انحياز بيئي بشري.. الحيوانات الأكثر جمالاً تمتلك فرصة أكبر للنجاة


مروة بدوي
الاحد 17 سبتمبر 2023 | 09:35 مساءً

يرتكب البشر جرائم في حق التنوع البيولوجي والكائنات الحية، سواء بالصيد أو الاتجار غير المشروع أو الاستغلال في أغراض علاجية تقليدية. وفي محاولة لإصلاح ما أفسده الإنسان، أُعلن عن مشاريع ومؤسسات تحافظ على الكوكب ومخلوقاته وتطالب البشر بالاستثمار والتبرع من أجل هذه الكائنات الضعيفة حتى لا تنقرض.

وجاءت الدراسات الحديثة لتزيح الستار عن التدخل العنصري لإنقاذ الكائنات الحية؛ حيث ينحاز التدخل البشري في كثير من الأحيان إلى جمال الشكل على حساب الأهمية البيئية أو مخاطر الانقراض؛ ما قد يكلف البيئة الكثير ويعرض العديد من الكائنات لخطر حقيقي.

التحيز البشري

كشفت دراسة أجريت عام 2020، حول مشاريع التنوع البيولوجي داخل الاتحاد الأوروبي، التي ركزت على الحيوانات بين عامي 1992 و2018، أن كل نوع من الفقاريات، مثل الثدييات والزواحف والطيور، يحصل على اهتمام واستثمار في جهود الدعم والحفظ أكثر اللافقاريات بـ468 مرة، مثل الحشرات والعناكب والديدان.

وتذكر الدراسة أنه بوجه عام ركزت المشاريع على 410 أنواع من الفقاريات في مقابل 78 نوعاً فقط من اللافقاريات، وكان صافي الاستثمار النقدي في حفظ الفقاريات أعلى بـ6 مرات من الاستثمار في اللافقاريات؛ أي 970 مليون يورو مقابل 150 مليون يورو.

الطيور

بينما تستحوذ الطيور والثدييات وحدها على 75% من الميزانية الإجمالية. وحتى داخل عالم اللافقاريات الذي يعاني أساساً من العنصرية، تحيز البشر إلى الأنواع الكبيرة الحجم أو الملونة مثل الفراشات.

وبناءً على تحليل بيانات المشاريع، يتضح أن الحفاظ على الحيوانات في الاتحاد الأوروبي يعتمد إلى حد كبير على شعبية الحيوان على الإنترنت أو الكاريزما بدلاً من السمات الموضوعية، مثل الأهمية البيئية أو مخاطر التهديد بالانقراض. ويبدو أن العامل الأخير لا يؤثر بتاتاً على تخصيص الأموال في المشروعات محل الدراسة؛ حيث إن غالبية المشاريع ركزت على الأنواع الأقل تهديداً والأقل تعرضاً للمخاطر،

وترتبط جهود الحفاظ بالأعداد الفعلية للحيوانات؛ حيث تشكل الفقاريات – التي تستحوذ على أغلب الدعم – نحو 4% فقط من مملكة الحيوان، والباقي من اللافقاريات؛ أي نحو ٩٦% من الحيوانات التي تعاني من الإهمال والخطر بسبب التحيز البشري.

عالم البحار

وينسحب الانحياز البشري من حيث للمال إلى عالم البحار؛ إذ اعتمدت دراسة فرنسية على استطلاع آراء 13 ألف شخص، قاموا بتصنيف 2417 نوعاً من أسماك الشعاب المرجانية من حيث القيمة الجمالية.

وعند مقارنة النتائج، وجدت الدراسة أن أبشع الأسماك هي الأكثر أهميةً من الناحية البيئية، وهي أيضاً الأكثر عرضةً لخطر الانقراض، بينما تلقت الأسماك الملونة الزاهية أكثر الاستجابات إيجابيةً في الاستطلاع.

الأسماك القبيحةوحذر الباحثون من أن هذه الأسماك الجميلة في الغالب تكون أقل تميزاً من حيث سماتها البيئية، وتاريخ تطورها؛ لأنها تشبه الأسماك الأخرى من الناحية الوراثية، ومن ثم فإنها أقل أهميةً للأنظمة البيئية تحت الماء من نظيراتها غير الجميلة.

ويشدد الباحثون على أن عدم التطابق بين القيمة الجمالية والوظيفة البيئية ومخاطر الانقراض، قد يعني أن الكائنات الأكثر احتياجاً للدعم هي الأقل احتمالاً لتلقيه، وأن فقدان الأسماك غير الجذابة نتيجة الانقراض قد يكون له تأثير كبير على النظم البيئية.

الأكثر قبحاً

في عام ٢٠١٣ قامت جمعية الحفاظ على الحيوانات القبيحة في بريطانيا بحملة لرفع مستوى الوعي بالكائنات المهددة بالانقراض من خلال التصويت لاختيار أبشع حيوان في العالم.

واختار الأشخاص ١١ حيواناً تحمل لقب الأقبح في عالم البرية، واستحوذ التصويت على اهتمام الإعلام، وظهرت الأغاني وشخصيات كرتونية وحتى "الميمز" التي تدعم هذه الحيوانات.

ورغم نبل الهدف فإنه يؤكد مرة أخرى تحيز الإنسان إلى الشكل الخارجي. وعند المقارنة بين قائمة "أقبح الحيوانات في العالم" والقائمة الحمراء الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، يتضح أن من أصل 11 حيواناً قبيحاً هناك 9 حيوانات مهددة بالانقراض. ومن أشهر هذه الحيوانات ذات الوجه غير الجذاب، التي تتمتع بأهمية بيئية ودور مؤثر في النظام الإيكولوجي لكنها في الوقت نفسه هي الأكثر عرضةً لخطر الانقراض:

قرد المَلمَلة proboscis monkey:

يُعَد هذا القرد المسكين قاسماً مشتركاً في جميع التصويتات العامة لأقبح الحيوانات في العالم؛ إذ يمتلك كل من الذكور والإناث أنوفاً كبيرة واضحة مع بطون منتفخة.

وقد يبدو من الصعب تصديق ذلك، لكن هذه الأنوف المتدلية التي لا تعجب البشر، هي علامة على قوة وجاذبية الذكر؛ حيث يستخدمها الذكور لجذب الإناث. ويعتقد العلماء أن هذه الأنف الضخمة تخلق غرفة صدى تعمل على تضخيم نداء القرد؛ ما يثير إعجاب الإناث ويُخِيف الذكور المنافسين.

ويستوطن قرد الململة جزيرة بورنيو في جنوب شرق آسيا، لكنه مهدد بالانقراض. وعلى مدى الأربعين عاماً الماضية، انخفضت أعداد القرود بنسبة تتعدى 70% لعدة أسباب؛ منها الصيد وتدمير الموائل والغابات المطيرة التي يقطنها القرود.

ورغم أنه لا يتمتع بشعبية كبيرة ومهدد بالانقراض، فإن هذه الفصيلة من القرود تلعب دوراً مهماً في النظام البيئي لغابات المانجروف، وفي تكوين الغابات في الأراضي الرطبة في جزيرة بورنيو. وتأكل قرود الململة أوراق وبراعم النباتات والزهور والفواكه الصغيرة الموجودة في الغابة؛ لذا فهي تشارك في عملية إدارة الغطاء النباتي الطبيعي للأشجار وبيئات الغابات والحفاظ عليها من تكدس الأوراق واشتعال الحرائق.

كما تمتاز بعض أشجار المانجروف الساحلية في جنوب شرق آسيا بأوراق صعبة الهضم يصعب على أي كائن تناولها والتخلص منها، لكن قرود الململة من الحيوانات القليلة التي يمكنها أكلها؛ لأنها تمتلك بكتيريا خاصة في معدتها تساعد على هضم أوراق المانجروف التي تحتوي على السليلوز، وتخليص الأوراق من أي سموم محتملة.

قد ترتبط أهمية هذا القرد البيئية بأهمية أشجار المانجروف التي يقطنها. وغابات المانجروف تحرس السواحل في جميع أنحاء العالم، وتقوم بإعادة تدوير الملوثات، والحفاظ على جودة المياه.

كما أنها تلعب دوراً حيوياً في صحة المناخ. ويمكن للأشجار تخزين الكربون لمئات أو آلاف السنين؛ ما يجعل غابات المانجروف من أكثر الموائل الغنية بالكربون على وجه الأرض، وهي واحدة من أكثر النظم الإيكولوجية تعقيداً وإنتاجيةً على هذا الكوكب.

حيوان آي آي

يستوطن هذا الحيوان الغابات في مدغشقر، ويتميز بذيل كثيف يشبه السنجاب أكبر من جسمه، وأذنين تشبهان الخفافيش، وهو صاحب عيون كبيرة ذهبية تتوهج في الظلام، ومخالب طويلة وأصبع متوسط كبير الحجم ونحيف، وشكل قبيح أو مخيف يتسم بسمعة سيئة بصفته نذير شؤم ورمزاً للموت.

حيوان آي آي

ويعتبر حيوان الآي آي من الأنواع الأساسية؛ لأنها تساعد في الحفاظ على النظم البيئية السليمة للغابات وتجديدها من خلال أنشطة نثر البذور. ويُنظر إليها أيضاً على أنها تلعب دوراً مهماً بصفتها حيوانات مفترسة ليرقات خنفساء الخشب.

وإذا نظر إليك هذا الحيوان وأشار بإصبعه الأوسط ثم أطلق صرخته "آي آي" ، فأنت ميت لا محالة، أو هكذا تقول الأسطورة المدغشقرية، بسبب هذا الاضطهاد غير المبرر، فضلاً عن فقدان الموائل، وهو مهدد بالانقراض؛ حيث شهد انخفاضاً في الأعداد بنسبة ٥٠% على مدى 36 عاماً، ومُدرَج في قائمة حيوانات "الرئيسيات" الـ25 الأكثر تعرضاً للانقراض في العالم.

وقد يبدو من السهل رفع دعوات بيئية تحمل صور الباندا والكوالا؛ فهي ذات وجوه لطيفة وجذابة، وتستطيع جمع التعاطف والتبرعات أيضاً، لكن عادةً لا تحصل الحيوانات القبيحة على فرصة للحصول على الحب والاهتمام للحفاظ عليها من الانقراض.