دائماً ما ترتبط حركة السياحة بحالة الطقس الذي يختار المسافرون على أساسه وجهتهم خلال الفصول المختلفة، لكن حالة الجو تتأثَّر كذلك بالتغيرات المناخية، وما ينتج عنها من ظواهر مفاجئة لم يضعها المسافرون أو أصحاب المنشآت السياحية في حسبانهم.
منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، أطلقت "يوم السياحة العالمي" في 27 سبتمبر؛ لزيادة الوعي بدور السياحة، وآثارها على القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية بجميع أنحاء العالم، ثم شمل الأمر الحديث عن السياحة المستدامة.
تغير المناخ والوجهات السياحية
أبرز التهديدات التي تُحِيط بمناطق الجذب السياحي، تشمل ارتفاع مستوى سطح البحر الناتج عن التغير المناخي، ليقترب من 3.2 ملم سنوياً؛ ما يهدد بغمرها بالمياه، وخسارة السياح الذين يسافرون إليها، في ظل التهديدات التي تحيط بالبنية التحتية الساحلية، بما في ذلك المنتجعات، وفقاً لموقع San Diego 350.
كما يلعب ارتفاع درجات الحرارة دوراً في إفساد العطلات؛ إذ كشفت دراسة نشرها موقع Research Gate، أن درجة الحرارة المثالية لقضاء عطلة على الشاطئ تتراوح بين 25 و28 درجة مئوية، ومن ثم قد يختار البعض تأجيل رحلته بسبب الشعور بعدم الارتياح حال ارتفاعها، وهو ما شهدته مؤخراً جنوب أوروبا من انخفاض في أعداد السائحين بسبب الرطوبة غير المحتملة.
آثار التغير المناخي تظهر كذلك واضحةً من خلال ما يُحدِثه في التنوع البيولوجي؛ إذ تسبَّبت المحيطات الأكثر دفئاً في معاناة الشعاب المرجانية التي فقدنا 50% منها في مختلف أنحاء العالم. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع درجات الحرارة قد يجبر بعض الحيوانات على الانتقال إلى مناطق أكثر برودة؛ ما يؤثر سلباً على الوجهات التي تعتمد على السياحة البيئية.
كما يزيد الاحتباس الحراري كذلك احتمالية وقوع الكوارث مثل الأعاصير المدارية، والعواصف، وانتشار حرائق الغابات؛ ما يؤثر على وسائل النقل وإمدادات المياه، وهو ما يؤدي إلى إحجام المسافرين عن التوجه إلى هذه الأماكن التي تعرض حياتهم للخطر.
كما يهدد قصر فترة الشتاء بتراجع مدة العطلات الشتوية، ومع استمرار انخفاض تساقط الثلوج، فإن الوجهات التي تعتمد على الرياضات الثلجية مثل التزلج معرضة لخطر كبير؛ بسبب ذوبان الجليد.
وأشارت بعض الدراسات إلى أن الطلب على السياحة الشتوية سيشهد انخفاضاً بنسبة 64% تقريباً، إذا استمرت درجات الحرارة العالمية في الارتفاع طوال مواسم التزلج، وفقاً لموقع "Emerald".
حلول مستدامة
هناك طرق ينبغي لقطاع السياحة تطبيقها للتخفيف من تأثير التغير المناخي، ومنها خفض انبعاثات الكربون؛ فربما تعاني صناعة السياحة من ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن لا يمكن إنكار أن الصناعة نفسها جزء من المشكلة؛ إذ يساهم القطاع بنحو 8% من انبعاثات الكربون العالمية.
كما أن تشجيع الزائرين على الزيارة في فترات بعيدة عن فصل الصيف، يساهم في حل المشكلة. وبناءً على ذلك، ينبغي لأصحاب المنتجعات في المناطق الدافئة التسويق لأماكنهم السياحية خلال الأشهر التي لا تشهد إقبالاً كبيراً.
كما يمكن لمنتجعات التزلج أن تفتح أبوابها طوال العام. وبهذه الطريقة، تستطيع تعويض الخسائر، ويمكن للشركات في المناطق المعرضة للفيضانات والكوارث الطبيعية الأخرى أيضاً حماية الأماكن السياحية من خلال بناء بنية تحتية قوية.
ولا بد من إشراك السائحين في مواجهة الأزمة، من خلال تحفيزهم على التقليل من بصمتهم الكربونية خلال الرحلات من خلال التخفيف من استهلاك البلاستيك، واختيار الأطعمة الصديقة للبيئة، والاهتمام بزيارة الأماكن التي تُطبِّق قواعد الاستدامة والوعي البيئي، وعدم طباعة التذاكر؛ حيث يمكنك حفظ نسخة إلكترونية على هاتفك.
مبادرات عربية
في أنحاء مختلفة من العالم العربي، بدأ القائمون على قطاع السياحة يطلقون مبادرات لمواجهة أزمة تغير المناخ، وتطبيق معايير صديقة للبيئة.
وبهدف جذب 20 مليون زائر بحلول عام 2020، وضعت دبي أهدافاً واضحة للتنمية المستدامة، وبالفعل استطاعت تحقيقها من خلال مبادرات سياحية مستدامة.
وفي عام 2023، أعلنت دائرة الاقتصاد والسياحة بمدينة دبي الإماراتية عن إطلاق "ختم دبي للسياحة المستدامة"، وهي مبادرة جديدة تسعى إلى تكريم الفنادق التي تتمتع بأعلى مستوى من الالتزام بمعايير الاستدامة، نقلاً عن "Dubai Tourism".
وتأتي هذه المبادرة، التي جرى إطلاقها تزامناً مع عام الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار التزام دائرة الاقتصاد والسياحة بالتعزيز من مكانة دبي وجهةً سياحيةً مستدامةً. وللحصول على الختم، ينبغي للفنادق، باختلاف مستوياتها، تحقيق أعلى معايير متطلبات الاستدامة الـ19 الخاصة، مثل كفاءة الطاقة والمياه، وبرامج إدارة النفايات، ومبادرات تعليم الموظفين وإشراكهم في العمل المستدام.
ومن دبي إلى الجزائر، أطلقت الجمعية الجزائرية الوطنية لتنشيط وتطوير السياحة المستدامة، نهجاً جديداً لتحقيق أعلى معايير الاستدامة في النشاط السياحي.
وبالتواصل مع رئيس الجمعية "رابح لعروسي رويبات"، صرَّح لـ"جرين بالعربي"، بأن أهداف الجمعية تتمثل في خلق بيئة سياحية نظيفة وصحية، بالإضافة إلى الترويج للسياحة الداخلية، خاصةً السياحة البيئية التي تشمل الغابات والجبال والمحميات الطبيعية، كما أن الاهتمام بالصناعات التقليدية والتوجه إلى الإبداع فيها أحد الأهداف الرئيسية للجمعية.
وبالنسبة إلى الأنشطة التي تُطلقها الجمعية، فهي تهتم بنظافة وتزيين المنتزهات والحدائق العامة، واستكشاف الأماكن البعيدة عن الأعين، واستغلالها في المجال السياحي، كما تسعى الجمعية إلى نشر التوعية بشكل مباشر من خلال التحدث مع السائح أو توزيع المنشورات التوعوية الخاصة بالجمعية.