا تندهش لأن نمط أفعال البشر وعاداتهم هي التي تؤثر في وتيرة التغيرات المناخية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعداد السكاني الكبير، فأنت أمام ممارسات تحدث يوميا عبر الملايين.
تنظم بعض الدول حملات لكبح النمو السكاني حتى يتسنى لها ترشيد الموارد وتقديم خدمات أفضل، وفي دول أخرى تُطلق الحملات بنمط معاكس للحث على الإنجاب.. لكن هل سألت نفسك أي النمطين أفضل في مواجهة التغيرات المناخية؟
الزيادة السكانية لم تعد خطراً اقتصادياً فحسب، بل أصبحت تشكل تهديداً للبيئة التي يعيش فيها البشر.
صندوق الأمم المتحدة قدم دراسة تبحث في العلاقة بين الاحتباس الحراري والنمو السكاني، وخلصت إلى أن طفلا واحدا في الولايات المتحدة قادر على أن يضيف 9441 طنا متريا من غاز ثاني أكسيد الكربون.
وقالت الدراسة إن التوعية السكانية في تحديد النسل من الممكن أن تحقق حياة أفضل وستكون نتائجها أسرع من التوعية الخاصة بتغيير النمط المعيشي .
عدد أقل بيئة أفضل
تعليقا على هذه الدراسة يطرح الدكتور عاطف الشيتاني، خبير السكان والصحة الإنجابية ومقرر المجلس القومي للسكان في مصر، بعض الحقائق عن المشكلة السكانية وأيضا التغيرات المناخية المحتملة في ببلاده على سبيل المثال.
قال لـ "جرين بالعربي" إن العدد ليس هو المتغير الوحيد في مشكلة السكان، ولكن نوعية الفرد من حيث مستوى الفقر أو الحالة التعليمية والإمكانيات الفردية، وأيضا توزيع السكان على المناطق المختلفة.
"الشيتاني" يعتقد أن هناك عاملاً مهماً في المشكلة وهو الهجرة سواء الداخلية أو الخارجية للسكان، وهنا يقفز سؤال مهم، هل يتنقل السكان لأسباب بيئية أم لأسباب اقتصادية؟
يتوقع الخبراء وجود احتمالات قوية لحدوث تغيرات بيئية طويلة الأمد وسيكون لها أثر واضح على تحركات السكان نتيجة الفقر وانعدام الأمن الغذائي نتيجة لتملح التربة أو اختفاء مناطق، وتآكل الشواطئ والتصحر وغيرها.
وفقا لما ورد عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لوزير الري والموارد المائية المصري السابق، محمد عبد العاطي، في المؤتمر الرفيع المستوى للمياه من أجل التنمية المستدامة في عام 2018، فإن تغير المناخ في الساحل الشمالي لمصر قد يجبر خمسة ملايين شخص في المستقبل على مغادرة منطقة دلتا النيل وفقدان استثماراتهم التي تقدر بمليارات الدولارات.
يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار متر واحد في دلتا النيل إلى احتمالية فقدان ثلث الأراضي الزراعية الحالية، ومن المهم إدراك أن القاهرة العاصمة تكون دائما الملاذ البديل للمهاجرين.
هل سيكون لهذه العوامل أثرا مباشرا على الحالة الاقتصادية والاجتماعية للسكان الذى يتوقع الخبراء أن عدد السكان في مصر سيبلغ حوالى 160 مليون في 2050؟
توقع الخبراء أيضا أن الأجزاء الشرقية والغربية من دلتا النيل، بما في ذلك الإسكندرية، ستكون بؤرا للهجرة الخارجية بسبب انخفاض توافر المياه
الهجرة إلى الداخل
أكدت دراسة أجراها الجهاز عام 2021 أن معظم السكان قد هاجروا إلى القاهرة والجيزة، حيث تكون درجات الحرارة أقل وفرص العمل أكبر.
وتركزت الهجرة في الفئات العمرية المنتجة أو من هم في سن العمل مما يشير إلى أن الهجرة الداخلية في مصر تكون بهدف الحصول على فرص عمل أفضل، أما بالنسبة لأسباب الهجرة فقد اتضح أن أعلى نسبة للمهاجرين الذكور كانت بسبب العمل وخاصة بين المنتقلين من الريف إلى الحضر.
توقع الخبراء أيضا أن الأجزاء الشرقية والغربية من دلتا النيل، بما في ذلك الإسكندرية، ستكون بؤرا للهجرة الخارجية بسبب انخفاض توافر المياه وارتفاع منسوب سطح البحر.
من المتوقع أن تصبح العديد من الأماكن التي تتوفر فيها المياه بشكل أفضل بؤرا للهجرة الداخلية بسبب تغير المناخ، بما في ذلك المراكز الحضرية المهمة مثل القاهرة.
تشير العوامل السابقة إلى أن هناك مخاطر محتملة في المستقبل على السكان، وعلى الحكومات اتخاذ التدابير اللازمة للإقلال من هذه المخاطر وأيضا الاستثمار في البشر في هذه المناطق لبناء القدرات في التكيف مع التغييرات البيئية المحتملة.
"الشيتاني" يُعد من المؤيدين لضم ملف البيئة لملف السكان نظرا لوجود علاقة مباشرة بين عدد السكان ونوعية الإنسان، وأماكن المعيشة وبين التغيرات البيئية المحتملة.
يرى أنه من المهم توافر بيانات دقيقة عن السكان والبيئة لمساعدة صناع السياسات ومتخذي القرار على التخطيط الجيد للمستقبل القريب والبعيد.
ويؤكد أن الزيادة السكانية تؤثر سلبا على الوضع المناخي والعكس صحيح، ضبط النمو السكاني يقلل من تداعيات التغيرات المناخية.
زيادة السكانية يصحبها التعدي على المساحات الخضراء وتدمير الغابات وتحدث ندرة في المياه، وقد تنشأ نزاعات وحروب على مصادر المياه لتوفير احتياجات السكان
تفاقم زيادة الاستهلاك
يشير دكتور مجدي خالد خبير الصحة الإنجابية والسكان والمدير الأسبق لصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن الزيادة السكانية العالمية يصاحبها زيادة في استهلاك المواد الغذائية والطاقة بكل مشتقاتها وزيادة في الصناعات لتوفير مواد البناء والصناعات الثقيلة، مما يؤدى الى زيادة الانبعاثات الحرارية وتزداد ظاهرة الاحتباس الحرارة وزيادة درجة الحرارة المتسبب في الظواهر المناخية التي يشهدها العالم .. السيول والأعاصير والحرائق وغرق السواحل .
يكمل: كما أن الزيادة السكانية يصحبها التعدي على المساحات الخضراء وتدمير الغابات وتحدث ندرة في المياه، وقد تنشأ نزاعات وحروب على مصادر المياه لتوفير احتياجات السكان ..وظواهر سلبية مثل الصيد الجائر مما يؤثر على التوازن البيئي في البحار والمحيطات.
يلخص "خالد" الأمر في أن السيطرة على النمو السكاني غير المنضبط سوف يقلل من تداعيات التغيرات المناخية التي تهدد كوكب الأرض.