رغم الانتشار الواسع الذي حققه المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي العربية خلال العشرية الماضية، فإن المحتوى البيئي لا يزال محدوداً.
وينصب اهتمام قطاع واسع من المؤثرين على تقديم محتوى يتعلق بالأزياء والموضة والتجميل والأغذية والسياحة والسفر والسيارات والتمارين الرياضية، غير أن التوعية بمخاطر تغير المناخ أو طرق الاستدامة عادةً ما تكون شبه نادرة على منصات التواصل.
تأثير فعال
وبهدف قياس مدى تأثير السوشيال ميديا على الجمهور، أجرت إحدى الشركات الدولية العاملة في قطاع التجميل والتغذية استطلاعاً للرأي بالتعاون مع إحدى مؤسسات العلوم السلوكية الرائدة في العالم، بجانب مجموعة من صانعي المحتوى على منصتي "تيك توك" و"إنستغرام".
وشمل الاستطلاع عرض 30 مقطعاً لمحتوى اجتماعياً ملهماً حول الاستدامة لشركات معروفة على 6 آلاف شخص، وأظهرت النتائج أن منصات التواصل الاجتماعي واحدة من أكثر المصادر تأثيراً للحصول على معلومات حول الاستدامة، وأن المحتوى المؤثر يمكن أن يغير سلوك الأفراد إلى الأفضل.
ودفع المحتوى الجيد نحو 75٪ من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع نحو تبني المزيد من السلوكيات المستدامة، مثل شراء منتجات قابلة لإعادة التدوير، وتجنب استخدام البلاستيك، وإعادة استخدام بقايا الطعام بجانب أخذ خطوات إيجابية لتقليل النفايات البلاستيكية.
وأظهر الاستطلاع أن 83٪ من الأشخاص يعتبرون منصتي "تيك توك" و"إنستغرام" الأكثر تقديماً للنصائح حول سبل الاستدامة، كما أن 78٪ أشاروا إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي مصدر للمعلومات التي تشجعهم على الاستدامة مقارنة بالأفلام الوثائقية التلفزيونية والمقالات الإخبارية والحملات الحكومية.
بصمة الإنفلونسرز
وقرر مصطفى مجدي صانع المحتوى عن الحياة المستدامة عبر إنستغرام، تصوير مقاطع بشأن البيئة منذ سنوات؛ للتشجيع على الحياة الصحية والحفاظ على الطبيعة بمعلومات بسيطة وجذابة، لا سيما في ظل ندرة المحتوى الذي يعكس المشاكل البيئية.
وقال مصطفى في تصريح لـ"جرين بالعربي" إن الشباب هم أكثر فئة يستهدفها للتوعية بالحفاظ على البيئة ومخاطر التغيرات المناخي، خاصة أن تأثير السوشيال ميديا كبير على فئة الشباب ومن ثم فهي قادرة على توجيه سلوكياتهم نحو الاستدامة.
وحظيت مقاطع الفيديو التي ينشرها مصطفى على نسب عالية من المشاهدة والتفاعل؛ إذ أكد بعض متابعيه أنهم قرروا تقليل استهلاك البلاستيك.
وأوضح مصطفى أن قضية التغيرات المناخية لم تكن ضمن أولويات المتابعين؛ نظراً إلى عدم إدراك حجم تأثيرها على حياتهم، لكن مع رؤية ظواهر الطقس المتطرفة بدأت وجهة نظرهم تتغير نحو الاهتمام بقضايا المناخ والبيئة وحضور فعاليات التوعية بالحياة المستدامة.
أكثر وعيا
طرحت منصة "جرين بالعربي" سؤالًا على إحدى المجموعات على فيسبوك حول مدى اهتمام الجمهور بالمحتوى المُقدم عن التغيرات المناخية على السوشيال ميديا وقالت رنا العربي، التي تعمل في التسويق الإلكتروني، إن فكرة إطلاق برامج للتوعية بالبيئة والتغيرات المناخية مهمة جداً، كما أنها ستكون من المتابعين لها نتيجة كميات التلوث المرتفعة في الوقت الحالي.
وأوضحت نهال القاضي (30 عاماً): "أصبحت مهتمة بالنصائح والمحتويات التي ترصد طرقاً للحفاظ على البيئة وتعكس ما نواجهه من تغيرات مناخية"، مشيرة إلى أن منصة تيك توك من أكثر التطبيقات التي تحصل منها على الكثير من المعلومات بمتابعة صُناع المحتوى.
وأشارت آية الطناني (23 عاماً) إلى أن الفيديوهات أو المحتويات التي تقدم معلومات قيمة ولو كانت لها علاقة بالتغيرات المناخية، تجذب الجمهور أكثر، خاصةً إذا تم دمجها بـ"الكوميكس" أو تم تقديمها بطريقة بسيطة وجذابة.
صناع المحتوى
أوضح حمدي حامد، مدرس الصحافة والنشر الإلكتروني بجامعة عين شمس، أن منصات التواصل الاجتماعي يمكنها أن تصبح وسيلة مؤثرة في التوعية البيئية من خلال نشر فيديوهات توعوية هادفة، أو تنظيم حلقات نقاشية أو مؤتمرات يتم بثها بتقنية نشر لايف.
وأكد حامد، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، أن تقديم المعلومات حول التغيرات المناخية والتأثير على وجدان الجمهور للتعاطف معها يمثل خطوة مهمة، لاكتساب سلوكيات جديدة أو تعديل سلوكيات خاطئة فى التعامل مع البيئة وقضية تغيرات المناخ.
ولتبني أفكار وسلوكيات مستدامة، أشار حمدي إلى دور صُناع المحتوى والاستفادة منهم في حملات إعلامية تقدمها جهات متخصصة للحفاظ على البيئة، بجانب تقديم فيديوهات توعوية لشرح كيفية التعامل مع الكوارث والأزمات البيئية والإقلاع عن السلوكيات الخاطئة وتدوير المخلفات.
واقترح حمدي تكريم المؤثرين على تقديم محتويات هادفة ومعلومات موثقة تساهم في تغيير الأنماط السلوكية المعادية للبيئة؛ وذلك لتحفيز نظرائهم على الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ.
بدورها قالت سامية خضر أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس، لـ"جرين بالعربي" إن المحتوى الجذاب قادر على التأثير في جمهور السوشيال ميديا إذا توافرت فيه عوامل التخصص والمتعة والمعلومات.