"بوسيدونيا".. رئة البحر المتوسط مهددة بالاختناق


فيروز ياسر
الاحد 27 اغسطس 2023 | 08:57 صباحاً

تخوض الأعشاب البحرية حرباً ضد تداعيات ظاهرة الاحترار العالمي على البحر المتوسط، الذي ارتفعت حرارته بنحو 3 أضعاف المتوسط العالمي.

ويواجه التنوع البيولوجي تهديدات نتيجة ارتفاع درجة حرارة البحر؛ إذ كشفت دراسة نشرتها مجلة "Global Change Biology" العلمية عن حدوث حالات نفوق جماعي بين عامي 2015 – 2019، إضافةً إلى وجود خطر يُحِيط بالأعشاب البحرية ذات القيمة البيولوجية.

وتغطي النباتات الخضراء المعروفة باسم "الأعشاب البحرية" نحو 0.1% من قاع المحيطات؛ حيث تعمل على تنقية مياه المحيطات وإيواء الأسماك وتوفير الغذاء لآلاف الأنواع البحرية.

وتُعَد أعشاب "بوسيدونيا" من أقدم الكائنات الحية على الأرض؛ إذ يعود تاريخها في البحر المتوسط إلى 200 ألف عام، ويتمثل دورها في رفع جودة الأكسجين بالنظام البيئي تحت الماء، إضافة إلى توفير الغذاء والمأوى لمئات النباتات والحيوانات البحرية.

وتُسمَّى مروج بوسيدونيا "رئة البحر"؛ حيث تستضيف نحو 20% من الحياة البحرية في البحر، وتمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، كما أنها مسؤولة عن شفافية مياه البحر، بجانب أنها تحمي الشواطئ ومناطق الكثبان الرملية من التآكل.

وتشير البيانات إلى فقدان ما بين 13% و40% من الأعشاب البحرية، خاصةً أن عشب البحر ينمو ببطء بمعدل سنتيمترَين فقط في العام الواحد، ومن ثم لا يمكن تعويض فقدانه بسهولة.

والصيد الجائر والاحترار العالمي وتلوث المياه عوامل أدت إلى خنق الأعشاب البحرية؛ حيث كشفت دراسة نشرها موقع "Frontiers" أن موجات الحرارة البحرية تسبَّبت في تغيُّر شكل النبات عن طريق انكماش مساحة الورقة وتعرُّضها لمزيد من النخر.

كما لفت تقرير صادر عن الاتحاد الأوروبي إلى تراجع مساحة سطح مروج الأعشاب البحرية بالبحر المتوسط بنسبة 34% خلال الـ50 عاماً الماضية، وعزا أسباب ذلك إلى الصيد الجائر والتلوث.

ووفق منظمة Pew Charitable Trusts غير الربحية، فإن 0.2% فحسب من مياه البحر المتوسط، مُصنَّفة بين المناطق البحرية المحمية بالكامل، أو التي تخضع لحماية مشددة، مقارنةً بـ2.9% من المحيطات العالمية.

بسبب وجود الأعشاب البحرية على الساحل من بداية الشاطئ حتى الأعماق، فإن هناك تأثيراً سلبياً للنشاط البشري على أعشاب "بوسيدونيا"، بجانب عوامل التلوث وتسرُّب مياه الصرف الصحي واقتحام العمران والتأهيل الساحلي

مخالفات مدمرة

بدورها، قال ياسين رمزي التي تعمل بمركز النشاط الإقليمي للمناطق المحمية التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، إن هناك تحديات تواجهها الدول لإنقاذ الأعشاب البحرية، خصوصاً بجنوب البحر المتوسط؛ بسبب وجود مشاكل أخرى تواجهها الدول، مثل الأزمات الاقتصادية، ومن ثم لا تتوافر حتى الآن الحماية للأعشاب بالجنوب، في وقت ترتفع فيه أعدادها عن تلك الموجودة بالشمال.

وأوضح رمزي في مقابلة مع "جرين بالعربي" أنه رغم وجود دراسات واستراتيجيات وخرائط حول مواقع أعشاب بوسيدونيا فإن تلك الدراسات ليست كافية.

وبسبب وجود الأعشاب البحرية على الساحل من بداية الشاطئ حتى الأعماق، فإن هناك تأثيراً سلبياً للنشاط البشري على أعشاب "بوسيدونيا"، بجانب عوامل التلوث وتسرُّب مياه الصرف الصحي واقتحام العمران والتأهيل الساحلي، وفق رأيها.

وأضاف: "هناك طرق صيد مُضرَّة بالـ(بوسيدونيا)، خاصةً الصيد بالجر. ويمنع القانون في دول البحر المتوسط الصيد في الأعماق، لكن هناك من يرتكب التجاوزات. وقد يمكن إيقاف هذه الممارسات من خلال المراقبة بالقمر الصناعي ومراكب صيد مخصصة للمراقبة لردع المخالفين وإنفاذ القانون".

هناك تعاوناً بين دول شمال البحر المتوسط ودول جنوبه من خلال تبادل الخبرات والمساعدة في التخطيط والقيام بمسح للأعشاب البحرية، أملاً في الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري قبل اختفاء أعشاب مثل الـ"بوسيدونيا"

قبل فوات الأوان

ووفق ما يراه ياسين رمزي، فإن زراعة الأعشاب البحرية ليست حلاً بديلاً؛ لأن نمو الـ"بوسيدونيا" بطيء جداً، يصل إلى 3 سم في العام الواحد. والأمر الثاني الذي قد يتم إغفاله هي غابات أعشاب البحر تحت الماء، التي تحتاج إلى مئات السنين لتتكون؛ لهذا إذا اختفت الغابة من مكان فلا بد من معالجة السبب أولاً لكي تُعاود الـ"بوسيدونيا" النمو مجدداً.

وأضاف: "كما أن زراعة الأعشاب تحت الماء مكلفة للغاية؛ حيث تحتاج إلى غطَّاسين وأدوات حديثة، ولا يمكن رؤية النتيجة إلا بعد عشرات السنين".

ومنذ عام 2012، تحاول تركيا من خلال منظمة (Fauna & Flora International ) والشريك المحلي (Akdeniz Koruma Derneği) استعادة النظام البيئي البحري، والحد من التهديدات التي تُشكِّلها ممارسات الصيد المُدمِّرة وغير القانونية؛ حيث تقوم المنظمة التركية بدوريات في عدد من مناطق حظر الصيد، إضافةً إلى مراقبة موائل الأعشاب البحرية، بما في ذلك قياس آثار تغيُّر المناخ والأنشطة البشرية؛ وذلك لوضع سياسات وطنية قوية لحماية الأعشاب البحرية بالبحر المتوسط.

كما أن هناك تعاوناً بين دول شمال البحر المتوسط ودول جنوبه من خلال تبادل الخبرات والمساعدة في التخطيط والقيام بمسح للأعشاب البحرية، أملاً في الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري قبل اختفاء أعشاب مثل الـ"بوسيدونيا".