التغيرات المناخية تبتلع أحلام سكان "عزبة البرج" في مصر


مروة بدوي
الخميس 14 سبتمبر 2023 | 07:16 مساءً
عزبة البرج تواجه آثار التغير المناخي
عزبة البرج تواجه آثار التغير المناخي

على بُعد نحو ٢٣٥ كم شمال القاهرة، وتحديداً بمحافظة دمياط المصرية، تقع عزبة البرج، التي تُلقَّب بـ"مدينة الصيادين"؛ حيث لا صوت يعلو فوق صوت أمواج البحر.

تحتضن المسطحات المائية العزبة من 3 جهات، لتجبر معظم القاطنين بها البالغ عددهم نحو 35 ألف نسمة على مهنة الصيد والملاحة وصناعة السفن.

ويوجد بالعزبة 1850 قارباً، وهو يعد أكبر أسطول آلي للصيد؛ حيث يمثل 60% من إجمالي أسطول الصيد في مصر، ويغطي إنتاجه استهلاك المحافظة والمحافظات المجاورة، ويُصدَّر جزءاً كبيراً للخارج.

عزبة البرج تواجه آثار التغير المناخيعزبة البرج - تصوير: فيروز ياسر

ويتميز أهالي العزبة بصناعة سفن الصيد؛ إذ تحتضن المدينة ترسانة لبناء السفن المتطورة، وأحواضاً عائمة لإصلاحها؛ ما يجعلها محطة ونقطة تموين لمراكب الصيد المتجهة جنوباً إلى البحر الأحمـر، أو شمالاً إلى البحر المتوسط.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، عرفت المدينة صناعة اليخوت التي ازدهرت وتوطنت في المنطقة بسبب مهارة الأيدي العاملة، لكن تلك المهنة التي يعيش عليها البسطاء باتت مهددة بالغرق؛ بسبب أزمة التغيرات المناخية.

ويُعَد أحد السيناريوهات المتوقعة لمنطقة شمال الدلتا، بما فيها عزبة البرج، السيناريو الذي تطرحه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ "IPCC"؛ أن يرتفع مستوى سطح البحر المتوسط بمقدار 20–80 سم، وما قد يعني غمر المناطق الساحلية في دلتا النيل نتيجة ذوبان الجليد عند القطب الشمالي بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.

المدى الزمني للسيناريو

ويقول حمدي الهواري – وهو باحث في العدالة المناخية والتعليم من أجل التنمية المستدامة – لـ"جرين بالعربي" إن هناك عدة سيناريوهات تتناول مستقبل السواحل المصرية بشمال الدلتا، لكن ربما يكون هذا السيناريو الصادر عن "IPCC" هو الأقرب للواقع؛ لأنه مبني على تداعيات ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة التي تعاني منها المنطقة، كما أنه "أقل تشاؤماً" مقارنةً بالسيناريوهات الأخرى.

وطبقاً لهذا السيناريو، سوف يصل ارتفاع منسوب المياه إلى 100سم في عام 2100، وسوف يبلغ حجم المسطح المتضرر من الدلتا نحو 25% من إجمالي مساحتها. أما حجم السكان المتضررين فسوف يبلغ نحو 6 ملايين نسمة.

وتشير التقديرات بوجه عام إلى أن درجة حرارة الأرض سترتفع 3 درجات عند نهاية القرن الحالي، وهناك تقديرات أخرى تتوقع أنه بحلول عام 2030 ستكون الحرارة ارتفعت بمعدل درجتين على كل الأحوال.

ومع تنامي ظاهرة الاحتباس الحراري، سوف تذوب طبقات الثلوج بالمناطق المتجمدة، ويزداد منسوب البحار والمحيطات، وسوف تكون السواحل الشمالية في مصر من المناطق المعرضة لمخاطر ارتفاع منسوب البحار وغرق جزء من الدلتا.

وفق هذا السيناريو، فإن ارتفاع منسوب البحر 100 سم يهدد 9 محافظات، هي الإسكندرية والإسماعيلية والبحيرة والدقهلية والشرقية وبورسعيد ودمياط وشمال سيناء وكفر الشيخ؛ وذلك بواقع 37 مدينة بمساحة أكثر من 35 ألف فدان.

تداعيات خطيرة

وتختلف درجات مرونة المدن الساحلية المصرية في التعامل مع التغيرات المناخية؛ فكل منطقة لها خصوصية تنعكس على مستقبلها في مواجهة هذه الأزمة.

ويقول الهواري إن عزبة البرج تشهد ظاهرتين؛ أولهما ارتفاع شديد في درجات الحرارة تجاوز حاجز 40 درجة مئوية، والثانية انخفاض كبير في كمية الأمطار المتساقطة؛ الأمر الذي أدى إلى تدهور الأراضي الزراعية وتضرر المحاصيل. 

عزبة البرجعزبة البرج - تصوير: فيروز ياسر

وفيما يتعلق بالصيد، أدت التغيرات المناخية والتقلبات الجوية إلى تأثر حركة الصيد في بحيرة المنزلة، وكذلك بوغاز عزبة البرج. والبوغاز هو فتحة مائية ضيقة تصل البحر المتوسط ببحيرة المنزلة؛ حيث توقفت أغلب المراكب عن الخروج للصيد في البحر المتوسط بسبب الطقس السيئ، مثل سرعة الرياح وارتفاع الأمواج.

ويؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر وتعرض المنطقة للفيضان على الاستزراع السمكي بالمنطقة، الذي يمثل دوراً حيوياً في تخفيف الضغط على المصايد الطبيعية، ويحد من استنزافها، ويترك لها فرصة للتكاثر والاستدامة، كما يعمل على استغلال مياه الصرف الزراعي والأراضي البور.

وأوضح الهواري أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى نمو الأسماك في ظروف بيئية غير ملائمة، وقلة نسبة الأكسجين المذاب في المياه يؤثر على العمليات الحيوية الخاصة بالأسماك وقدرتها على التكاثر؛ ما يقلل كمية وأحجام الأسماك.

وفي المقابل، سوف ترتفع نسبة ثاني أكسيد الكربون؛ ما يؤدي إلى زيادة ذوبانه في مياه المحيطات والبحار، وارتفاع حموضة المياه المؤثر على نمو وتكاثر الأحياء المائية.

كما يمكن أن ينتج عن الاحتباس الحراري تعريض حياة الآلاف من فصائل الكائنات المائية لخطر التهديد بالانقراض واختلال التنوع البيولوجي بوجه عام.

يأتي ذلك بجانب زيادة ملوحة مياه البحيرات الشمالية، ومنها بحيرة المنزلة، نتيجةً لارتفاع درجة الحرارة ومن ثم زيادة نسبة البخر، فضلاً عن ظاهرة التلوث الناجمة عن الصرف الصناعي والزراعي وقلة المياه العذبة الواردة للبحيرات.

الفئات المهمشة

ووفق منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) فإنه بسبب ارتفاع درجة حرارة مياه البحر واختلاف توزيع مواقع الأسماك، سوف يجب على الصيادين العمل بعيداً عن الشاطئ للمحافظة على معدلات الصيد المعتادة؛ ما يعرضهم للمخاطر، ويؤدي إلى خفض الدخل.

الصيادين

ويؤدي الجفاف إلى فساد المحاصيل وزيادة أسعار الأطعمة، ويهدد بانعدام الأمن الغذائي، وخاصةً للمهمشين والفقراء؛ ما قد يتسبب في زيادة الهجرة والنزاعات، وكبح الفرص للأطفال، بحسب الهواري.

ولفتت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" إلى أن تغير المناخ يشكل تهديداً مباشراً لقدرة الطفل على البقاء والنماء والازدهار، بجانب انتشار أمراض مثل الكوليرا؛ ما يمثل خطراً داهماً على الأطفال بصفة خاصة.

والأطفال هم الأكثر عرضةً للأمراض التي ستزداد انتشاراً نتيجةً لتغير المناخ، ومنها الملاريا وحمى الضنك "الحمى المؤلمة للعظام". ويتحمل الأطفال دون سن الخامسة قرابة 90% من عبء الأمراض التي تعود إلى تغير المناخ.

العوامل الديموغرافية

وتعاني عزبة البرج مـن التلوث في النهر والبحر والبحيرة، بجانب تلوث مياه الشرب نتيجة تهالك محطات المياه؛ حيث تحولت المدينة إلى بركة من المخلفات، سواء مخلفات المصانع أو الصرف الصحي والزراعي؛ ما يؤثر سلباً على الإنسان والبيئة والمزارع السمكية والإنتاج الزراعي.

ومن جانبه، شدد أحمد العدوي الباحث في كلية البيئة والمجتمع بمعهد طوكيو للتكنولوجيا، على ضرورة الاهتمام بتحسين جودة المياه وحمايتها من التلوث؛ لأن استمرار التدهور مع تصاعد تأثيرات التغير المناخي، قد تؤدي إلى مخاطر كبيرة على الثروة السمكية ومن ثم على قطاع الصيد.

عزبة البرج

وأكد العدوي، في تصريح لـ"جرين بالعربي"، ضرورة دراسة ارتفاع تداخل أو تسرب مياه البحر المالحة إلى طبقات المياه العذبة بالمنطقة، الذي قد يؤدي إلى تلوث مصادر مياه الشرب، كما أن تسرب مياه البحر يعد من الأسباب الرئيسية لتدهور جودة طبقة المياه الجوفية في الدلتا.

وأشار إلى أهمية اتباع إجراءات التكيف وزيادة قدرة المدن على التأقلم مع تلك التغيرات المناخية، مع رفع كفاءة البنية التحتية لتكون مستعدة للأحوال الجوية المتطرفة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، وهطول كميات أمطار غير معتادة.

ودعا العدوي إلى تعزيز المشاركة المجتمعية، وعدم الاكتفاء بحملات التوعية، مع أخذ المستوى الاجتماعي لسكان عزبة البرج في الاعتبار؛ فهي أعلى المدن في محافظة دمياط من حيث نسب الأمية، مع ارتفاع نسب عمالة الأطفال؛ حيث تزيد العوامل الديموغرافية التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية للتغيرات المناخية.

إجراءات وقائية

وأوصى حمدي الهواري بضرورة استكمال مشروع الحائط البحري أمام بحيرة المنزلة؛ للحفاظ على ما تبقى منها من جزر ،واستثمار المنطقة، إضافة إلى تقليل الانبعاثات الكربونية عبر زراعة الأشجار الكثيفة مع تدوير مياه الصرف الصحي.

كما دعا إلى تمويل مشروع لدراسة أثر التغيرات المناخية على الثروة السمكية بالمنطقة، مع ضرورة إحلال المعالجة البيولوجية للتلوث المائي محل المعالجة الكيميائية بقدر الإمكان باستخدام المستخلصات أو الأنواع النباتية، مثل أجناس البكتيريا أو الطحالب أو النباتات الآمنة بدلاً من المواد الكيميائية.

وتظل أزمة المناخ تؤرق العالم، لا سيما الدول النامية الأقل إسهاماً في الانبعاثات الكربونية؛ حيث تشارك مصر سنوياً بنسبة 0.67% من إجمالي الانبعاثات العالمية، إلا أنها واحدة من أكثر الدول تضرراً من تداعيات التغيرات المناخية.