بنهج تطور من خلال منظمة الأغذية والزراعة "فاو" منذ نحو ربع قرن، كانت مدارس المزارعين الحقلية تعمل كمرصد لأفضل الممارسات الزراعية في بيئات خالية من المخاطر، بجانب مناقشة أفكار الإدارة الزراعية الجديدة وتجربتها وتعديلها.
من بين التجارب التي تقوم بها المجموعات داخل المدارس، قياس مدى تطور النبات، وأخذ عينات من الحشرات والأعشاب الضارة، إضافة إلى مقارنة خصائص أنواع التربة المختلفة، قبل أن يقرر المزارعون اتباع الممارسات الأفضل لهم سواء البديلة أو التقليدية وفقاً لاختباراتهم وملاحظاتهم.
وتقدم المدارس الحقلية للمزارعين بديلاً لمنهج الإرشاد التقليدي، بهدف تعريض المزارعين لعملية تعليمية محورها الإنسان تمكن المزارعين من تعلم وتفهم مبادئ وأسس ومجريات العمليات التي يقومون بها، والتي تؤدي إلى زيادة معارفهم وقدراتهم وتنمية مهاراتهم من أجل ممارسات أفضل لإدارة وصيانة الموارد الزراعية وتعظيم العائد منها.
السوسة الحمراء
الأكثر قراءة
ولا تزال المدارس تقدم جهوداً كبيرة للمزارعين بمختلف الدول؛ فعلى سبيل المثال استضافت تونس، في سبتمبر الماضي، دورة تدريبية لمنظمة "فاو" موجهة إلى الميسرين في المدارس الحقلية (عمال الإرشاد وموظفي منظمات المزارعين) حول التعامل مع حشرة سوسة النخيل الحمراء و مجموعة من آفات النخيل الأخرى.
وتهاجم آفة سوسة النخيل الحمراء 40 نوعاً من أشجار النخيل في أكثر من 50 دولة؛ ما يتسبب في أضرار لإنتاج المحاصيل وسبل عيش المزارعين.
وشارك خبراء ومدربون إقليميون من المنظمة الأممية، إضافة إلى 20 متدرباً من تونس وليبيا، بهدف بناء قدرات المزارعين لمكافحة سوسة النخيل الحمراء.
وبدوره أشار ثائر ياسين المسؤول الإقليمي لوقاية النباتات بمكتب منظمة "فاو" بمنطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، إلى الدور الذي تلعبه تونس وليبيا في قطاع التمور؛ إذ تتصدر الأولى قائمة الدول بحجم تجارة عالمية تصل قيمتها إلى 280 مليون دولار أمريكي، بينما تمتلك الثانية 20 مليون نخلة موزعة على مساحة تتجاوز 23 ألف هكتار، وتنتج نحو 300 صنف من التمور المختلفة.
فيما اعتبر محمد الهادي سيدات مسؤول وقاية النباتات في مكتب الفاو الإقليمي الفرعي لشمال إفريقيا، إن مزارعي النخيل هم بمنزلة الحلقة الرئيسية لبرامج مكافحة السوس، لكن مشاركتهم لا تزال محدودة؛ لذا نسعى لإعداد القدرات البشرية للإشراف على مدارس المزارعين الحقلية في كل من تونس وليبيا للإدارة المتكاملة لآفات النخيل وسوسة النخيل الحمراء.
تجارب ملهمة
وفي واحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد المصرية (جنوب غرب) يعاني خالد ومحمد من ضعف السمع والأمية، لكن نشأتهما بين عائلات تعمل بالزراعة، منحتهما الفرصة لتعلم زراعة أشجار النخيل لكسب الرزق، غير أن ندرة الموارد المائية والصحراء تقف عقبة في طريق تلك المهنة.
وعندما علم خالد ومحمد بوجود مدارس المزارعين الحقلية التابعة لمنظمة الأغذية والزراعة في مصر، التي توفر مُدرساً للغة الإشارة، حاولا اقتناص الفرصة سريعاً لفهم كيفية مكافحة سوسة النخيل الحمراء التي دمرت المحاصيل في عام 2017.
نجح خالد ومحمد في تعلم ممارسات زراعية مستدامة، وطرق إدارة المياه لمواجهة التغيرات المناخية في الواحة بفضل المدارس الحقلية؛ ما ساهم في زيادة إنتاج وجودة التمور بالوقت الحالي، كما يحصلان على خدمات إرشادية من معمل المراقبة البيولوجية الذي أسسه معهد بحوث وقاية النباتات بالواحة بتوجيه من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية.
ويخطط المزارعان حالياً لزراعة القمح والفاصوليا والذرة بعد اكتساب الخبرة؛ إذ قال محمد في تصريح لموقع منظمة "فاو": "رغم التضخم الحالي لا زلنا نحقق أرباحاً ونعيش حياة كريمة بفضل خبرات مدرسة المزارعين".
مشاركات إفريقية
وتتعرض أوغندا لضغوط هائلة تتراوح بين قلة الموارد المتاحة، واستنزاف الأراضي الرطبة للاستخدام الزراعي، إضافة إلى إزالة الغابات والرعي الجائر، وتآكل التربة وتلوث المياه؛ ما يُلحِق أضراراً بالمزارعين الذي يمثلون ما يزيد عن 70٪ من الشعب الأوغندي.
وتعمل منظمة العمل ضد الجوع (غير حكومية، مقرها باريس) مع منظمات شريكة لتعليم المهارات الزراعية، ومساعدة اللاجئين القادمين لتحسين الأمن الغذائي من خلال إطلاق مشروع مدارس المزارعين الحقلية.
وتساعد المنظمة على توزيع الأدوات والموارد الضرورية على كل مدرسة على مدى السنوات الأربع الماضية ليخرج كل مزارع بمستوى جديد لتحقيق أهدافه الخاصة وإلهام الآخرين.
وفي هذا الإطار، حصل جيمي دارتيلي العضو في مدرسة حقلية بمنطقة تريجو الأوغندية، على البذور والمواد الأساسية من منظمة العمل ضد الجوع لبدء تأسيس مزرعته، بعد أن حصل على المعرفة وتعلم الانضباط المالي، كما ساعد جيرانه على تطوير المهارات وكسب الدخل.
وتأثر نحو 6 آلاف مزارع في أكثر من 150 مدرسة حقلية للمزارعين بشكل مباشر ببرنامج العمل ضد الجوع منذ عام 2019، بعد توفير البذور ومواد الزراعة وسلالات الحيوانات المحسنة مجاناً.
وتوجد مدارس المزارعين الحقلية، في أكثر من 90 دولة؛ حيث يتخرج منها نحو مليون مزارع سنوياً أداة جيدة لإشراك المزارعين في التحقق من صحة النظم الغذائية الزراعية لتلبية احتياجاتهم بشكل أفضل.